علاقات » عربي

لماذا نجت الملكيات العربية من الثورات بشكل أفضل من الجمهوريات؟

في 2016/05/17

في القاهرة وفي مكتبه المطل على النيل، يضع رجل أعمال هاتفه المحمول في وعاء زجاجي على مكتبه، وفي أماكن أخرى من المدينة، جمد كثير من الكتاب استخدام الهواتف الذكية التي كانت ذات مرة من أهم أدوات الشباب الثوريين في جميع أنحاء العالم العربي.

وكل ذلك بسبب الخوف من أنها أصبحت وسائل المخابرات والشرطة السرية، للتنصت على المعارضين عن طريق قرصنة هواتفهم وتحويلها إلى أجهزة تنصت. في هذه الأيام يحتاج الصحفي الذي يعمل في جميع أنحاء العالم العربي إلى هاتف معبأ بأحدث تطبيقات الاتصالات المشفرة. المصريون يفضلون سيجنال. والسعوديون يفضلون تليجرام. ويعد واتساب أكثر شيوعا لدى اللبنانيين.

ضعفت الدولة العميقة في مصر قليلا فقط مع الثورة التي جرفت «حسني مبارك» في عام 2011. والآن عادت للانتقام، بعد أن أطاح الجيش بالرئيس المنتخب «محمد مرسي». تحت قيادة «عبد الفتاح السيسي»، الجنرال الذي يدعي أنه ابن الثورة، أصبح أكثر قمعية مما كان عليه الحال تحت حكم «مبارك»، كما صار أداء الاقتصاد أسوأ بكثير. بينما تتزايد الاحتجاجات، وبخاصة على صفقة «السيسي» مع الملك «سلمان بن عبد العزيز آل سعو»د لتسليم جزيرتين في البحر الأحمر إلى السعودية.

يوجد الكثير من أوجه التشابه مع القمع إبان الحكم العسكري لـ«جمال عبد الناصر»، لكن بدون خطاب ناصر القومي العربي. حاول «ناصر» سحق جماعة الإخوان المسلمين. وكما هو الحال مع «ناصر»، هناك خطر من أن «السيسي» سيحول الإسلاميين السياسيين إلى جهاديين عنيفين. «الدولة الإسلامية» أعلن نفسه في شبه جزيرة سيناء، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2015 أسقطت طائرة روسية بعد أن أقلعت من شرم الشيخ.

اللافت للنظر، أن كل الزعماء العرب الذين أطيح بهم في 2011 كانوا من فئة الجمهوريات، وليس الملكيات. وكانت «مصر عبد الناصر»، وفق «جان بيير فيليو»، وهو دبلوماسي فرنسي سابق تسمى «الدولة المملوكية»، بعد أن خضعت لحكم طبقة من العبيد الجنود الذين حكموا مصر من القرن الـ13 إلى القرن الـ16. السيد «فيلي» طبق التسمية على عدة جمهوريات أخرى منها الجزائر وسوريا واليمن، والتي لها تاريخ طويل وحزين من الهيمنة العسكرية على الدولة.

هذه «الجمهوريات الممالكية»، ومعظمها اشتراكي تميل للسيطرة المركزية على الاقتصاد، كان قادتها يرون أنهم يشكلون امتدادا للقومية الاستبدادية في تركيا تحت حكم «أتاتورك»، على الرغم من أن هذه الأنظمة لم تتشارك تماما مشاعر العلمانية المتشددة. وهي كانت أقرب في أنظمة الأمن الداخلي، إلى تلك الأنظمة في الاتحاد السوفيتي، والتي غالبا ما انحازت إليه.

خدمت القومية المتطرفة أيضا في إخفاء قاعدة الدعم الطائفي الضيق في بعض الأحيان من قبل الأنظمة مثل : الأقلية السنية في العراق والعلويين في سوريا. ولعله ليس من المستغرب أن هذه الأنظمة كانت من بين أكثر الأنظمة وحشية. وسميت العراق «جمهورية الخوف» من قبل الكاتب المنشق، «كنعان مكية». وأطلق على سوريا مسمى «الدولة الهمجية» من قبل المستعرب الفرنسي «ميشال سورا». في عهد صدام حسين، تم ضرب الأكراد العراقيين المتمردين بالغاز في عام 1988. وتحت حكم «حافظ الأسد«، تم سحق الإخوان المسلمين في سوريا في مدينة حماة عام 1982، كما شنت الجزائر الحرب القذرة والدموية ضد الجهاديين التي بدأت في عام 1992 واستمرت عشر سنوات.

الخوف والبغض

حكمت مصر في عهد «مبارك»، مع لمسة قمعية أخف وطأة، ربما لأنه كان حريصا على الحفاظ على دعم الحلفاء الغربيين . وقد كان لدى «السيسي» وازع أقل في سفك الدماء. وقتل الآلاف من جماعة الإخوان المسلمين، وتعرض عشرات الآلاف للسجن.

وفقا لنظرية المؤامرة فقد تم التلاعب بالثورة المصرية في عام 2011 من قبل الجنرالات طوال الوقت. وقد استخدموا المتظاهرين للتخلص من «حسني مبارك»، وجماعة الإخوان المسلمين، واستغلوا الأخيرة للتخلص من المحتجين الليبراليين وأخيرا استغلوا الليبراليين للتخلص من الإخوان وإدخال الحكم العسكري المباشر. في واقع الأمر، تبدو استجابتهم أكثر ارتجالا من ذلك بكثير، ولكنها أظهرت مدى تغول الدولة العميقة.

