ربما يواجه الوجود السعودي في العراق نكسة، مع تصدّر الطلب الذي تقدّمت به وزارة الخارجية العراقية، الأحد الماضي، إلى نظيرتها السعودية باستبدال سفيرها في العراق، ثامر السبهان. وهو الأمر الذي شكّل قائمة اهتمامات كتّاب الصحف السعودية والمدونين عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية تعليقا على إخفاق المهمة الأولى للسبهان في المجال الدبلوماسي
برغم الصمت السعودي (حتى لحظة كتابة هذا التقرير)، تتفاعل أصداء إخفاق السفير ذي الخلفية العسكرية والأمنية في العراق، وهو الذي جاء إلى بغداد قبل أشهر، بحسب رواية أطراف عراقية، لإعادة ضرب العملية السياسية في البلد المنكوب بالتفجيرات والجماعات الإرهابية ومخلفات الاحتلال الأميركي.
بقي الرد الرسمي من قبل ثامر السبهان معلقاً بالحبال الملكية حتى البتّ في أمره، مؤكداً، في تعليقه على طلب وزارة الخارجية العراقية استبداله، أن "المملكة لن تتخلى عن العراق والعراقيين، ولا عن عروبته مهما حدث، وستبقى في العراق بشكل إيجابي"، متهماً حكومة بغداد بالتهرب من الاعتراف والحرج من التحقيق في محاولة اغتياله المزعومة، وهو الأمر الذي تنفيه السلطات العراقية.
من هو السبهان؟
في محاولة لتدارك تأخرها في العراق، أرسلت الرياض في بداية حزيران 2015 رجلا عسكرياً يدعى ثامر سبهان السبهان (1967) للعمل كسفير مقيم في بغداد، وذلك للمرة الأولى منذ بداية التسعينيات.
أكدت سياسة الدولة الملكية اتجاه العراق الجديد، مخاوفها من بقاء الأخير موحداً ومستقراً، لتبدأ فتح أبواب الجحيم ضد الجار الشمالي، قبل أن ينتهي الأمر بالرياض للتوجه نحو استعادة العلاقات مع "أيتام صدام" أو بقايا البعثيين، والانتقال معهم من مرحلة العداوة إلى التحالف ضد "العدو الإيراني"، وضمت غرفها العملياتية "البعثي والوهابي والموساد والسي آي ايه" وحتى قيادات "الجيش الحر" في مراحل معينة.
عمل السبهان ملحقاً عسكرياً في السفارة السعودية لدى لبنان، وشغل منصب ضابط الحماية لقائد قيادة القوات المركزية الأميركية خلال حرب الخليج الثانية، نورمان شوارتسكوف، وضابط أمن وحماية قادة ومواقع أميركية وفرنسية وبريطانية بالرياض، في منتصف التسعينيات، كما تولى السهر على أمن كولن باول وديك تشيني ووزير الدفاع البريطاني السابق، توم كينغ، خلال جولاتهم الخليجية. ومن خلال السبهان، المقرب من الملك سلمان، أرادت السعودية تواجدا حقيقيا ومعلنا في العراق، تحت مسمّى واضح "دعم السنة"، حيث عمل سفير المملكة هناك مندوبا سامياً لبلاده، وللقيادة الأميركية التي سبق أن قلدته وزارة دفاعها وسام "الامتياز والجدارة" لتصديه لحماية الحليف الأميركي على الأرض السعودية.
في بغداد، دأب السبهان على إطلاق التصريحات ضد الحكومة العراقية وضد "الحشد الشعبي" الذي سماه "تحالف جماعات شيعية مسلحة أخذت دور الجيش العراقي في بسط الأمن"، وافتعل المشاكل مع السياسيين ومختلف الفصائل. وعند هذا المستوى، كان السبهان يخرج من ثوبه الدبلوماسي (الفقير أساساً)، ليقاطع البروتكولات والأعراف، لدرجة التدخل وانتقاد قرارات الحكومة العراقية، وصولا إلى زيارة سجناء "قاعديين" محكومين بالإعدام في سجن "الناصرية"، ورفضه أحكاما قضائية عراقية ضد إرهابيين سعوديين.
