في الوقت الذي تستعد فيه السعودية لاقتراض 15 مليار دولار من الخارج عبر طرح في الأسواق الدولية ودعوة البنوك وصناديق الاستثمار للاكتتاب بها بداية الشهر القادم، أعلن وزير المالية المصري، عمرو الجارحي، أمس أن مفاوضات تجريها بلاده مع السعودية للحصول منها على تمويل تتراوح قيمته ما بين 2 و3 مليارات دولار، وأن المفاوضات بين الطرفين دخلت في مرحلة متقدمة.
لا أعرف بداية هل الرقم الذي ذكره الوزير أمس هو قرض جديد ستحصل عليه حكومته من المملكة، أم أنه ذلك القرض الذي وعد الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بتقديمه للحكومة المصرية خلال زيارته القاهرة في شهر أبريل/ نيسان الماضي وتبلغ قيمته ملياري دولار.
مع الاشارة هنا إلى أنه خلال شهر أبريل أيضا أعلنت المملكة أيضاً منح مصر قرضاً متوسط الأجل قيمته 23 مليار دولار لتمويل شراء واردات البلاد من المشتقات البترولية ( بنزين وسولار وغاز ومازوت وغيرها) لمدة 5 سنوات.
وعلى مدى الثلاث سنوات الماضية ومنذ 3 يوليو/ تموز 2013 منحت السعودية مصر قروضاً مباشرة بمليارات الدولارات، لا أتحدث هنا عن المنح والمساعدات النقدية والنفطية المجانية التي لا ترد، بل أتحدث عن القروض المباشرة التي تأتي في شكل ودائع تضاف لاحتياطي البنك المركزي المصري، أو توجه لتمويل مشروعات واستثمارات محددة تتم إقامتها بمصر سواء برؤوس أموال مصرية أو سعودية، أو توجه لتمويل شراء مشتقات بترولية.
مع استمرار تدفق هذه المليارات من السعودية على مصر فإن كثيرين يرون أن هناك شيئاً محيراً في العلاقات المالية بين مصر والسعودية في ظل الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة التي تواجه الدولتين.
ولذا يتساءل هؤلاء باستغراب: إذا كانت المملكة تقترض المليارات من الخارج وتسحب مليارات أخرى من احتياطاتها الخارجية من النقد الأجنبي، وتعاني في نفس الوقت من عجز حاد في الموازنة العامة، فهل في مقدورها إقراض أخرين في مقدمتهم مصر مع تقديم مساعدات وبمليارات الدولارات لدول عربية أخرى منها بلدان الممالك العربية مثل المغرب والأردن؟
هناك عدة تفسيرات يمكن طرحها في هذا الشأن المتعلق باستمرار السعودية منح قروض ومساعدات مالية وبمليارات الدولارات رغم الظروف التي تمر بها المملكة.
التفسير الأول
هو حرص المملكة الشديد على استقرار مصر سياسيا واقتصاديا عبر منحها قروضا تساعد الحكومة المصرية في تدبير واردات البلاد، وسداد الديون الخارجية المستحقة على الدولة، وتوفير رواتب موظفي الدولة البالغة 15 مليار جنيه شهريا، وتغطية جزء من عجز الموازنة، وهنا تنطلق المملكة في تحركاتها الداعمة لهذه الحكومة مالياً من الحرص الشديد على استقرار مصر باعتبارها أكبر دولة في المنطقة وأكبر دولة سنية في العالم، وأن استقرارها يساعد في استقرار المنطقة والعكس.
كما أن المملكة في حاجة للنظام المصري في عدة ملفات منها مواجهة إيران ووقف نفوذها المتنامي في المنطقة خاصة في اليمن وسورية والعراق ولبنان، ومواجهة الارهاب الناجم بشكل رئيسي عن تواجد تنظيم داعش في عدة دول منها ليبيا والعراق وسورية.
التفسير الثاني
هو أن المملكة رابحة مادياً في علاقتها مع مصر، فهي تحصل على قروض خارجية بسعر فائدة بسيط وبضمان احتياطاتها الخارجية التي تزيد على نصف تريليون دولار، وفي المقابل تمنح المملكة مصر قروضا بسعر فائدة يزيد عن 3% سنويا، وهنا تحقق السعودية مكاسب مالية من خلال الحصول على الفارق بين سعر الفائدة على القروض التي تحصل عليها من الخارج والقروض التي تمنحها لمصر. وهذا احتمال وراد.
التفسير الثالث
هو أن القروض التي تمنحها السعودية لمصر تفيد المملكة قبل أن تفيد مصر، فمثلا السعودية بمنحها مصر قرضاَ بقيمة 23 مليار دولار تكون قد حصلت على زبون لشراء مشتقاتها النفطية هو مصر طوال 5 سنوات، لأن هذه القروض لن تخرج من السعودية أصلا، صحيح أنها ممنوحة لمصر، لكنها تخرج مباشرة من الصندوق السعودي التابع للدولة إلى شركة أرامكو الموردة للمشتقات البترولية لمصر والتابعة للدولة أيضاً.
كما أن جزءاً من قروض المملكة توجه لتمويل استثماراتها في مصر، إضافة إلى أن حكومة مصر ستردّ هذه القروض ثانية مضافا إليها سعر فائدة يزيد في الغالب عن الأسعار لسائدة في الأسواق الدولية.
ورغم وجاهة التفسيرين الثاني والثالث، الا أن التفسير الأول المتعلق بحرص المملكة على استقرار مصر ونظامها السياسي القائم يظل هو الأقوى لدى كثيرين.
مصطفى عبد السلام- العربي الجديد-