"استقرار مصر من استقرار الخليج" عنوان الزيارة الثانية لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد إلى القاهرة فقط خلال خمسة أسابيع، ليس هذا فحسب بل المعنى نفسه تضمنته سلسلة من زيارات قادة خليجيين إلى مصر أهمهم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وبرغم المعلومات المقتضبة التي أحاطت بزيارة بن زايد للقاهرة إلا أن هناك ملفات حيوية ساخنة من المحتمل أنها قد تصدرت مباحثات الجانبين، تتعلق ابتداء بمحاولة تثبيت نظام السيسي وشرعنة وجوده بل اعتباره خطا أحمر ما دام استقراره جزء من استقرار الخليج نفسه.ومنحه رئة جديدة سياسية واقتصادية من قبل أكبر الدول الداعمة لنظامه، وبخاصة قبل خمسة أسابيع على ذكرى انقلاب 3 يوليو 2013 المتوقع أن تشهد غضبا شعبيا ضده، مقابل تسديد الفواتير للنظام الإماراتي بمزيد من التغلغل والنفوذ الاقتصادي.
وتتعلق أيضا بالدور المصري المتنام المرسوم له في إطار التدخل المصري المحتمل في ليبيا، وتنافسه مع الدور القطري، والدور المصري إزاء ملف خنق وتطويق حماس وتسوية الصراع العربي الإسرائيلي وتقديم تنازلات بمبادرة السيسي، واستكمال عملية استئصال وتحجيم الإخوان المسلمين والقوى والتيارات والأحزاب المنبثقة عنها، ودور نظام السيسي أيضا بملف مكافحة الإرهاب من منظور إماراتي بحسب مراقبين.
يشار إلى أن أبو ظبي ومصر السيسي معروفة بحسب مراقبين بعداءها الواضح للإسلاميين وبخاصة جماعة الإخوان المسلمين وتيارات الإسلام السياسي المعتدل داخل مصر وخارجها وبخاصة في مصر وفلسطين واليمن وليبيا وتركيا.
استقرار مصر من استقرار الخليج
أكد محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، خلال مباحثات أجراها مع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في قصر الاتحادية بالعاصمة القاهرة، الأربعاء، على أن "استقرار مصر هو من استقرار الخليج والشرق الأوسط والعالم".
ووصل ولي عهد أبوظبي، ظهر أمس الأربعاء، إلى القاهرة، في زيارة هي الثانية خلال 5 أسابيع، جرى خلالها بحث العلاقات بين البلدين مع السيسي وعدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، بحسب وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية.وبحث الطرفان المستجدات في المنطقة، خاصة ما يتعلق بقضايا الأزمة السورية واليمنية والليبية، وخطر الإرهاب على الأمن والاستقرار في المنطقة.
وبحسب الوكالة أكد الجانبان أهمية مضاعفة الجهود العربية، والتنسيق مع جهود المجتمع الدولي من أجل وضع حد للأزمات التي تشهدها المنطقة بما يعزز السلم والأمن للدول وشعوبها، إضافة إلى تأكيد ضرورة محاربة التطرف والإرهاب بشتى صوره وأنواعه وأسمائه، مهما كانت دوافعه ومبرراته وبكل الوسائل الممكنة، والعمل على تنسيق الجهود وتكاملها بين الدول في هذا الشأن.
تنازلات يقودها توني بلير
حذر مراقبون من تزامن زيارة بن زايد للقاهرة مع طرح السيسي مقترح حول "السلام الدافيء مع إسرائيل"، والخطير تزامنها أيضا مع تصريحات مثيرة للجدل من قبل "توني بلير" الذي يوصف بالمقرب من دوائر صنع القرار في الإمارات، فقد نصب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير نفسه متحدثا باسم الدول العربية بزعمه وجود استعداد لدى الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل إذا ما وافقت على التفاوض حول نسخة مخففة من مبادرة السلام العربية.
وقال بلير الذي كانت يتحدث في مؤتمر عقد في لندن الثلاثاء بحسب ما أرودت صحيفة "القدس العربي" بعددها الصادر اليوم الخميس، إنه "إذا وافقت حكومة بنيامين نتنياهو على التفاوض مع الفلسطينيين على أساس مبادرة السلام العربية، ستكون الدول العربية مستعدة لاتخاذ خطوات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل".
وأضاف أنه يعتقد أن هناك فرصة في الواقع الحالي في الشرق الأوسط لأن توافق الدول العربية على ما وصفه "تخفيف" بنود مبادرة السلام العربية وتطبيع العلاقات مع إسرائيل خلال المفاوضات وليس فقط بعد تحقيق الاتفاق الدائم بين إسرائيل والفلسطينيين.
مبادرة السيسي
وقال بلير، "مع القيادات الجديدة في المنطقة اليوم هذا أمر يمكن عمله ولكن الكثير يتعلق برد حكومة إسرائيل على مبادرة السيسي والرد على مبادرة السلام العربية والخطوات التي تبدي الحكومة الإسرائيلية استعدادها للقيام بها إزاء الفلسطينيين."
ولم يوضح بلير من المقصود "بالقيادات الجديدة" ولكن مراقبين يتوقعون أنه يقصد الجهود التي تقوم بها أبوظبي منذ الربيع العربي والتي تطرح نفسها من خلاله "عاصمة الفعل العربي والخليجي" على حد تعبير الأكاديمي عبد الخالق عبد الله.
وأشار بلير إلى أنه "في ظل عدم الثقة العميق بين القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية والقيود السياسية الصعبة التي تواجههما يعتبر تدخل الدول العربية في العملية مفتاحا لنجاحها. نحن نحتاج إلى مساعدة من المنطقة. الباب بين إسرائيل والدول العربية مغلق الآن والمفتاح هو التقدم مع الفلسطينيين."
وطرح نتناهو مؤخرا أكثر من مرة فكرة التقارب بين إسرائيل والدول العربية بذريعة مكافحة الإرهاب ولكنه يقصد التطبيع لعزل الفلسطينين وضرب المقاومة، على حد ما يقوله ناشطون فلسطينيون.
المبادرة المصرية أقرب لإسرائيل
مع اقتراب إصدار اللجنة الرباعية تقريرها حول القضية الفلسطينية، إلى جانب اقتراب انعقاد مؤتمر باريس الدولي لمناقشة المبادرة الفرنسية لحلّ الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، تجري تحركات دبلوماسية مصرية من أجل تقديم مبادرة أقرب إلى الشروط الإسرائيلية من نظيرتها الفرنسية.
ووفقا لصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية؛ فإن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يجري اتصالات مكثفة مع رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، من جهة، ومع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، من جهة أخرى؛ بهدف تنظيم لقاء يجمع بين الطرفين في القاهرة، بحيث يقوم السيسي على أداء دور الوسيط فيه.
استمرار خنق حماس
يرى مراقبون أن مصر السيسي وأبو ظبي مستمرة في تبني مواقف عدائية ضد حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، في محاولة لخنقها وتطويقها بشكل مستمر ومتصاعد، بينما تبحث مصر عن سلام دافيء مع تل أبيب، ويؤكد ذلك وصف ضابط إسرائيلي كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس بأنها "عدو ذكي جدًا"، وأضاف أنّ الكتائب تفاجئه دائما، وأنها تستخلص الدروس بصورة سريعة.وقال الضابط وهو قائد الجبهة الجنوبية للجيش الإسرائيلي خلال لقاء مع صحافيين "منذ العدوان الأخير على غزة، كتائب القسام منشغلة في ترميم قوتها العسكرية لكنها لم تصل بعد إلى الكمية والنوعية التي كانت لديها قبل العدوان، وذلك بفضل المجهود المصري الواسع من أجل إحباط إدخال أسلحة إلى قطاع غزة، وكذلك في سيناء وعند الحدود مع ليبيا، التي قال الضابط إنّها مصدر الأسلحة إلى القطاع.
وشدّدّ الضابط الإسرائيليّ في سياق حديثه على أنّ قيادة الجبهة الجنوبية تستعد لأي تصعيد في الجبهة مع قطاع غزة بمبادرة حماس، لكن التقديرات الإسرائيلية تعتبر أنّ حماس تعاني من ضائقة اقتصادية وسياسية ولذلك فإنها مرتدعة من تنفيذ خطوات عسكرية ضد إسرائيل، على حدّ قوله.
لا علاقة مع حماس ولا وساطة سعودية
وما يؤشر على عزم مصري للتصعيد مع حماس استمرار غلق معبر رفح في الغالب مع تأكيد سامح شكري وزير الخارجية، أن العلاقات المصرية مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لم تشهد أي تطور إيجابي خلال الفترة الأخيرة، نافياً صحة ما تردد عن وجود مساع للتهدئة بين القاهرة والحركة، بوساطة من المملكة العربية السعودية. جاء ذلك في تصريحات أدلى بها شكري لصحيفة "المصري اليوم" (مصرية خاصة)، على هامش زيارته على رأس وفد مصري رفيع المستوى، لمنظمة الأمم المتحدة، بالتزامن مع تقلد مصر رئاسة مجلس الأمن الدولي، خلال شهر مايو الجاري.
تنافس مع قطر بالملف الليبي
تتصدر ليبيا أجندة المباحثات المصرية الإماراتية بشكل دائم لمحاربة الإسلاميين فيها ومنع هيمنتهم على السىطة، ودعم الثورة المضادة، فيما يبدو مؤخرا أيضا كمحاولة لسحب البساط من الدور القطري المتصاعد، فبينما كان ينعقد لقاء بن زايد في القاهرة، كان يبحث أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الأربعاء تطورات الشأن الليبي، مع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السراج، مؤكداً موقف بلاده الداعم لليبيا وشعبها.وناقش الجانبان: "كل ما من شأنه الحفاظ على وحدة ليبيا وسيادتها على كافة أراضيها، خاصة في ظل تنامي ظاهرة الإرهاب في المنطقة، والمساعي الأممية الرامية لمكافحتها"، بحسب الوكالة.
ويجري السراج جولة خليجية بدأها بأبوظبي حيث قابل بها الشيخ منصور بن زايد نائب رئيس مجلس الوزراء، ولم يلتق أي مسؤولين آخرين بعدها توجه إلى الرياض حيث التقى ولي العهد السعودي محمد بن نايف قبل أن يصل الدوحة.
وفي الوقت الذي تتواصل فيه التأكيدات من مصادر متعددة، عن لعب الإمارات دوراً محورياً في منع الوصول إلى تسوية سياسية في الساحة الليبية، يدعي المسؤولون الإماراتيون حرصهم على أهمية التوصل إلى حلول توافقية بين الأطراف الليبية.
شؤون خليجية-