بعد الإعلان عن تحرير الرمادي في محافظة الأنبار، كثرت المعلومات عن تحركات سعودية باتجاه المحافظة «لغايات إنسانية ومن أجل المساعدة على إعادة إعمارها». أثار هذا التحرّك شكوكاً كثيرة، وخصوصاً أنه يأتي في ظل استعار الحديث عن تقسيم العراق إلى أقاليم
منذ أن أُعلن تحرير مدينة الرمادي (مركز محافظة الأنبار)، انتشرت معلومات تفيد بأن السعودية تتحرّك باتجاه المحافظة الواقعة غربي العراق، للسيطرة اقتصادياً وسياسياً عليها، من خلال دعم زعماء العشائر والقيام بـ«مشاريع إعمار».
ووفقاً لهذه المعلومات، فإن «السفير السعودي في بغداد ثامر السبهان، يعقد لقاءات شبه دورية مع زعماء عشائريين وسياسيين من الأنبار، للتنسيق معهم في قضايا محلية». وأكدت مصادر «الأخبار» أن «السبهان التقى أطرافا من الأنبار في العاصمة بغداد، وأيضاً في عاصمة إقليم كردستان أربيل، التي زارها قبل أسابيع». وأشارت المصادر إلى أن «هذه اللقاءات كانت تجري تحت عنوان المساعدة في ملف النازحين من الأنبار، وأيضاً وفق إمكانية أن تستثمر السعودية، عن طريق شخصيات عراقية، في مشاريع إعمار للمناطق التي تضررت أثناء وجود داعش».
وما يعزّز هذه المعلومات عن الاهتمام السعودي «المفاجئ» بالأنبار، تصريحات صادرة عن السبهان قال فيها إن بلاده تنوي إرسال المزيد من المساعدات للنازحين من المحافظة، وهو الأمر الذي حدث فعلاً، مع إعلان مطار بغداد الدولي، الأسبوع الماضي، استقبال طائرات سعودية تحمل تلك المساعدات.
ويرتبط الحديث عن مساعي السعودية في المحافظات الغربية بجدل واسع عن مستقبل هذه المناطق، بعد تحريرها من «داعش»، حيث تؤيّد أميركا مشروع «الأقاليم الطائفية» في العراق كبديل عن الوضع الحالي. وعلى هذا الأساس، يجري التعامل مع المعلومات عن مشروع الرياض، وفق قناعة مفادها أن أطرافاً إقليمية، تتقدمها السعودية وتركيا وقطر، تتنافس على مناطق نفوذ داخل العراق، من خلال استغلال الأوضاع المضطربة التي أوجدها تنظيم «داعش».
كما ان التحركات السعودية تأتي في ظل الحديث عن أن مشروع «داعش» يندرج في إطار مسعى أميركي، تتشاطره دول إقليمية، ويتمثل بتقسيم العراق إلى أقاليم على غرار إقليم كردستان (شمال العراق)، وهو أمر جرى التطرّق إليه صراحة من قبل مسؤولين في واشنطن، كان أولهم نائب الرئيس الأميركي جو بايدن.
في هذا الإطار، قال الباحث العراقي عزيز حسن إن «السعودية تتحرك، باكراً، من أجل تأكيد وجودها في الأنبار، على اعتبار أنها المنطقة الأسهل لها مقارنة بالموصل، التي تقع تحت دائرة الاهتمام التركي». وأشار إلى «مخاوف» سعودية من أن تحظى دول منافسة لها على نفوذ سياسي واقتصادي، في مرحلة ما بعد «داعش»، مع تصاعد فكرة مشروع «الإقليم السني»، الذي من المتوقع أن يضم محافظات الأنبار والموصل وصلاح الدين.
ولا يستبعد حسن أن تشهد محافظة الأنبار صراعات سياسية، من أجل الحصول على عقود الإعمار التي من المفترض أن تقدمها السعودية مع دول أخرى.
بدوره، أكد عضو البرلمان العراقي عن ائتلاف «دولة القانون»، عبد السلام المالكي، أن «دولاً إقليمية تسعى إلى فرض الأقاليم الطائفية في العراق، استجابة لمشروع أميركي أعلن عنه جو بايدن، قبل أربع سنوات»، في إشارة منه إلى التقارير التي تتهم أنقرة والرياض بالسعي إلى فصل محافظات عراقية عن سيطرة الحكومة في بغداد. وأضاف المالكي لـ«الأخبار» أن «هناك قوة دولية وإقليمية تحرّك أجنداتها داخل العراق، ونستشعر الخطورة على مستقبل المناطق الساخنة». واعتبر أن «الأصوات التي ترفض مشاركة قوة عراقية معيّنة في الجهود لطرد داعش، وتطالب بتدخل دولي لتحرير المناطق، تدفع في الوقت ذاته من أجل فصل المناطق عن العراق، وهي بذلك تتيح للسعودية وتركيا وأميركا التحكم بمصير هذه المحافظات». كذلك، أشار المالكي إلى أن «بعض الدول تدفع باتجاه السيطرة على هذه المناطق (المحرّرة من داعش) عبر التحرك باتجاه رؤساء العشائر».
في المقابل، أكد عضو مجلس عشائر الأنبار، الشيخ عمار الجريسي، أن «السعودية اعتمدت على جهات محلية، من أجل توزيع مساعداتها للنازحين»، لكنه رفض في الوقت ذاته الحديث عن تمكن الرياض من استمالة أطراف عشائرية. وقال لـ«الأخبار» إن «هناك من يروّج لمشروع الإقليم السني، من سياسيي الأنبار، وذلك خدمة لمصالحهم لكننا نرفض هذا المشروع، ونصرّ على أن تحرّك أي دولة يجب أن يكون عن طريق الحكومة العراقية». كما أضاف أن «السعودية أعربت، مع دول أخرى، عن استعدادها للمشاركة في إعمار الأنبار، لكننا نريد أن يتم ذلك، أيضاً، عن طريق الحكومة».
من هنا، يُبرِز الحديث عن «العراق ما بعد داعش»، مخاوف من أن تتحوّل المحافظات التي احتلها التنظيم، في صيف عام 2014، إلى مناطق تنافس إقليمي، تكون أطرافه ممثلة بعراقيين مقرّبين من السعودية وتركيا وقطر. وقد أوضح المحلّل السياسي ماجد الحسني أن «التنافس على زعامة القرار الإقليمي كان واضحاً بين السعودية من جهة، ومن قطر وتركيا من جهة أخرى»، مشيراً في هذا المجال إلى أن «هذا ما حدث في مصر، مثلاً، وأيضاً له ملامح مشابهة في سوريا، حيث تتقاتل الأطراف المعارضة المدعومة سعودياً مع الأطراف المدعومة قطرياً وتركياً». واعتبر الحسني، في حديث لـ«الأخبار»، أن «إصرار أميركا على التعامل مع العراق، على أساس المكونات، خصوصاً في مرحلة ما بعد داعش، يتيح للسعودية وتركيا التأثير على مستقبل المناطق الغربية والشمالية الغربية في البلاد، وبالتالي إمكانية حدوث صدامات داخلية».
الاخبار اللبنانية-