تلعب قطر دورا متناميا في دول القرن الأفريقي بوتيرة متسارعة تستهدف بالأساس تسوية النزاعات القائمة سلميا وتثبيت اتفاقات السلام، وتعد قطر جسر خليجي ممتد للتواصل بين الخليج والقارة الأفريقية، وتمارس دور إيجابي للوساطة النزيهة داخل منطقة القرن الأفريقي الاستراتيجية بحثا عن تسويات سلمية تحقن دماء شعوب المنطقة وتحقق الرخاء والتنمية والاستقرار لدولها، في هذا الإطار قامت الدوحة بتأسيس شراكة قابلة للتمدد بجميع المجالات مع دول القرن، لتنقذه من الهيمنة الصهيونية، بمنطقة تمثل عمق استراتيجي لأمن الخليج بمفهومه الشامل الأمني والاستراتيجي والحضاري.
قطر تدعو لتسوية سلمية
دعا وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إريتريا وإثيوبيا إلى إنهاء الخلافات بينهما، وضرورة تسوية الأزمة.وقال آل ثاني في تغريدة له عبر موقع التدوينات القصيرة "تويتر": "لا شك بأن الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي سيلقي بظله على المنطقة ككل، نؤكد على ضرورة التسوية السلمية لإنهاء الخلاف بين إريتريا وإثيوبيا".
الصراع الإثيوبي الإريتري
كانت الحكومة الإثيوبية قد ذكرت بأن عدداً كبيراً من القتلى سقطوا في اشتباك حدودي بين قوات إثيوبية وإريترية، فيما اتهمت حكومة أسمرة -في وقت سابق- أديس أبابا بشن هجوم على جبهة تسورونا المركزية القريبة من الحدود، دون الإشارة إلى طبيعة الهجوم.وقالت وزارة الإعلام الإريترية، في بيان، إن إثيوبيا قامت الأحد، "بشن هجوم على إريتريا على جبهة تسورونا المركزية"، بينما قال المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية إن عدداً كبيراً من القتلى سقطوا من كلا الطرفين، محملاً إريتريا مسؤولية بدء المواجهات.
استقلت إريتريا عن إثيوبيا عام 1991، بعد حرب استمرت ثلاثين عاماً، وخاض البلدان حرباً دموية أخرى بين 1998 و2000، واستمر منذ ذلك الحين العداء بين البلدين، وتتبادل قواتهما الرصد على طول الحدود، التي تتكرر فيها مواجهات محدودة.ويتبادل البلدان باستمرار الاتهامات بشن هجمات، وبدعم المتمردين في كل منهما، وفي فبراير/شباط الماضي اتهمت إثيوبيا إريتريا بالوقوف وراء احتجاجات ضد الحكومة في منطقة أوروميا العام الماضي، وأدت إلى قمع عنيف من قبل حكومة أديس أبابا.
ويحاول آلاف الإريتريين كل شهر الهرب من بلدهم، خصوصاً بسبب التجنيد الإجباري الذي يخضعهم لخدمة عسكرية لفترة غير محددة، كما تقول الأمم المتحدة.
الوساطة القطرية وسط موجة من النزاعات
تمارس قطر دور إيجابي في التوسط وحل النزاعات في القرن الأفريقي، ولا سيما بين جيبوتي وإريتريا، منذ النزاع الحدودي بين البلدين في 2008، كما يوجد لقطر قوات على حدود البلدين، تم نشرها في إطار الوساطة لحل النزاع، فيما عزز الأمير تميم بن حمد بعد تسلمه قيادة البلاد دورها أكثر؛ من خلال مباحثات مع إريتريا بشأن القضايا في اليوم الوطني، وبعد إنجاز الاحتفال به، توجه أمير دولة قطر في زيارة رسمية إلى إريتريا، في توقيت يعكس الأهمية التي توليها قطر للمنطقة الأفريقية، لا سيما في هذا الوقت الذي يشهد تحالفات عربية وإسلامية وإقليمية.
