جمال بنون- الحياة السعودية-
حال الاقتصاد المصري اليوم أفضل بكثير عمّا كان عليه في السابق، وأهم ما يشجع على تحسن ونمو اقتصادها، هو الاستقرار السياسي والأمني، وجملة الإصلاحات التي تقوم بها مؤسسات الدولة، ما يعني أن مختلف الأنشطة الاقتصادية مرشحة لتتصدر وتشكل علامة فارقة في المشهد الاقتصادي العربي، وربما تكون إحدى الدول العربية الأكثر نمواً واستقراراً خلال المرحلة المقبلة، لكن من الضروري أن تستغل مصر هذه العافية لصالحها، وأن تتحول تدريجياً إلى أحد أهم الاقتصادات، وتكون هي «صين العرب».
مصر اليوم تملك كل مقومات البنية التحتية من مهن وحرف وبيئة استثمارية، وصناعات متعددة وأنشطة تجارية متنوعة، والأهم من ذلك أن لديها عمالة مهنية قابلة للتطويع في مختلف المجالات.
هذا الاستقرار ساعد في تدفق الاستثمارات الأجنبية وبخاصة العربية، ومن أهمها تلك التي أسفرت عنها زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، إذ تعد زيارة تاريخية لملك سعودي، شهدت اتفاقات في مجملها اقتصادية وتنموية وتفتح آفاقاً متعددة، ومن أهمها مشروع الربط البري بين البلدين، الذي أطلق عليه الرئيس عبدالفتاح السيسي، جسر الملك سلمان، كما وصف العاهل السعودي هذا الجسر بأنه خطوة تاريخية سيربط القارتين الآسيوية والأفريقية، إضافة إلى أنه سيرفع التبادل التجاري بين القارتين إلى مستويات غير مسبوقة، وشهدت الزيارة التوقيع على نحو 17 اتفاقاً تتضمن قروضاً لإنشاء وتمويل مشاريع متعددة، تسهم بشكل فعّال في دعم الاقتصاد المصري وتوفير فرص عمل لأبنائها، ويؤسس أيضاً لعلاقة قوية ومتينة بين البلدين الكبيرين، وبخاصة في ما يتعلق بتعيين الحدود البحرية.
بالتأكيد حينما تدعم السعودية وباهتمام من أعلى قيادة في البلاد التوجهات الاقتصادية المصرية، هي إشارة واضحة إلى أن التعاون بين البلدين وصل إلى مرحلة تتطلب المزيد من التفكير في مستقبل الأمة العربية، وخصوصاً في مجال التنوع الاقتصادي وخلق فرص عمل، وأن يكون للعرب أيضاً «نمر» أو «تنين»، كما هو حال النمور الآسيوية المعروفة تايوان وسنغافورة وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية، إذا ما علمنا أن الصين واليابان تحاولان اللحاق بهذه النمور، لما شهدته من نمو اقتصادي كبير وثورة صناعية متقدمة.
عربياً، ليس هناك حتى الآن دول يمكن أن نطلق عليها هذا اللقب، إنما مصر اليوم تمتلك مؤهلات عدة لأن تتقدم وتتطور، وتتصدر السعودية قائمة الدول العربية الأكبر استثماراً في مصر بقيمة 6.2 بليون دولار.
خلال الأعوام الماضية سجل النمو الاقتصادي في مصر ارتفاعاً ملاحظاً من 1.4 في المئة قبل أعوام إلى 4.3 في المئة العام الماضي، وبمعدل نمو سنوي إلى نحو تسعة في المئة، فما هي الفرص التي تدفع مصر لتصبح «صين العرب» إن صح هذا التعبير.
يجب أن نعترف أن مصر استطاعت أن تحافظ على مكانتها الاقتصادية والصناعية ولا سيما المهنية منذ القدم، وبخاصة القطن والزراعة، وهذه لوحدها يعمل فيها نحو 30 في المئة من إجمالي قوة العمل، وتسهم بنسبة 20 في المئة من الناتج المحلي، هذا القطاع يحتاج إلى المزيد من المشاريع، وخصوصاً في مجالات المنسوجات القطنية، وهي أهم المجالات التي يمكن أن تتطور فيها مستقبلاً لمنافسة الأسواق العالمية.
من أهم عوامل نجاح بيئة الاستثمار في مصر أن لديها عمالة مؤهلة من أبنائها وبناتها، سواءً في مهن حرفية أم خبرات علمية، ما يساعد أي مستثمر على إيجاد العمالة المطلوبة من داخل البلاد، ولا يحتاج إلى البحث عنهم من الخارج، وهذه من أعظم الميزات التي لا تتوافر في أي من البلدان العربية الأخرى، وحتى تتحول مصر إلى قوة اقتصادية فاعلة، عليها أن تدفع بمشاريعها الصناعية الصغيرة والمتوسطة وأيضاً المشاريع الصناعية المتناهية الصغر، وليست الكبيرة فقط، كما عليها أن تدعم وتؤهل الشباب، وأن تصمم برامج لتبني الأسر المنتجة والصناعية ولا سيما الصناعات اليدوية.
بعضنا يرى أن هذا مستحيل أو صعب في البلدان العربية، خصوصاً أن شعوبها تمزقها الصراعات الجانبية فيما بينها من طائفية وعنصرية، إنما هذه فرصة أن تقدم مصر أنموذجاً اقتصادياً وصناعياً يحتذى به، ويلتفت شعبها لمستقبل تطوير البلاد، لتحتل الريادة وتسهم في تحسين مستوى متوسط دخل الفرد، الذي لا يتجاوز ثلاثة آلاف دولار سنوياً.
برزت في مصر خلال العقود الماضية صناعات حربية وغيرها من الصناعات، إلا أنها مثل أي بلد عربي، ليس فيها ما يغري لتكون مميزة ومنفردة، وبالكاد تغطي حاجات شعبها، على رغم إسهام القطاع الصناعي بنسبة 80 في المئة من الناتج المحلي، وحتى تتحول مصر إلى أهم البلدان الصناعية والأسرع نمواً والأكبر في الأسواق العربية وحتى الإقليمية والعالمية، عليها أن تخطط وتعد خريطة طريق لمستقبلها الصناعي، وتستفيد من تجارب دول أخرى مثل الهند والصين أو حتى هونغ كونغ، وتحدد لنفسها المسار الاقتصادي الذي تسير عليه، وحينما تتوافر فرص المغريات والمميزات، ستختار بنفسها نوعية الاستثمار الذي تريده في بلادها، وليس فقط الاستثمار لأجل جلب المال من دون تخطيط، حتى تتخلص من الدعم المالي الخارجي وقروض البنوك العالمية، وتعتمد على بناء اقتصادها من مواردها المالية وسواعد أبنائها.
من المهم على البلدان العربية من خلال القمة التنموية الاقتصادية والاجتماعية، أن تدعم مصر في توجهها الاقتصادي في المرحلة المقبلة، مع تشجيع الاستثمار فيها وتقوية اقتصادها، وهذا يقودنا إلى سرعة إنشاء تكتل اقتصادي عربي من دول عدة، في مقدمها السعودية ودول الخليج ومصر والسودان، وجسر الملك سلمان أحد روافد تحسن الاقتصاد في البلدان الأفريقية، فالمتوقع أن يحقق الجسر عائداً سنوياً يصل إلى 200 بليون دولار، ورفع التبادل التجاري بين القارتين آسيا وأفريقيا. وعلى المصريين أن يرفعوا شعار التحدي ومدة زمنية لتتحول إلى أحد الصقور العربية الأسرع والأكبر نمواً.