قتادة الطائي - الخليج أونلاين-
عصفت بالعلاقات السعودية المصرية مؤخراً موجات اختلاف في وجهات النظر تجاه عدد من قضايا المنطقة؛ ما جعل فهم مستقبل العلاقة بين البلدين غير واضح في ظل تشاركهما واتفاقهما في قضايا أخرى، وهو ما ينتظر أن يتضح أكثر خلال زيارة الملك سلمان للقاهرة في 7 أبريل/نيسان.
والزيارة هي الأولى للملك سلمان منذ توليه مقاليد الحكم، وقالت مصادر بالمخابرات المصرية إن السيسي يريد أن تخفف هذه الزيارة من التوترات الأخيرة في العلاقات، وجذب مزيد من الاستثمارات السعودية؛ أملاً في إنقاذ الاقتصاد المصري الذي وصفه مختصون بأنه "يغرق"، وطمأنة الرياض بشأن دعم القاهرة لموقفها إزاء إيران وبحث إمكانية إبرام صفقات سلاح.
استبقت القاهرة زيارة العاهل السعودي بإغلاق بث قناة "المنار" التابعة لحزب الله، الذي تشن الرياض حملة لإيقاف نشاطه في المنطقة، ودفعت بجانب دول خليجية أخرى إلى تصنيفه "منظمة إرهابية".
إلا أن الرياض تختلف مع الموقف المصري من مسألة مصير النظام السوري ورئيسه الأسد؛ إذ تكرر السعودية تأكيدها أن لا حل في سوريا بوجود الأسد.
وعلى العكس من ذلك، لا يبدو أن النظام المصري وزعيمه السيسي يكترث بمقتل 300 ألف سوري منذ بدء الثورة قبل خمس سنوات، ويرى أنه يخشى من أن سقوط نظام الأسد يهدد دول المنطقة، ومن بينها إسرائيل.
ويرى السيسي، حسبما نقلت عنه شبكة "سي إن إن"، أن "الجيش السوري سينهار، وقد يقع عتاده العسكري برمته في يد الإرهابيين، وأن ذلك قد لا يهدد سوريا فحسب، بل الأردن ولبنان وحتى إسرائيل".
وترفض القاهرة رسمياً التدخل البري في سوريا، وتعتبر التدخل السعودي المحتمل قراراً منفرداً؛ الأمر الذي فرض تساؤلات عدة حول تخلي مصر عن السعودية في سوريا مجدداً كما كان الحال في اليمن.
بالمقابل، يشكل التقارب بين النظامين الروسي والمصري، استفهاماً آخر، حيث تؤيد مصر بشكل كامل الضربات الروسية في سوريا وتعتبرها ناجحة.
ووسط مشاركة القاهرة في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، يردد مراقبون أن السعودية لن تسكت على الازدواجية المصرية في التعامل مع القضايا المشتركة، حيث يمثل تأييد ضربات روسيا تأييد مصر ضمنياً لإيران وتدخلاتها في سوريا، في حين تحارب مع التحالف الحوثيين المدعومين من طهران في اليمن.
وبالنظر إلى الدور المصري في المشاركة في رعد الشمال، تبين أن دورها مقرر سلفاً، وينحصر في التدريبات المشتركة، وقد أشار المحللون إلى أن الدور المصري في المشاركة في تدريبات كرعد الشمال ليس جديداً، ولن تكون الأخيرة، وفور الانتهاء منها ستعود القوات إلى مصر مرة أخرى.
كما يرى مراقبون أن السعودية تسعى لإنجاز مصالحة تركية-مصرية للنهوض بتحالفها العسكري الإسلامي الوليد، الذي يحتاج في مواجهته تنظيمَ الدولة وأذرعَ إيران في المنطقة، وجميعَ المنظمات الإرهابية، إلى انسجام بين أعضائه، وعلى رأسهم تركيا ومصر.
- الاقتصاد عصب العلاقة
وأمام تشعب المواقف السياسية بين البلدين، يشكل الاقتصاد عصب العلاقة بينهما، حيث من المقرر أن تشهد الزيارة التوقيع على عديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم حول مجالات التعاون المختلفة، التي تم الاتفاق عليها خلال الاجتماعات المتتالية التي شهدتها القاهرة والرياض في إطار المجلس التنسيقى المصري–السعودي، وهي عالقة تنتظر أن يبت بها العاهل السعودي، ويؤكد محللون أن لا دعم مستمر مقابل عدم الاتفاق على مسار العلاقات في الجانب السياسي.
وسبق زيارة الملك سلمان، عقد مجلس الأعمال السعودي المصري، اجتماعاً في يوم وصول الملك، وأكد وزير التجارة والصناعة المصري، طارق قابيل، في كلمته خلال الاجتماع، أن العلاقات الاستراتيجية التي تربط المملكة ومصر سياسياً واقتصاديا تمثل نموذجاً يحتذي به في العلاقات المشتركة القائمة على تحقيق المنفعة المتبادلة لكلا البلدين، لافتاً إلى حرص الجانبين على خلق المناخ الملائم لتنمية العلاقات المشتركة في كل المجالات وعلى مختلف الأصعدة.
من جهته، أعلن نائب رئيس مجلس الأعمال السعودي المصري، عبد الله بن محفوظ، في تصريح قبل يومين من زيارة الملك، تأسيس شركات سعودية جديدة في مصر برأسمال يبلغ أربعة بلايين دولار.
وأمر العاهل السعودي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بمساعدة مصر في تلبية حاجاتها النفطية على مدى السنوات الخمس المقبلة، وزيادة الاستثمارات السعودية لتتجاوز 30 مليار ريال.
ويخشى نظام السيسي أن يؤدي تراجع أسعار النفط إلى تشكيل ضغوط مالية كبيرة على دول الخليج، التي يعتمد كثير منها على تصدير الخام كمصدر رئيسي للدخل؛ ومن ثم سيساهم ذلك في تراجع المساعدات التي يمكن أن تأتي منها، والتي "تمثل شريان الحياة الأساسي" للاقتصاد المصري في الوقت الراهن، الذي تهاوى بفعل الأزمات الاقتصادية التي عصفت به مؤخراً، وعلى رأسها قطاع السياحة.
وفي منتصف الشهر الماضي، خفض المركزي المصري سعر صرف الجنيه 112 قرشاً أمام الدولار، بنسبة 14.5% ليصل سعر الدولار إلى 8.85 جنيه، قبل أن يعزز قيمته فيما بعد بسبعة قروش ليصبح سعره الرسمي لدى المركزي 8.78 جنيه لكل دولار. لكن سعر الدولار المتداول حالياً في السوق الموازية يزيد على 10 جنيهات.
وتدين مصر للسعودية بأنها بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي 2013، ضخت 5 مليارات دولار في شرايين الاقتصاد المصري، ثم أودعت بداية مارس/آذار 2014 نحو ملياري دولار لدى البنك المركزي المصري، إضافة إلى منح عينية قدمتها لمصر، تقدر بنحو 1.6 مليار دولار.
وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وقّع البلدان اتفاقاً لإنشاء مجلس تنسيق مشترك لتنفيذ "إعلان القاهرة"، الذي صدر في ختام زيارة الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، إلى مصر، في 30 يوليو/تموز من العام نفسه، وعقدت عدة اجتماعات بين البلدين، وينتظر التوقيع النهائي بحضور العاهل السعودي بالقاهرة.