وقد استمر القمع التعسفي اء في المحاكم أيضا حيث يفترض أن يطبق القانون. لم يحترم «السيسي» أيضا الدول الأخرى في التعذيب والقتل حيث قتل في فبراير/شباط طالب دكتوراه إيطالي كان يقوم بإجراء البحوث على النقابات العمالية المصرية، ويعتقد أن الجريمة ارتكبت من قبل أفراد من الشرطة السرية.

يقول «يزيد صايغ» من مركز كارنيغي للشرق الأوسط «أنا لا أعتقد أن هناك دولة في مصر اليوم». ويضيف: «هناك تحالف من جماعات المصالح والمؤسسات، كل منها فوق الدولة».

وقد استقرت الشرعية في العديد من الجمهوريات على هدفين هما: الوحدة العربية وتحرير فلسطين. وهو ما لم يتم تحقيقه. وفي جميع الجمهوريات غالبا ما يستسلم الحكام لإغراء إنشاء السلالات. و في سوريا، نجح «حافظ الأسد» في ذلك، وفي مصر أراد حسني مبارك تثبيت نجله «جمال» مما أحدث ضجة كبيرة.

وفي اليمن، وكان «علي عبد الله صالح» يسعى إلى توريث الحكم إلى نجله أيضا. في تونس، كان الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، يعد لتوريث السلطة إلى صهره «صخر الماطري». وكان هذا زنادا للانتفاضات كما يقول «غسان سلامة»، أستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس.

وقد كان أداء السلالات العربية الأصيلة أفضل بكثير، على الأقل حتى الآن. في أيام الفتنة القومية ويبدو أنها غير مرشحة للتكرار فقد تمت الإطاحة بخمسة من الملوك العرب، من الملك «فاروق» من مصر عام 1952 إلى الملك «إدريس السنوسي» في ليبيا في عام 1969 في حين شعر البقية بالتهديد على مدى عقود. ولكن الآن يبدو أن هناك شيئا في طبيعة الملكية العربية يجعلها أكثر مرونة من الاستبداد الرئاسي.

مصادر الشرعية

يرى «السيد سلامة» أن هناك ثلاثة مصادر رئيسية لشرعية للحكام العرب: التمثيل (الانتخاب)، والإنجازات (معظم الجمهوريات لها عدد قليل من الإنجازات التي تدعو للفخر)، أما الثالث فهو تأسيس الدولة. «أنا أقودكم لأنني من أسسكم». هذا بالتأكيد ينطبق على العائلة المالكة في السعودية، والتي، بشكل فريد، أعطت اسمها إلى بلادها.

بالنسبة للدول الست المنتجة للنفط في مجلس التعاون الخليجي السعودية، الكويت، البحرين، قطر، الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، كان مفتاح البقاء هو المال. وعندما نشبت اضطرابات الربيع العربي كانت الملكيات تتباهي بزيادة الرواتب وإطلاق مشاريع جديدة للحفاظ على الدعم الشعبي.

وعلاوة على ذلك، فإن جميع دول مجلس التعاون الخليجي تتمتع بالدعم الدبلوماسي والعسكري غير المعلن من الخارج (في قطر توجد قاعدة جوية أمريكية كبيرة وفي البحرين قاعدة بحرية ). وبعد احتجاجات واسعة النطاق في البحرين، أرسلت دول الخليج الأخرى قوات درع الجزيرة للمساعدة في دعم النظام الملكي.

من جهة أخرى لدينا المغرب والأردن لا تنتجان النفط، ولكن ملكيهما، «عبد الله الثاني» و«محمد السادس» يستمدان جزءا من السلطة من الدين، ومن علاقة النسب إلى النبي محمد. كما يدعون الشرعية السياسية: لقد تم نفي السلطان المغربي السابق «محمد الخامس»، إلى مدغشقر من قبل الفرنسيين، وكان المطالبة بعودته صرخة للوطنيين المغاربة. وقد قام الهاشميون، من جانبهم، رفعوا راية التمرد ضد الحكم التركي (بمساعدة بريطانية) في عام 1916.

لقد امتلكت الملكيات قدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة. وعلى عكس الأسر الحاكمة في الخليج، حيث تتغلغل مشاركة العائلة المالكة في جميع أنحاء البيروقراطية الحكومية، فإن ملكيات المغرب والأردن تميل إلى الوقوف بمعزل أكثر عن الحكومة يوما بعد يوم. ما أنها ظهر مرونة أكبر في التعامل مع المعارضة، أو على الأقل الحفاظ على الحوار معها. خلال الربيع العربي، قام كلا البلدين بإدخال إصلاحات دستورية محدودة وحرصا على إجراء الانتخابات البرلمانية.

تعتبر الأردن أكثر توترا حيث قاطعت جماعة الإخوان المسلمين الاقتراع، بينما سعت الحكومة إلى شق صفوف الحركة. وفي المغرب، فاز حزب العدالة والتنمية المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين لأول مرة بأكثرية الأصوات. وقد أصبح زعيمه «عبد الإله بنكيران» رئيسا للوزراء على رأس ائتلاف مكون من أربعة أحزاب.

وقد تمت الهيمنة على التاريخ العربي منذ ظهور الإسلام في القرن في القرن السابع من طرف ثلاث إمبراطوريات: الأموية، العباسية والعثمانية. إن فكرة السلالات مهيمنة على العقلية السياسية بشكل كبير.

ويقول «عريب الرنتاوي» مدير القدس مركز للدراسات السياسية، وهي مؤسسة بحثية في الأردن أنه إذا أجري استفتاء في الأردن، فإن الأغلبية الساحقة ستصوت لصالح النظام الملكي.

وقد وافقت الأحزاب السياسية في الأردن والمغرب قبل كل شيء على قبول النظام الملكي. من جهة أخرى، يقول «الرنتاوي» أن «الأنظمة الدموية تخلق المعارضة الدموية».

ذي إيكونوميست - ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد-