من تراب الكويت إلى ولاية الرقة عاصمة الخلافة المزعومة في سورية... رحلة تكشف الكثير من الخبايا وتُخفي الأكثر، في التحاق الكويتيين بتنظيم «الدولة الإسلامية في الشام والعراق»... نفير رافقه قطع رؤوس وقطع أرحام ذوي قربى انفطرت قلوبهم على أبناء قرروا بين ليلة وضحاها مد الأيدي لبيعة أبي بكر البغدادي، فعاد بعضهم يعض اصابع الندم، ومضى آخرون في غيهم في انتظار ان يحكم الله في أمرهم، فيما كانت المفخخات في انتظار فئة ثالثة منهم بحثاً عن الحور العين، كما أعلنها المسؤول الشرعي الكويتي أبو منذر العرّافة الذي لقي مصرعه قبل عامين في أحد أناشيده التحريضية على الجهاد، قبل ان يقوم جيش الإسلام بإعدامه رمياً بالرصاص.
جهاديون كشفوا لـ«الراي» النقاب عن ان «عدد الكويتيين الحاليين يقدر بالعشرات لكنهم لم يجزموا بتحديده على وجه الدقة كونه متغيرا وقابلا للزيادة والنقصان»، مؤكدين ان «عام 2014 كان أكثر أعوام تدفق الكويتيين لتنظيم الدولة، فيما قلت الأعداد في العامين التاليين». وأشاروا إلى ان «الفترة الأخيرة شهدت دخول المناطق الحضرية لخط النفير مزاحمة في ذلك المناطق الخارجية وخاصة الجهراء التي شهدت تدفق أكبر عدد من الكويتيين لتنظيم الدولة»، مشيرين إلى ان «وصول الكويتيين كغيرهم من المقاتلين للرقة يعقبه دورات شرعية تكون اشبه بغسيل المخ يتم فيها اطلاق عنان التكفير لدرجة تذهل العقول».
«الراي» أبحرت في عالم «الجهاد الداعشي» متعقبة أثر الكويتيين الدواعش، للبحث عن الأسباب التي تدفعهم للرمى بأنفسهم في جحيم هذا التنظيم، مستعرضة نماذج لمواطنين التحقوا بـ«داعش» منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، لكن المؤكد انهم بدلوا تبديلا.
«م.ش» الهارب من «داعش»
رفيق الداعشي الكويتي السابق «م.ش»، العائد للكويت بعد انضمامه لداعش ثم هروبه من جحيم هذا التنظيم، كشف لـ«الراي» عن رحلة رفيقه المليئة بالأحداث الغريبة والإثارة.
«م.ش»، الذي يحمل خلفية عسكرية، كانت صدمته الأولى في ضعف مستوى المعسكر التدريبي الذي تم الحاقه به قبل قرابة سبعة أشهر، لكن الأمر لم يطل كثيراً حتى تم اختياره من قبل التنظيم ليكون مدرباً عسكرياً ثم قائد عمليات، وكانت أولى العمليات التي أوكلت اليه عملية عسكرية «أو ما يطلق عليها التنظيم غزوة» قرب الحدود السورية العراقية استهدفت رتلا تابعا للجيش العراقي.
دائرة الشكوك بدأت تتسرب إلى تفكير «م.ش» ــ وفقاً لرواية رفيقه ــ عندما رأى الطيران السوري يحلق على مسافة قريبة من رايات «داعش» التي كانت ترفرف دون ان يفكر الطيارون السوريون في استهداف معسكر تنظيم الدولة الواضح لهم وضوح الشمس. وبدأت مرحلة من التوتر بين «م.ش» والمسؤولين الأمنيين في داعش، الأمر الذي استدعى قيام الأمنيين بمصادرة هاتفه ومراجعة ما كان يكتبه في مواقع التواصل الاجتماعي، وفحص المراسلات المسجلة على هذا الهاتف، مما حدا به إلى ان يفكر في الهروب لكنه كان يخشى ان يتم قتله اذا فشلت عملية الهروب.
وتصاعدت حدة التوتر لتصل لمرحلة من الصدام العلني أمر فيها المسؤولون الأمنيون بحبس «م.ش» فتم اقتياده معصوب العينين ورميه، على حد وصف الراوي، في سجن تحت الأرض لم يكن يدري في أى منطقة من الأراضي السورية، هو بينما كانت سلواه في هذا السجن سجين آخر من الجنسية السعودية.
وعندما سأل «م.ش» زميله في السجن ماذا سيكون مصيرنا؟ أجابه بالقول «سيكون مصيرنا كتلك الرؤوس المقطوعة والمعلقة فوق أسنة أعمدة بوابات السجن الحديد». لكن هذه الحالة لم تدم طويلاً فاستيقظ نزلاء السجن ذات يوم على هرج ومرج ليتبينوا بعد ذلك ان مجموعة من جيش الإسلام اقتحمت السجن لتحرير قيادي سعودي كان مسجوناً فيه، ونجحوا بالفعل في هدفهم اذ هرب الدواعش وقام عناصر جيش الإسلام بأسر البعض واطلاق سراح البعض الآخر.
وكان «م.ش» محظوظاً عندما روى لعناصر جيش الإسلام روايته وخلافه مع داعش فاقتنعوا بها وخيروه بين البقاء في سورية أو العودة للكويت، فاختار الأخيرة، فقاموا بتسليمه دراجة بخارية استخدمها في الوصول للحدود التركية السورية حيث ألقت السلطات التركية القبض عليه ثم سلمته للسفارة الكويتية في أنقرة ليعود بعدها للكويت بعد ان تم اجراء التحقيقات المطلوبة معه.
«م.ش»، الذي قام بحلق لحيته بعد عودته للكويت، خلص من تجربته إلى ان تنظيم داعش أبعد ما يكون عن الإسلام.
أبو منذر العرّافة
من بين الوجوه الداعشية الكويتية المعروفة أبو منذر العرافة «فهد العنزي» الذي اشتهر انه كان من المنشدين لعدد من الأناشيد التحريضية على الجهاد وأشهرها نشيدىّ «أيا أماه لا تبكي» ونشيد «هي الدنيا» فضلاً عن كونه كان مسؤولاً شرعياً في التنظيم.
أبو منذر، أعدمه جيش الإسلام قبل عام مع مجموعة أخرى من الدواعش رمياً بالرصاص، بتهمة تكفير المسلمين واستباحة دمائهم وأعراضهم واغتيال قادات الجهاد، والاستيلاءعلى المناطق المحررة وقطع الإمدادات عن المجاهدين نصرة لنظام بشار الأسد.
أبو أنور
أما أبو أنور الكويتي «عبدالعزيز أنور الماص» ذو الـ 21 ربيعاً، الذي انفردت «الراي» بنشر قصته، فلم تكن قصته بأقل غرابة عن قصص سلفه من الكويتيين الدواعش. فقد نشأ في منطقة «جنوب السرة» ثم سافر لدراسة العلوم التكنولوجية في أميركا، لكنه تواصل مع عدد من الدواعش عبر مواقع التواصل الاجتماعي الأمر الذي حدا به السفر لتركيا في محاولة منه لدخول سورية الأمر الذي تحقق بالفعل، لينتقل بعدها من سورية للعراق وينتهي به المطاف مفجراً نفسه في رتل من أرتال الحشد الشعبي العراقي في منطقة مخمور بالعراق.
أبو تراب
ومن المحطات الكويتية المهمة في سيرة «داعش» أبو تراب الكويتي «علي محمد عمر العصيمي» الذي درس بحرية ناقلات النفط لثلاث سنوات في المملكة المتحدة، وأبدى كثير من المحللين في بريطانيا وأميركا تخوفهم من استغلاله دراسته الأكاديمية في هجوم قد ينفذه التنظيم.
«داعش» في الميزان الكويتي.. شرعاً لا يجوز الالتحاق بالتنظيم
أكد الداعية الدكتور ناظم المسباح في تصريح لـ«الراي» انه «لا يجوز شرعا التحاق المواطنين الكويتيين بتنظيم داعش والقتال بين صفوفه بسبب ما سمعناه عنهم وما رأيناه منهم من أخطاء شرعية فادحة أبرزها التسرع في سفك الدماء المعصومة وعدم انضباط قواعد التكفير عندهم»، مؤكداً ان«عدم جواز الالتحاق بهذه الفئة المنحرفة هو حكم شرعي قائم على ركائز وأفعال مشينة يقوم بها هذا التنظيم تشوه صورة الإسلام والمسلمين».
نفسياً... الداعشي مضطرب
قال أستاذ علم النفس بجامعة الكويت الدكتور خضر البارون في تصريح لـ«الراي» ان «الداعشي شخصية مضطربة نفسياً وتعاني من نقص الوعي والخبرة»، لافتاً إلى ان «القراءة النفسية للدواعش تشير إلى انهم مرضى نفسيون ويشعرون بالاضطراب، وبعضهم نسبة ذكائهم أقل من المتوسط».
