حازم عياد- السبيل-
إعادة مأسسة العلاقة الاردنية السعودية من خلال مجلس التنسيق المشترك، اضافة غير تقليدية تنسجم مع رؤية القيادة السعودية التي بادرت الى مأسسة تحالفاتها وعلاقاتها مع اصدقائها، سواء في مصر أم تركيا أم امريكا، بل إن ولي العهد الثاني الامير الشاب محمد بن سلمان سعى إلى تطوير إدارة صفقات التسلح السعودية أثناء عمله في وزارة الدفاع من خلال تفعيل اللجان القانونية والفنية، للاشراف على الصفقات وجودة الاسلحة.
فاللجان القانونية والفنية في وزراة الدفاع لم تكن مُفعلة بشكل كامل في حينها بحسب ولي ولي العهد، أمر انسحب على العلاقة الاردنية السعودية التي لم تعد تقليدية تعتمد على مجرد العلاقات الاخوية التي تربط البلدين، وإنما على مؤسسات تشرف على صياغة هذه العلاقة وتطويرها، والاشراف عليها بعد ان كانت مقتصرة على العلاقة المباشرة بين القيادتين السعودية والاردنية، وهنا يكمن الملمح الاساسي للتغير بتجاوزها الصيغ التقليدية التي تحكمت في ادارة العلاقة بين البلديين طوال العقود الماضية، ظاهرة باتت تأخذ بعدا واضحا في السياسة السعودية عموما، وغير مقتصرة على العلاقة مع المملكة الاردنية.
توقيع المملكة الاردنية على اتفاق تأسيس مجلس التنسيق السعودي- الاردني، مثّل نقلة نوعية، وخطوة جديدة في ادارة العلاقة بين البلدين، تُبنى على اساس من المصالح المشتركة وتنميتها من خلال مؤسسات اقتصادية وسياسية، مسألة باتت مثار جدل في اعقاب هيمنة انطباع عام، يشير الى فتور في العلاقة الاردنية السعودية لم تبدده مشاركة الاردن في مناورات رعد الشمال، فهل تبدد بعيد الاعلان عن تأسيس مجلس التنسيق، وزيارة الملك عبد الله الثاني للرياض، ولقائه الملك سلمان بن عبد العزيز.
الاتفاق سبقه لغط وتبعه جدل كبير اخذ في الاتساع جدل محلي اردني، وارتباك اعلامي وسياسي تمثل بتصريحات رئيس الوزراء الاسبق عبد الكريم الكباريتي، ألمح فيها الى ضرورة اعادة تقييم للمشهد الاقليمي في سوريا والعراق والخليج العربي، لتتحول الى جدل اوسع مع ظهور اعلامي لافت لرئيس الديوان الملكي فايز الطراونة، الى جانب رئيس الوزراء الاسبق سمير الرفاعي وفيصل الفايز الذي شغل بدروه ايضا منصب رئيس الحكومة في وقت سابق، واخيرا وليس آخرا، رئيس الديوان الملكي السابق باسم عوض الله المبعوث الخاص للمملكة الاردنية للرياض، وسمير حباشنة الذي شغل منصب وزير الداخلية في مرحلة سابقة، اللقاءات والتصريحات والتعليقات تناولت في جانب مهم منها العلاقة الاردنية السعودية، وتوجهاتها المستقبلية، والآليات المتبعة لتطوير العلاقة.
لا يمكن القول إن الرؤى موحدة إلا أن المضامين متشابهة؛ إذ ذهب المسؤولون السابقون الى تأكيد العلاقة التاريخية الاردنية السعودية، واختلفوا في مستوى التطور الحاصل في هذه العلاقة واتجاهاتها؛ فمنهم من اعتبرها علاقة اخوية تقليدية راسخة، لم يطرأ عليها أي تغيير، ومنهم من اعتبرها علاقة متطورة وغير تقليدية، ومنهم من انتقد آليات ادارة العلاقة، وإعادة صياغتها.
من جانبه، اعتبر الطراونة والرفاعي والفايز ان العلاقة تاريخية، والراوبط الجامعة بين المملكتين قوية، وان الرؤية مشتركة لكثير من القضايا، وعلى رأسها الارهاب ومواجهة التطرف، وعلى الرغم من التشابه الكبير في مضمون التصريحات واللقاءات، إلا أن خيطًا رفيعًا من التضارب يتبدى للمراقب للمشهد؛ إذ أن فيصل الفايز اعتبر العلاقة بين الاردن والسعودية علاقة تاريخية وتقليدية واخوية لم تتغير وهو ما يتناقض مع ما قاله باسم عوض الله بأن العلاقة مع السعودية لم تعد تقليدية، والتي فهم منها ان الاستثمارات والقروض والمشاريع المشتركة ستحل مكان الهبات والمنح والمساعدات على الارجح، فالعلاقة باتت تبادلية للمصالح.
في حين ان الجدل اشتعل حول الآلية المتبعة لإعادة تقييم وتطوير العلاقة الاردنية السعودية؛ ما ظهر في تعليقات الدكتور سمير حباشنة على صفحته على «الفيس بوك»؛ الملمح الاساس في الجدل الدائر يزداد تركزا على طبيعة العلاقة المستقبلية التي ستربط الرياض بـعمان، والاليات المتبعة لإدارة هذه العلاقة، وهذا مؤشر بحد ذاته قوي على حدوث تحول كبير ومهم في ادارة العلاقة ومأسستها، فرض نفسه على كل النخب المشاركة في هذا الجدل والنقاش الكثيف، فإعلان تشكيل المجلس تطور اشعل هذا الجدل وحوله الى موضوع مفضل للنخب السياسية؛ فمسار تطور العلاقة مع المملكة السعودية سيفرض تغييرات مهمة على سياسة الاردن الاقليمية والدولية، بل المحلية الداخلية.
فالاردن مطالب بالتكيف، وتحقيق التوازن المقبول في العلاقة بين المملكة السعودية والعلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية في ذات الوقت، الى جانب ضرورة مراعاة حلفاء السعودية المعتبرين، وعلى رأسهم تركيا؛ ما بدا تأثيره يتضح اقليميا في ابو ظبي لدى استقبال ولي العهد الامير محمد بن زايد لداوود اوغلو في محاولة امارتية لتجاوز العقبات التي وقفت امام تطوير العلاقات بين البلدين، بما يتساوق مع التوجهات السعودية الجديدة في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز.
الاردن امام استحقاقات سياسية محلية واقليمية لإعادة التكيف، وهو يسير ببطء وتأنٍّ، موحيًا بتأخره خطوات عن التغير السريع، في حين تتسارع الاحداث والتطورات في مصر ودول الخليج؛ فالعلاقات الاردنية لا تقتصر في حدودها على العلاقة مع دول الخليج، بل تمتد عميقا نحو الولايات المتحدة والكتلة الغربية؛ اذ بات شريكا اساسيا للناتو، وازدادت حصة المساعدات الامريكية له على شكل مساعدات عسكرية بلغت قيمتها هذا العام بعد تصويت الكونغرس الامريكي مليار دولار.
في حين أن المساعدات المقدمة من وكالة التنمية الامريكية USAID قاربت المليار دولار، فضلا عن قروض اليورو بوند بكفالة امريكية، يضاف لها مساعدات ليست بسيطة لمواجهة ازمة اللجوء قدرت اوليا بـ7 مليارات دولار كانت فرنسا سباقة في الايفاء بالتزاماتها في هذا المجال من خلال تقديم 900 مليون دولار على شكل قروض ومساعدات ومشاريع، اعلن عنها اثناء زيارة رئيس الجمهورية الفرنسي لعمان في نيسان الماضي.
ادارة المعادلة ازدادت تعقيدا بالنسبة للمملكة، وترافقت مع ضغوط من صندوق النقد لخفض نسبة الدين من الناتج القومي الاجمالي بسداد 5 مليارات دولار؛ اي ان المملكة ترزح تحت ضغوط وتجاذبات تتطلب عملية تكيف واسعة ومرونه كبيرة، إلا ان اعادة مأسسة العلاقات السعودية الاردنية يجعل من العملية مسألة اكثر تعقيدا وبطئًا، لتضاف الى سائر الملفات المعقدة التي باتت عمان تتعامل معها؛ ما يتطلب اعادة نظر في الاولويات المحلية، واعادة هندسة المشهد الداخلي امر سيزيد من حدة التنافس والتصارع بين النخب المحلية؛ ما سيكون له انعكاسات على علاقة الدولة بالقوى السياسية والمجتمعية مستقبلا؛ فالفاعلية السياسية في التعاطي مع تعقيدات المشهد المحلي والاقليمي باتت اكثر تعقيدا وصعوبة من ذي قبل.
تغير مفاجئ يحد من فاعلية الادوات التقليدية في ادراة المشهد المحلي والاقليمي، ويفرض استحقاقات اقتصادية واجتماعية وسياسية، خضعت لعمليات مماطلة في اعادة التكيف، كما خضع المشهد الاقليمي لذات عمليات المماطلة؛ ما يجعل من الصعب التعامل معها دون تطوير الادوات المحلية، وإعادة هندسة المشهد السياسي المحلي والاقليمي بعيدا عن تأزيم ما يزال شبحا يخيم على الساحة الملحية والاقليمية، معتمدا على الادوات والادارة التقليدية ذاتها التي بات من الواضح انها تعاني من الارتباك والتشتت.