تواجه المحكمة الإدارية العليا المصرية قراراً هاماً. قام الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» في أبريل/نيسان بتوقيع اتفاقية تقضي بنقل السيطرة على جزيرتي صنافير وتيران بالبحر الأحمر من مصر إلى السعودية. وكان «السيسي» يأمل أن يؤدي هذا الاتفاق إلى حصول القاهرة على امتيازات إقتصادية ومالية واستثمارية من الرياض، ولكن بدلاً من ذلك، فقد واجه هذا القرار معارضة شعبية شديدة وأشعل الإحتجاجات. وقام المستشار «يحيى الدكروري» بإبطال القرار في 21 يونيو/حزيران، مفيدا بأن الجزر القريبة من مصب خليج العقبة «لابد أن تظل جزءاً من الأراضي المصرية».
والآن تنعقد المحمكمة الإدارية العليا أعلى محكمة للقرارات الإدارية في مصر، لتستمع للاستئناف على قرار المستشار يوم 26 يونيو/حزيران (تم تأجيل الحكم في القضية إلى 3 يوليو). وحتى لو تم قبول الاستئناف، يظل حكم «الدكروري» لطمة سياسية للسيسي. وعلى الرغم من أن حكماً غير مرغوب فيه لن يجعل السعودية بالضرورة تتردد في دعمها لنظام «السيسي» وحكومته، إلا أنه من الممكن أن تؤدي القضية إلى تشجيع جماعات المعارضة المصرية وتسبب إهتزازا للدعم الشعبي للرئيس.
تحليل
وقد أضحت قضية ملكية الجزيرتين موضوعا مثيراً للجدل. وقد جادلت الحكومة أن مصر لم تملك أبدا الجزيرتين بالقرب من مصب خليج العقبة. وتؤكد بدلاً من ذلك أن مصر قامت باستئجار صنافير وتيران في العام 1950 لحمايتهما من الإحتلال الإسرائيلي في الوقت الذي كانت فيه السعودية ضعيفة للغاية للدفاع عنهما. ولدعم هذا الطرح، استعانت إدارة «السيسي» بمرسوم للرئيس الأسبق «محمد حسني مبارك» في العام 1990 عن ترسيم الحدود البحرية مع السعودية والذي قضى أن الجزر خارج المياه الإقليمية المصرية. على الجانب الآخر، فإن معارضي قرار أبريل/نيسان قدموا عددا من الوثائق والمراسيم وأحكاما قضائية تظهر أن مصر دائماً ما كان لها السيادة على الجزر.
إنّ الفارق بين الجدالين مهم. فـ«الدكروري»، وهو نائب رئيس مجلس الدولة، كان مقتضبا في حكمه، مثبتاً أحقية البلاد بحكم الجزيرتين ومؤكدا على أنه«من الممنوع تغيير وضعهما بأي شكل أو من خلال أي إجراء لصالح أي دولة أخرى». وتتضمن المادة 152 من الدستور المصري لعام 2014 ثلاث نقاط بارزة ترتبط بالقضية:
أولا: يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية ويبرم المعاهدات ويعدل عليها بعد موافقة مجلس النواب.
ثانيا: يتم استدعاء المصوتين للاستفتاء على المعاهدات التي تتعلق بمعاهدات السلام والتحالفات، أو تلك التي تتعلق بحقوق السيادة.
ثالثا: في كل الأحوال، لا يجوز إبرام معاهدة تخالف أحكام الدستور أو تؤدي للتنازل عن أي جزء من أراضي الدولة.
يضع الاستئناف الكرة في ملعب المحكمة الإدارية العليا، حيث ستقوم لجنة من 5 قضاة بسماع القضية. إذا أقرت المحكمة بالحكم السابق أن الجزيرتين جزء من الأراضي المصرية، ستكون إذاً معاهدة التنازل عن الجزيرتين للسعودية غير دستورية. وفي هذه الحالة يتعين على «السيسي»، إذا احترم أحكام القضاء، أن يبحث عن إجراء تعديل دستوري يسمح له بتمرير الاتفاقية. أما إذا حكمت المحكمة أن الجزيرتين غير مصريتين، ولكن مصر كانت تمارس عليها سلطة سيادية، إذاً ستحتاج المعاهدة موافقة برلمانية واستفتاءً شعبياً. بدلاً من ذلك، يمكن للمحكمة أن تحكم أن مصر كانت تدير الجزيرتين فقط، وحينها ستحتاج الاتفاقية لموافقة برلمانية فقط مثلها مثل باقي المعاهدات الأخرى. وإلا فيمكن للمحكمة الحكم بعدم الإختصاص وأن هذه المعاهدة هي قرار سيادي لا يخضع لسلطة المحكمة.
العديد من المفاهيم هنا غامضة ولم تختبر نسبياً. فتعريفات مثل السيطرة السيادية وتفسيرات الترسيم البحري والملكية غير محددة. ومن الممكن أن يعمل ذلك لصالح «السيسي» في محاولته لممارسة نفوذ غير رسمي على حكم المحكمة الإدارية العليا.
القضاء وتحديات «السيسي»
لقد لعب النظام القضائي دوراً رئيسياً في نظام مصر «مبارك» في السابق. وفي 2012، قامت المحكمة الدستورية العليا بحل البرلمان الذي يسيطر عليه الإسلاميون تحت حكم الرئيس الأسبق «محمد مرسي»، وساهم ذلك في صعود حركة تمرد واحتجاجاتها، كما ساهم أيضاً في عزل «مرسي» في النهاية في 2013. وكانت الكيانات القضائية على استعداد إلى حد كبير للتعامل مع الجيش و«السيسي» منذ سقوط «مبارك» من السلطة، بالرغم من وجود انقسامات سياسية داخل الهيكل المعقد للقضاء في البلاد. ومنذ عزل «مرسي»، نجح المجلس الأعلى للقوات المسلحة وعلى رأسه «السيسي» في تضييق الخناق على قضاة موالين لجماعة الإخوان المسلمين وإجبارهم على التقاعد المبكر. ومع ذلك، يظل القضاء قويا ومستقلا نسبيا تحت حكم «السيسي».
لم يلعب مجلس الدولة دوراً فعالاً في عزل «مرسي» وصعود «السيسي» على رأس السلطة مثلما فعلت باقي المحاكم. ولكن في وقت مبكر من هذا العام، وقف بجانب حكومة «السيسي» عندما رفضت المحكمة الإدارية العليا مراجعة قانون يقيد بشدة الإحتجاجات القانونية، مشيرا بعدم الاختصاص. وعلاوة على ذلك، فإن الاإتجاه في أحكام القضاء المصري وبشكل واسع فضلت دعم الإستقرار، وهو ما كان على هوى «السيسي».
يظن معظم الملاحظين أن المحكمة الإدارية العليا ستدعم انتقال الجزيرتين. وإذا لم يحدث ذلك، وبالرغم من إعلان السيسي ومجلس وزرائه أنه سيحترم حكم المحكمة وقرار البرلمان إذا وصل الأمر لذلك، فإنّ موافقة البرلمان الذي يسيطر عليه مؤيدي «السيسي»، لا تعدّ عقبة كبيرة مثلما يمكن أن يكون حكم المحكمة النهائي. علاوة على ذلك، إذا كان حكم المحكمة في صالح «السيسي»، فسيصبح من السهل له العمل من خلال النظام القانوني بدلاً من رفضه.
أما إذا جاء حكم المحكمة في غير صالح «السيسي»، ستكون تلك فرصة لجماعات المعارضة لإظهار التحدي له في المنافذ القليلة التي يستطيعون ذلك فيها. لقد ازدادت الإحتجاجات بالفعل في الشهور القليلة الماضية في مصر، ولاسيما بسبب موضوع الجزر وسيطرة نظام الدولة على الصحافة. إنّ شهر العسل للسيسي في الحكم والذي بدأ بعد عزل «مرسي» في طريقه للأفول، وشعبيته في طريقها للانحسار. وعلى الرغم من أنه أقر في البداية بعض الإصلاحات الاقتصادية إلا أنه قد تباطأ في هذا الاتجاه منذ فترة، والدولة الآن تحت ضغوط اقتصادية عظيمة. فعدم إحراز تقدم في جانب الإصلاحات الإقتصادية ونظام البيروقراطية المرهقة، يعوقان حدوث أي نمو اقتصادي.
الصمت السعودي
في الوقت نفسه، ظلت السعودية صامتة بشكل ملحوظ تجاه رد الفعل الشعبي ضد اتفاق الجزر وأيضاً تجاه حكم المحكمة. تود الرياض عودة الجزر تحت حكم السعوديين لأسباب معنوية أو ربما حتى اقتصادية أو أمنية. لكن بشكل واقعي، فالجزر لا تشكل قيمة كبيرة اقتصاديا أو عسكريا لكلا البلدين. والجسر المقترح للربط بين السعودية ومصر والذب سيمر جزء منه من فوق الجزيرتين، لازال من الممكن بناؤه بغض النظر عن أمر الملكية، حتى وإن كان العائد الاقتصادي من هذا الربط محدودا. وقد انخفضت القيمة الإستراتيجية لتلك الأراضي بشكل كبير منذ الحرب العالمية الثانية، حينما كانت (إسرائيل) في طور الإنشاء.
وبجانب ذلك، فإن دعم السعودية لجيش «السيسي» وحكومته ليس متوقفاً على صفقة الجزيرتين. فالسعودية تحتاج إلى «السيسي» لمنع عودة الإخوان المسلمين وتحتاج دعم مصر بشكل أكبر في المبادرات الأمنية في أماكن مثل اليمن. ولهذه الأسباب، ستظل السعودية تدعم حكومة «السيسي» مالياً للحد من إمكانية حدوث الكوارث المالية في مصر والتي من الممكن أن تتسبب في سقوط الحكومة.
وقد اتخذ «السيسي» موقفاً نادراً كزعيم سياسي يقاتل من أجل التخلي عن جزء من الأرض. وبغض النظر إن كان سيفوز في معركته أو لا، فإن المحاكم قد أصدرت بياناً يدفع بقتاله هذا إلى الوراء، وسيكون من المهم أن ننتظر لنرى كيف سيتعامل «السيسي» مع هذا.
ستراتفور- ترجمة شادي خليفة - الخليج الجديد-