رسمياً... مركز للإصلاح
أعلن أمين سر مركز الوسطية التابع لوزارة الأوقاف الدكتورعبدالله الشريكة في تصريح لـ«الراي» ان «المركز استقبل عددا من الأهالي الذين يشكّون في ان أبناءهم أو أقاربهم يحملون الفكر الداعشي»، لافتاً إلى انه «نجحت الكثير من المناصحات في هذا الصدد».
وتابع «المركز يكافح الأفكار الداعشية ويدحضها من خلال بيان حقيقة الإسلام، وتوضيح انحراف هذه الأفكار التي تحملها هذه التنظيمات مثل داعش وجبهة النصرة وتنظيم القاعدة وغيرها من التنظيمات التي تتبنى منهج التكفير وترتب عليها أعمال وحشية مثل قتل ألأبرياء والتفجيرات».
مصدر جهادي أكد أن الشعارات البرّاقة دفعت الشباب إلى حضن التنظيم
مناصب الكويتيين في «داعش» ولاةٌ وشرعيّون... وإعلاميون
قال مصدر جهادي لـ«الراي» إن عددا من المهام أوكلت للكويتيين في داعش، ولم يكونوا مجرد جنود عاديين، مبينا أن «بعضهم تولى مناصب في التنظيم، منهم من تولى منصب الوالي ومنهم من كان مسؤولاً شرعياً، ومنهم من كان مسؤولاً اعلامياً».
وفي تحليله لأسباب انجذاب بعض الشباب لتنظيم الدولة، ذكر أن «داعش رفع شعارات براقة من بينها اقامة الشريعة الإسلامية وتحكيمها، واقامة الخلافة فجذب البعض ولا نستطيع ان نقول ان كل من انضم لداعش هم من الجهاديين، فبعضهم ليس له سابقة جهادية لكن أخذته الحمية جراء الشعارات التي رفعها التنظيم».
وتابع «هناك نوع آخر من الشباب التقطهم التنظيم، وهم من نسميهم بالغلاة أصحاب الميول المتشددة الذين ليس لديهم انضباط في مسائل التكفير، وهؤلاء كانوا موجودين في ساحات قتالية ودول لم يكن بها قتال مثل الكويت على شكل مجاميع صغيرة وأفراد ليس لهم قبول ولا تأثير يذكر حتى وجدوا في داعش ضالتهم».
وعن آلية عمل ما يسمى في الأوساط الجهادية بالمنسق «الشخص المسؤول عن تسهيل دخول المقاتلين لساحات القتال» أجاب «الخطوات الأولى في التفكير في النفير تتم من خلال بعض المعارف أو النافرين السابقين أو مواقع التواصل الاجتماعي، والمنسق هو الذي يحدد توقيت الدخول لدولة النفير والأماكن التي يتم من خلالها الدخول، وفي الغالب يتم اختيار المنسقين من بين الوجوه غير المعروفة حتى لا يتم الإيقاع به أمنيا، ويتم الاستعانة بمهربين للدخول».
وفيما يتعلق بالأيام الأولى التي يقضيها النافرون مع داعش بعد دخولهم لساحات القتال أجاب «مؤخراً عمد داعش إلى عزل النافرين الجدد عن العالم ومتابعة الأخبار فقام بمصادرة أجهزة الهاتف وكل مصادر النشر ثم يتم اخضاعهم لدورات شرعية يتم غسل أدمغتهم فيها،وهذا يجعل النافرين الدواعش يغيرون من أولوياتهم بعد ان كانوا آتين لسورية لنصرة الثورية السورية يصبح هدفهم قتال الفصائل الثورية بينما يكون قتال النظام السوري هدفا ثانويا».
وزاد «بعد زيادة اعتراضات النافرين على تصرفات التنظيم، لجأ داعش إلى التعجيل بتجهيز عمليات انتحارية للنافرين الجدد، وهذا ما حدث في تفجيرهم للمساجد وبعض الأحياء السكنية».
وفيما يتعلق بمسألة تلقي البيعات، بين قائلاً «بشكل عام لا يشترط التنظيم النفير لتقديم البيعة إذ ان له موكلين سريين لتلقي البيعات، وولاة علنيين في بعض البلدان الأخرى التي تتسم بالإضطراب مثل اليمن وأفغانستان وليبيا فضلاً عن سورية والعراق».
وتابع «غير التنظيم استراتيجيته في مسألة النفير إذ أعلن ان النفير ليس مقتصراً على العراق وسورية إذ يشمل اليمن وليبيا وأفغانستان وذلك بعض الضغوطات على التنظيم في كل من سورية والعراق».
وعما إذا كان ثمة دواعش كويتيون قابلوا زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي أجاب بالقول «بالتأكيد، فالبغدادي شخصية حقيقية والتقته شخصيات كويتية وغير كويتية».