ويستمر الجدل العربي العقيم، عند كل حادثة شر يعتقد البعض أنها فرصة ثمينة، يمكن من خلالها القفز فوق عش أزماتنا الثقافية، الدينية، والتي تفرخ لنا في كل يوم عددا من زغب حواصل معتنقي فكر الإرهاب، وبالتالي نضج الخلاصة منهم، ممن يقومون بتنفيذ تلك الأعمال بأنفسهم، سواء بتفجير الذات، أو بارتكاب أي نوع من أنواع العنف الدموي.
ويحتدم النقاش، فلماذا لا يسمى المختل عقليا إرهابيا، ولماذا لا يعد الإرهابي مختلا عقليا باعتبار أن أعماله يشوبها الجنون، حتى وإن كان يبدو في كامل قواه العقلية!؟.
ولو كان ميزان النقاش سليما، ويقصد منه الفهم، فأنا هنا أقوم بتصنيف هذا وذاك، وتبيان الفرق بين الاثنين، وإن كان الهدف من النقاش مجرد طوي الصفحات، فأنا على يقين أن من يناقش بتلك النية، لن يقتنع مهما أخلصنا في الشرح، والتفريق، وذلك لأنه لا يسعى أساسا للفهم، ولكنه يعمل جاهدا لتمييع التهمة، وجعلها محض قدر محتم، لا نية سوداء فيها، ولا أساس متين!.
ونعود للمختل عقليا، فهو شخص لديه أوهام تتصارع في مخيلته، ولديه قناعات بأن ما يفعله سليم، ولا تدفعه مبادئ، أو نوايا شريرة، أو غدر أو خيانة، لذلك فهو يقدم على الفعل الدموي، وهو غير مقدر للنهايات، وقد لا يتخيل أن الفناء مصير له في الختام.
وهذا المختل عقليا، يندر وجوده، ويندر أن يتحصل على السلاح والمتفجرات المعقدة، وإن حصل عليها فتكون مجرد اجتهادات شخصية منه، ولا تصل لأكثر من ذلك فكريا ولا زمانيا ومكانيا، كما أنه من الصعب عليه أن يلهم أحدا بعده، ولا أن يجعل سلسلة القتلة تستمر بعد زواله.
بينما يكون الإرهابي معتمدا على فكر ديني متشدد، وله إيمان وعقل واختيار، وأهداف من خلف تفجير ذاته، وهو على يقين بأن فعلته مثمرة بتأثيرها، وبمن يتأثرون بها من الانتحاريين الجدد، وأنه بفعلته لا ينتهي، ولكنه ينتقل في حياته من مرحلة إلى مرحلة، وأنه بعد تفجير نفسه، يستمر بشد سلسلة المتفجرين من بعده، ويعطي للمحرضين نقاط إقناع ونصر يتحركون من فوقها، وحجج يقنعون بها شبابا آخرين، ويؤكد تمكين أقدامهم، لتأكيد أن العمل لم يكن فرديا، ولكنه نهج سماوي مقدس عظيم، يقصد من خلفه تطهير الكون من المختلفين، ومن الكفار، ومن الأعداء!.
الأمر هنا حلقة في سلسلة، بينما مع المختل، تكون الحادثة فردية، مهما كبرت؛ ومثلما يحدث في سقوط عمارة على ساكنيها وسط زلزال، دون أن يكون هنالك متسبب أو مفسد، ساعد وخطط.
الأمر مختلف كل الاختلاف، والمختلون عقليا يتواجدون بكل المجتمعات، وإذا ما نقصت حولهم أمور الرعاية، والحرص، والمعالجة، يصبحون قابلين لقتل أنفسهم، بأي طريقة.
بينما يبدع الانتحاري في الدراسة للنهج الديني، وفي شحن عواطفه بالكره، والحقد، وبعد ذلك بالتدريب على الفعل الإرهابي، بيقظة، وحماسة، وخبث لا يتوانى، ولا يهتز.
الفرق عظيم بين أن يخرج مختل عقلي ويطلق النار عشوائيا على الناس، وبين أن يقوم إرهابي بعد التشبع العقلي والنفسي والتدريبي بتفجير أشخاص يكرههم، ويعتقد، بل يجزم بأنهم يستحقون الموت لمخالفتهم لنهجه الديني، وأنهم بلا شك طريقه الأمثل إلى حور الجنة.
شاهر النهاري- مكة السعودية-