لا أعتقد أن هناك قضية يجب الدفاع عنها أسمى من التراب الوطني ووحدته، وأي خيانة للوطن هي خيانة أبدية لا تغتفر، مهما زايد المزايدون، والتف على قضايا الوطن المتلونون والمدلسون.
هذا بالتحديد ما فعلته جماعة الإخوان المسلمين بفروعها المحلية والعالمية، طوال علاقتها بالمملكة، ولنبدأ بآخر طوام تلك الجماعة، ففي أعقاب اتفاقية إعادة جزيرتي تيران وصنافير للسيادة السعودية، بعد عقود من اتفاق قديم بين الحكومتين، يسمح لمصر باستخدام الجزيرتين لصالح المجهود الحربي في مواجهة إسرائيل، أصدر التنظيم المصري المهيمن على باقي التنظيمات في العالم بيان «خيانة»،
مواضيع أخرى
حين كانت «الريبة» تحيط بالآثاريين
طالب فيه جموع المصريين بالتصدي للسعودية في سعيها لاسترداد حقها التاريخي في الجزيرتين.
لم تقف الجماعة «الخائنة» عند ذلك، بل طلبت من كوادرها في المملكة والعالم، تهييج الشارع عبر كل الوسائل الممكنة، في الوقت الذي أثارت هي الشارع المصري، وأخرجت قواها مع قوى اليسار في مظاهرات حاشدة.
يا لها من خيانة، ويا لها من قدرة على التفريق بين الشعوب وتمزيق الأواصر..
لم تكن تلك الخيانة الأولى لجماعة الإخوان للسعودية، فقد أصدر مهدي عاكف المرشد العام السابق للجماعة العام 2009، بيانا «سيئ الطوية»، دعا فيه المملكة للتوقف عن هجومها ضد الحوثيين – حسب زعمه –.
وفي السياق نفسه لا يمكن للسعوديين، أن يغفروا خيانة الإخوان لهم خلال حرب تحرير الكويت، فهي أم الخيانات ورأس الرزايا، حين ذهب يوسف ندا القيادي في الجماعة لبغداد - حسب اعترافه لقناة الجزيرة - للتفاوض مع الرئيس العراقي صدام حسين، أعطاه دعم وموافقة الجماعة «الإرهابية» على احتلال الكويت والسعي لاحتلال السعودية.
يعتقد بعض منتسبي جماعة الإخوان المسلمين خاصة من المقيمين في المملكة، أن حشد الرأي العام تجاه قضايا إنسانية في سورية واليمن، قادر على دفع السعودية لتبني وجهة نظرهم «المتآمرة»، ويعتقدون «وهماً» أن اندفاع المملكة لحماية حدودها الجنوبية من مليشيا الحوثي، وتمتين فضائها الإقليمي في سورية، هي حرب بالنيابة عن الإخوان المسلمين.
مئات الملايين من الدولارات تصرف على قيادات الإخوان وأسرهم وأولادهم في ماليزيا وطربزون وألمانيا، متكئين على «وزير مالية الإخوان» يوسف ندا، ويجزل لهم العطايا والهبات والرواتب، ويتوقعون أنهم «بشوية تغريدات» قادرون على تغيير السياسات السعودية الراسخة، حتى يتسنى لهم حكم اليمن وسورية، وأولا وأخيرا مصر.
اليوم تختلف السعودية ومصر في الملف السوري، وتختلف مع تركيا وقطر في الملف الإيراني، ونعم من حق السعودية أن تعتب على مصر كما تعتب على غيرها، لأنها بتصويتها مع المشروع الروسي لا تمثل نفسها في مجلس الأمن، بل تمثل العرب، وهذا هو العرف العربي، وكان لا بد من التشاور قبيل الاجتماع، خاصة أن الرياض والقاهرة معنيتان بهذا الملف المعقد والشائك.
لكن هل هذا الاختلاف حول ملف سياسي، يستدعي القطيعة بين الشقيقتين، والتحريض عليهما من شواذ الطرفين، هذا ليس عملا صالحا بين الدول، تعودنا على أن تقوم به الجماعة الإرهابية وكوادرها، وكل من جادت عليهم بعطاياها وهباتها.
لا شك أن لمصر مصالحها الإستراتيجية، كما السعودية، وهي ترى في عقيدتها السياسية والعسكرية، أن دمشق هي بوابة القاهرة، وأن سقوطها يعني سقوط مصر، وكذلك تؤمن المملكة أن فضاءها الأمني يبدأ في دمشق، وينتهي في صنعاء، وهي معنية بالحفاظ عليه من أي اختراق.
إذن مع هذه الأيام الصعبة التي يمر بها العالم العربي، في أعقاب «خريف الاحتجاجات»، تحتم على العاصمتين الكبيرتين الرياض والقاهرة، وهما حجر الزاوية المتبقيان، أن لا تستسلما لأي اختلاف سياسي، فعمق السعودية الأمني والسياسي في القاهرة، وعمق مصر العروبي والأمني هو الرياض.
محمد الساعد- عكاظ السعودية-