العلاقات القطرية الاريترية وتسوية النزاعات سلميا
تلعب الدوحة دورا متناميا وحرصت على توطيد علاقاتها بدول القرن الأفريقي في إطار شراكات استراتيجية متنامية تخدم قطر ودول الخليج وأمنه، ففي 19 ديسمبر 2015 ، اجتمع أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مع الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، بالعاصمة الإريترية أسمرة، وجرى خلال الاجتماع استعراض علاقات التعاون بين البلدين وسبل تنميتها وتطويرها في مختلف المجالات، إضافة إلى بحث عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
ويرى مراقبون أن ملف العلاقات القطرية-الإريترية يشهد تصاعداً في أكثر من مجال؛ فعلى المستوى الدبلوماسي تعتبر العلاقة بين الدوحة وأسمرة في أعلى مستوياتها من حيث التنسيق المستمر والزيارات المتبادلة؛ كما نجحت الدوحة بفضل العلاقات المتنامية بين الدولتين في رأب الصدع بين إريتريا وبعض دول الجوار، حيث رعت عدة اتفاقيات منها: تلك التي تمت عام 1999 وأدت إلى طي الخلاف مع الخرطوم؛ ممّا أدى إلى عودة العلاقات الدبلوماسية التي كانت مقطوعة بينهما.
تسويات برعاية قطرية وقوات حفظ سلام
وبعدها بثماني سنوات رعت قطر أيضاً المباحثات التي جمعت الرئيسين البشير وأفورقي؛ لتشهد الدوحة توقيع اتفاق لتنمية الحدود المشتركة بين السودان وإريتريا، وتعهدت قطر برعاية هذا المشروع، وتواصلت جهود الدوحة ومواقفها، حيث تم في عام 2010 برعاية قطرية توقيع الاتفاق بين إريتريا وجيبوتي؛ بموجبه تم احتواء النزاع الحدودي بين الدولتين، وإرسال قوات حفظ سلام قطرية.
على المستوي الاقتصادي، لعبت قطر دوراً كبيراً في إنقاذ الاقتصاد الإريتري المنهك؛ وذلك من خلال ضخ الاستثمارات الكبيرة وخاصة في مجالات التعدين والسياحة.ويؤكد محللون قطريون أن علاقات قطر وإريتريا آخذة في النمو نحو فضاءات أوسع وأرحب؛ وتبشر بمستقبل واعد بين الدوحة والقارة السمراء المتطلعة إلى استثمارات قطر.
تنامي علاقة قطر بأثيوبيا
في 16 يناير 2016 امتدح المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية “جيتاجو ردا” علاقات بلاده بدولة قطر، وقال إن العلاقات بين بينهما شهدت تطورًا كبيرًا في مختلف المجالات، ووصفها بأنها "علاقات استراتيجية" وأضاف جيتاجو أن الفترة المقبلة ستشهد تبادل زيارات بين قيادة البلدين، وتابع أن الحكومة الإثيوبية قدمت دعوة لأمير قطر تميم بن حمد لزيارة أديس أبابا، وأن رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ماريام ديسالين سيزور قطر، دون أن يحدد موعد هذه الزيارات المتبادلة بين قيادة البلدين.
دور الدوحة قابل للتمدد..كيف؟
ويتوقع المحللون استمرار الدور القطري الكبير والتمدد الإقليمي الذي تلعبه قطر في القارة الأفريقية في عهد الأمير الجديد الشيخ تميم، وذلك بسبب عدد كبير من المقومات والأدوات.وليس أدل على قوة علاقاتها بالقارة الأفريقية سوى توجهها نحو عودة العلاقات القطرية الإثيوبية مرة أخرى في (نوفمبر 2012)، بعد أن كانت قد قطعت قبل أربع سنوات، إثر اتهامات من “أديس أبابا” ل”قطر” بدعم “إريتريا”، وجماعات جهادية صومالية ضدها.
وتمكنت من فعل ذلك بفضل وفرتها المالية من الغاز والنفط، فضلاً عن تدشينها أدوات عابرة للإقليم، سواء أكانت إعلامية (قناة الجزيرة)، أو اقتصادية (شراء شركات ومؤسسات إقليمية وعالمية)، أو عسكرية (احتضان قاعدة العديد وهي أكبر قاعدة عسكرية أمريكية)، أو إنسانية (الوجود الإغاثي الفاعل في الصراعات)، أو سياسية (التوسط في الصراعات الإقليمية والعالمية، ودعم الثورات العربية)، علاوة على استضافتها لعدد من الفعاليات العالمية الهامة، سواء أكانت منتديات اقتصادية دولية، أو حتى تنظيم مونديال كأس العالم في عام 2022.
قطر بوابة الخليج إلى أفريقيا
وصف محللون قطر بأنها تمثل "جسر الخليج إلى أفريقيا" وبوابة الخليج إلى أفريقيا، والمراقب لنهج السياسة الخارجية القطرية يجده ينطلق من عدة مرتكزات؛ على رأسها العمل على تحقيق الأمن والسلم الدوليين، والإسهام بكل قوة في نشر التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ باعتبارهما الركيزة الأولى والأهم لتحقيق الاستقرار في عالم اليوم.
الانفتاح القطري والترحيب الأفريقي
قوبل الانفتاح القطري على القارة الأفريقية خلال السنوات الأخيرة، بتقدير شعوب القارة؛ ونال المزيد من احترام قادتها لقطر؛ وما يعزز من ذلك ما تتمتع به قيادة قطر من حنكة سياسية في التعامل مع القضايا الدولية؛ ممّا أكسبها ثقة أطراف الأسرة الدولية في أكثر من محفِل؛ سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي؛ وجعل الدوحة مؤهلة للعب دور فاعل ومؤثر عربياً ودولياً؛ وفق رؤية سياسية تنتهج الوضوح والواقعية؛ ودقة التقييم والتوازن السياسي، ولعب دور الوسيط التزيه.وتعد العلاقة بين قطر وإريتريا هي الجسر ما بين إريتريا ودول الخليج وما بين إريتريا وبعض جيرانها، إذ أفلحت الدوحة في إعادة العلاقة بين الخرطوم وأسمرة ولطفت ما بين الأخيرة ومقديشو.
الأهمية الاستراتيجية للقرن الأفريقي
يعَدُّ القرن الإفريقي منطقة استراتيجية مهمة لدول الخليج وبخاصة السعودية لقربها جغرافيا منها، فهو يشرف على خليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر، فضلًا عن أنه يمثل ممرات مائية لها أهميتها التجارية والعسكرية، خاصة بعد افتتاح قناة السويس عام 1869، وتقابل آبار النفط في شبه الجزيرة العربية والخليج العربي وملاصقة إقليم البحيرات العظمى في وسط إفريقيا، الذي يتميز بغنى موارده المائية والنفطية والمعدنية، ولخطورة موقعه، يمثل أهمية كبيرة للأمن القومي المصري. ويتكون القرن الإفريقي من الصومال، جيبوتي، إريتريا، إثيوبيا.
تشغل الصومال معظم مناطق القرن الساحلية التي تقع على المحيط الهندي وخليج عدن، وتشمل جيبوتي وإريتريا بقية مناطق القرن الساحلية التي تقع على مضيق باب المندب والبحر الأحمر. أما إثيوبيا فقد حرمت من هذا المنفذ الساحلي الاستراتيجي بعد انفصال إريتريا في عام 1993. وتشكل منطقة القرن الإفريقي مع اليمن المدخل الجنوبي للبحر الأحمر الذي يقف عند مدخله باب المندب.
يتنافس الكيان الصهيوني للهيمنة عليه حيث يعتبر القرن الإفريقي جزءًا من نطاق الأمن الحيوي الجنوبي، وكان لهذا التوجه أثر بالغ في تهديد الأمن القومي العربي. كما حصلت الصين مؤخرًا على الضوء الأخضر لبناء قاعدة عسكرية بحرية لها في القرن الإفريقي من خلال جيبوتي قبل نهاية 2017، بعد مفاوضات بين البلدين، إضافة إلى توقيعها اتفاقية مع مستثمرين من جمهورية الصين الشعبية 18 يناير 2016 لبناء أكبر منطقة للتجارة الحرة في القارة الإفريقية.وفي الآونة الأخيرة شهدت منطقة القرن الإفريقي تحركات خليجية عديدة، شملت معظم مناطق القرن الإفريقي، خاصة في إثيوبيا وجيبوتي والصومال.
شؤون خليجية-