في أوقات لاحقة، اعتمد السبهان على فتح خطوط إمداد عسكرية وأمنية في الأنبار والفلوجة، العراقيتين، تحت عناوين إغاثة ومساعدات للمنكوبين والنازحين. وقد كشف بعض خيوط تلك الإمدادات الشيخ خالد المُلا، رئيس مؤسسة جماعة علماء العراق، حين ادعى تلقيه عروضا مالية من السعودية وقطر بعد معركة الفلوجة.
وبعد محاولات السفير السعودي (المقيم) السيطرة على "الشارع السُني"، ذهب السبهان إلى محاولة إمالة شخصيات وحركات في "الطائفة الشيعية"، عبر دعمه حركة "المهدويين" و"جند السماء" والمرجع الديني، السيد الصرخي الحسني. والمعروف أنه حتى ساعة مطالبة العراق باستبداله، كان يعمل على ما قيل إنها أخطر مهمة كلفته بها حكومة بلاده، ألا وهي "إنشاء فصائل سنية تقاتل إيران في المناطق الكردية وخوزستان (الأهواز)، وذلك عبر غرفة عمليات في أربيل، شمال العراق. وكان الأمين العام لمجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران، محسن رضائي، قد قال في لقاء مع التلفزيون الإيراني، في منتصف شهر تموز الماضي، إنّ السعودية قدمت مساعدات لأحزاب المعارضة الإيرانية وفتحت قنصليتها في اربيل مقار للمعارضة (وفق النص الذي نقلته روسيا اليوم).
صحف الرياض: قضية السبهان قضيتنا
بينما كان السبهان قد اعتبر أنّ الطلب العراقي لن يؤثر على العلاقات السعودية ــ العراقية لأنّ "المملكة أكبر من هذه الأمور، ولديها أهداف أسمى من ذلك"، فقد أبدى اعتقاده بأن "الحكومة العراقية والعراقيين يعلمون علم اليقين مدى التوغل الإيراني في مفاصل الدولة العراقية... وأنّ القيادات الموجودة الآن على الساحة السياسية هم خريجو المدرسة الإيرانية".
موقف السفير السعودي لاقته أقلام سعودية عدة، وسط صمت الرياض الرسمي. ومن ضمن الحملة التي أثارتها صحف سعودية وإعلاميون معروفون ضد العراق وإيران، كتب رئيس تحرير "الشرق الأوسط"، (العائدة ملكيتها إلى ولي ولي العهد، محمد بن سلمان)، سلمان الدوسري: "للأسف لا يوجد سفراء سعوديون هواهم فارسي". بينما تساءل الكاتب ومدير قناة "العربية"، تركي الدخيل، في مقال له: "لماذا تحاول إيران اغتيال سفراء السعودية؟" (في إشارة إلى محاولة الاغتيال المزعومة). وقال إنّ "إيران وعبر أذرعها، (تقوم) بتخويف الدبلوماسيين الذين يقومون بجهد نادر للتواصل مع أطياف المجتمعات التي يعملون فيها". ووفقاً للدخيل، "استطاع السبهان أن يدخل البيوت الشيعية، والسنية، والكردية، وأن يكسر من الرتابة السياسية القائمة بالعراق والمعتمدة على دعم فصيل واحد، ذي طابع إيراني محض"
أما الصحافي والكاتب في صحيفة "الجزيرة" السعودية، جاسر الجاسر، فقد اعتبر أنّ الهدف من الطلب العراقي استبدال السبهان "تفريغ بغداد من أي وجود عربي يساعد على تنقية سماء بغداد من الطائفيين والصفويين"، مستغرباً تزامن المطلب مع "وجود وزير خارجية دمشق في بغداد".
تلك المواقف لخصها ربما مدير قناة "العرب"، جمال خاشقجي، حين قال في تغريدة على "تويتر"، إنّ "حكومة العراق ضيّعت بوصلتها، وهي تخرج من ثوبها (لأنّ) امتداد العراق وهويته وتاريخه وقوميته هو الجزيرة وعربها".
وحده الكاتب، طراد العمري، غرّد خارج السرب السعودي المؤيد لمواقف السبهان، فاتهم سفير بلاده بالتعجرف والغرور، وقال إنّ "تغريدات ثامر السبهان أضرت به شخصياً... (لأنها) قضت على مستقبله الدبلوماسي تماماً، ونشك في أن أي دولة في العالم ستقبله سفيراً لديها".
مريم عبد الله- الأخبار اللبنانية-