مروان المعشّر- مركز كارنيغي-
يواجه الأردن اليوم حالة يجد فيها تغيراً ملحوظاً في علاقاته مع حليفيه التقليديين؛ الولايات المتحدة الأميركية والسعودية.
في الأمس، كانت الخطة "ب" حين تتعقد الأمور الاقتصادية أو الأمنية، وفي بعض الأحيان السياسية، تتمثل في التفاوض مع الولايات المتحدة أو السعودية للحصول على المزيد من المساعدات التي ساهمت في تحقيق الاستقرار الآني، لكنها ساهمت أيضاً في تعميق النظام الريعي؛ المعتمد على الآخر، والقاتل للإبداع والإنتاجية. وقلما ترافقت هذه المساعدات مع جهد مواز داخلي يحضّر لليوم الذي قد تتقلص فيه أو تنتهي هذه الأموال لسبب أو لآخر، كما حدث بالضبط في بداية التسعينيات، ومن هاتين الدولتين تحديداً، حين اختلفت المواقف السياسية.
اليوم، نواجه مشهداً يستوجب التوقف عنده طويلاً. الرئيس الأميركي باراك أوباما يقول في مقابلة مطولة مع مجلة "أتلانتيك" ما كان العديد من المحللين، بمن فيهم كاتب هذه السطور، يشير إليه، وهو أنه (أوباما) لا يعتبر "داعش" خطراً على الأمن القومي الأميركي، وأنه لا يرغب في التدخل العسكري البري في سورية، بل وأن أموراً مثل التغير المناخي هي الخطر الحقيقي عنده الذي يستوجب التدخل. بمعنى آخر، ورداً على من يزعمون أنه ليس للولايات المتحدة سياسة واضحة في الشرق الأوسط، يعبر الرئيس الأميركي بجلاء أنه على العكس من ذلك، هناك سياسة في غاية الوضوح، وهي الانسحاب من المنطقة، إلا حين يتعلق الأمر بإسرائيل؛ كما ينتقد وبعنف غياب الحاكمية الرشيدة في المنطقة، ويبعث رسالة واضحة بأن دول الإقليم عليها تدبير أمورها بذاتها.
وفي حين أن المساعدات الأميركية للأردن بلغت اليوم حداً غير مسبوق، إلا أنها وصلت ذروتها برأيي. وليس سراً أن الأردن والولايات المتحدة لا يتفقان اليوم بشأن عدد من المواضيع، وتحديداً كيفية التعامل مع "داعش"، وكبح جماح التدخل الروسي والإيراني في سورية.
في السعودية إدارة جديدة أصبحت أكثر جزماً وتشابكية في علاقاتها مع الجوار، وفق سياسة تقترب من مبدأ "من ليس معي فهو ضدي". ومن شواهد هذه السياسة التدخل العسكري في اليمن وسورية، وسحب المساعدات للبنان، والموقف الحازم من ايران. كما أن انهيار أسعار البترول أدى إلى عجز في موازنتها للعام 2015 مقداره 25 % من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المتوقع أن يكون 20 % في العام الحالي حتى مع كل الإجراءات التقشفية، ما يعني أن الاحتياطات النقدية المتحققة من وفر البترول في الأعوام الماضية ستختفي بحلول العام 2020. وخلاصة الحديث أنه من المشكوك به، لاعتبارات اقتصادية وسياسية، استمرار السعودية بدعم دول عدة في المنطقة، كمصر والأردن ولبنان، بنفس المستويات السابقة. والمنحة الخليجية للأردن ستنتهي منتصف العام المقبل، وليس من الواضح أبداً أنها ستُجدد بالمستوى ذاته.
ماذا يعني كل ذلك؟ الخلاصة المُرة هي أننا قد نشهد اليوم انحسار عصر الاعتماد على السعودية والولايات المتحدة، وأن الوقت قد حان لمراجعة سياسة الاعتماد على المساعدات الخارجية، لأنها ببساطة غير مستدامة. لقد أضعنا وقتاً كثيراً من دون أن نطور سياسة اقتصادية داخلية موازية، تنقلنا من النظام الريعي إلى نظام إنتاجي يخلق فرص عمل حقيقية ويرفع من مستوى معيشة المواطن العادي. وفعلنا ونفعل ذلك تحت ذرائع لا تنتهي. ونقترب اليوم من ساعة الحقيقة؛ فإما أن نطور خطة للانتهاء من المساعدات والاعتماد بدلاً منها على الذات، أو سندفع الثمن مضاعفاً لكل لحظة نتأخر فيها عن ذلك. ولن ينفعنا حينئذ لا التحجج بالأمن ولا بأي موضوع آخر.
مررنا بوضع أصعب في الثمانينيات، اضطررنا فيه للذهاب إلى صندوق النقد الدولي، وبشروط قاسية، لأننا لم نرغب وقتها في مواجهة الحقيقة حتى نفدت احتياطياتنا بالكامل. الانتظار بعد اليوم خطيئة بحق أبنائنا وبناتنا، وبحق الوطن.