علاقات » عربي

تأثير الهجرات الخليجية على صعود الحركة السلفية في مصر

في 2016/09/21

في أول انتخابات ديمقراطية في مصر بعد الثورات، هيمنت الأحزاب الإسلامية، بما في ذلك حزب الإخوان المسلمين، حزب الحرية و العدالة وحزب النور السلفي على مقاليد الأمور. وعلى الرغم من أنه قد كتب الكثير عن الجهود التنظيمية للجماعات الإسلامية، فقد تم تجاهل عامل واحد: وهو الدور التكويني للهجرة إلى المملكة العربية السعودية للعديد من المصريين.

في دراسة جديدة لدينا، تكشف لنا بعض الأفكار التي من شأنها إلقاء الضوء حول العلاقة الحقيقية بين الهجرة وصعود الحركة السلفية في مصر.

بعد فترة وجيزة من الجولة الأخيرة من الانتخابات البرلمانية في أوائل عام 2012، أجرينا مسحا على حوالي 1100 من المصريين. ومن خلال توظيف العينة العشوائية الطبقية، قسمنا كل محافظة إلى المناطق الحضرية والريفية، مع استبعاد بعض القرى في المناطق الريفية البعيدة بسبب صعوبة الوصول والتكاليف.

 بعد ذلك، قمنا باستخدام عينة عشوائية نم اختيارها من الأسر والأفراد المستطلعين لإجراء مقابلات. ، شملت العينات المهاجر أو أفراد من عائلته، شريطة أن يكون قد عمل في الخارج لمدة ستة أشهر على الأقل. ومن هذه الأسر المهاجرة، 31 % منها كان أحد أفراد الأسرة قد عاش في المملكة العربية السعودية.

لا ينبغي أن يكون حجم المهاجرين بين المصريين مفاجئا. فالمشيخات الخليجية التي أنشئت حديثا عملت على توظيف وتشغيل المصريين والمهاجرين العرب الآخرين من الدول العربية غير الخليجية في المؤسسات التي أنشئت حديثا. اكتسبت الهجرة إلى المملكة العربية السعودية الزخم في الخمسينيات والستينيات ، وتسارعت بعد صعود النفط في 1974 . تولى المصريون مناصب تتراوح بين المناصب البيروقراطية رفيعة المستوى والعمال غير المهرة في مشاريع التنمية. وفي حين بدأ معظم المصريين الهجرة لأسباب سياسية واقتصادية، فإن أسباب هذه الهجرة اختلفت عبر الزمن.

في حين لعبت السياسة دورا كبيرا، خصوصا في الخمسينيات والستينيات، فإن الفرص الاقتصادية في السعودية ودول الخليج الأخرى قد عملت على زيادة حجم الهجرة لاحقا. على وجه الخصوص، أدى اضطهاد الإخوان المسلمين وغيرهم من الجماعات الإسلامية الصغيرة على يد النظام الاشتراكي/ القومي لـ«جمال عبد الناصر» إلى دفع مؤيديهم للهجرة إلى الدول المجاورة الناشئة حديثا في الخليج وغيرها من الدول الغنية بالنفط في الخمسينيات والستينيات.

هذه الأنظمة الخليجية الجديدة، وخاصة المملكة العربية السعودية، كانت منزعجة من صعود القومية العربية. ورحب الزعماء بالإسلاميين شريطة أن لا يتدخلوا في السياسة الداخلية. عمل علماء الهجرة، مثل «بيركس»،.«سنكلير» و«أندريه كابيسزويسكي» على توفير البيانات التجريبية لتأطير الهجرة العربية في دول الخليج. وقد كانت الأولوية لأكبر اقتصاد في المنطقة، السعودية، إلى درجة أنه في ذروتها في السبعينيات، كانت السعودية تستقطب 90% من جميع العمال المهاجرين في البلاد العربية.

على الرغم من تراجع هذا العدد في سنوات انخفاض أسعار النفط وخاصة في أواخر التسعينيات نتيجة لحرب الخليج، واصل المصريون الهجرة بنشاط، وذلك بفضل مشاركة مصر في قوات التحالف ضد «صدام حسين». وتشير الإحصاءات الرسمية لأواخر التسعينيات أن من بين السكان غير الخليجيين في المملكة العربية السعودية، كان هناك 900 ألف من المصريين، و 700 ألف من اليمنيين و 300 ألف من الفلسطينيين والأردنيين. كما شكل المصريون أيضا نسبة كبيرة من السكان في الكويت والإمارات، ووصل عددهم هناك إلى 400 ألف في عام 2004. وفي الواقع فإن الإحصاءات الرسمية قد تقلل من حجم الهجرة المصرية إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى بسبب عدم احتساب الهجرات غير الشرعية، لكنها تشير بوضوح إلى أن التفاعل الثقافي والديني بين دول الخليج ومصر يتألف من أشياء أكثر من التدفقات المالية فقط من المنظمات العامة والخاصة من الخليج.

كيف إذا أثرت عقود من الهجرة إلى المملكة العربية السعودية على الاقتراع في مصر؟

تشير النتائج إلى أن أفراد الأسر المهاجرة المتصلة بالخليج صوتوا بكثافة للأحزاب الإسلامية الرئيسية، ولاسيما الإخوان المسلمين (حزب الحرية والعدالة) وحزب النور السلفي. في حين صوت 30 % فقط من أسر غير المهاجرين لحزب الحرية والعدالة، قام 36 % من الأسر المهاجرة الخليج بذلك. تفصيل أعضاء عائلات المهاجرين بحسب بلد الهجرة يشير أن 32% من العائلات التي هاجر أفرادها إلى السعودية صوتت لحزب الحرية والعدالة، في حين بلغت النسبة 45% و53% على التوالي بالنسبة لأولئك الذين هاجروا إلى الكويت والإمارات. في حين أن هذه الأرقام هي صغيرة جدا لاستخلاص استنتاجات لا لبس فيها، فمن اللافت للنظر أن المهاجرين إلى السعودية في العينة لدينا لا يبدو أنهم كانوا مختلفين كثيرا عن الأسر غير المهاجرة من حيث التصويت لصالح حزب الحرية والعدالة ولكن هذا يختلف مع من هاجروا إلى الكويت والإمارات.

نفس الشيء نطبق على حزب النور السلفي. فقد جاء الدعم الأقوى لحزب النور من الناخبين الذين هاجر أفراد أسرتهم إلى السعودية، في حين صوت 15٪ فقط من الأسر غير المهاجرة لحزب النور في مصر، بينما ارتفع هذا الرقم لدى الأسر المهاجرة إلى 26 % بالنسبة لجميع دول الخليج و 32 % للمهاجرين للسعودية.

ومقارنة مع بلدان أخرى، فإن حجم الهجرة إلى السعودية وحصة التصويت لحزب النور من بين هذه الأسر المهاجرة تشير إلى وجود علاقة قوية بين الهجرة إلى المملكة العربية السعودية والنجاح الانتخابي لحزب النور.

ومثل أي مسح في مصر، فالمسح لديه العديد من القيود. فالعينة لدينا في المناطق الحضرية منحازة، ونحن لا يمكن أن نقوم بتحديد الانتماء الديني والسياسي قبل مغادرة المهاجرين للسعودية وبلدان أخرى في دراسة مستعرضة.

أثرت تدفقات العمالة والخبرات المهاجرة إلى الخليج في الهيكل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لمصر. ومع كون التحول الديمقراطي قد فشل وأدى إلى زيادة عدم الرضا ، فإن مصر أصبحت بيئة مواتية على نحو متزايد للسلفية المسيسة وتجنيد الجماعات الجهادية السلفية. الاتصالات بين الهجرة والتسلط تذهب أعمق بكثير من السرد السائد لذا فإن العلاقة بين الهجرة و الديمقراطية تستدعي مزيدا من الدراسة.

واشنطن بوست- ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد-