تعكس الصّدمة التي أصابت المملكة العربية السعودية، بعد تصويت مصر لصالح مشروع القرار الروسي الخاص بسورية في مجلس الأمن، حالة الغفلة والوهم التي يعيشها صانع القرار السعودي، في ما يخص علاقته مع النظام المصري الحالي، وهو الوهم الذي ساهم الجنرال عبد الفتاح السيسي في تغذيته، حين أطلق عبارته الشهيرة "مسافة السكة"، وذلك في كل مرة كان يُسأل فيها عن الأمن القومي الخليجي.
مرّت ثلاث سنوات، واكتشف الجميع أن الرجل كان يبيع الوهم لدول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، مقابل مليارات الدولارات التي حصل عليها من هذه الدول، والتي وصلت إلى أكثر من 50 مليار دولار. ورغم ذلك، لا تزال السعودية "تشتري" الوهم من السيسي مقابل لا شيء.
خمسة أوهام تعيشها السعودية في ما يخص علاقتها بالسيسي.
أولها أن السيسي يمثل حليفاً قوياً لها في صراعها الإقليمي مع إيران. وهو ما ثبت زيفه بالدليل القاطع، في أكثر من مناسبةٍ، أهمها الحرب في اليمن التي لم يكن للسيسي دور فيها يتوازى مع حجم المساعدات التي حصل عليها، وهو ما أثار غضب السعودية وقتها، لكنها لم تفصح عن ذلك، بل الأكثر من ذلك ما يمارسه السيسي من ابتزازٍ واضح للسعودية، بتهديد بعض دوائره ومستشاريه العسكريين بالانفتاح على إيران، نكاية في الرياض.
الوهم الثاني، الاعتماد على الدبلوماسية المصرية في المحافل الدولية. وقد ثبت بالدليل القاطع أيضا أن هذا وهم كبير، سواء بعد تصويت مصر لصالح القرار الروسي في مجلس الأمن، أو رفضها الالتقاء مع الموقف السعودي في ما يخص الصراع في سورية بوجه عام، بل يتجاوز الأمر كي يصل إلى حد التنسيق المتواصل بين القاهرة ودمشق، في ما يخص كيفية الخروج من الأزمة في سورية، وذلك تحت مظلة الدب الروسي، فضلاً عن الدعم العسكري واللوجيستي، الذي يقدمه نظام السيسي لبشار الأسد، سواء بالسلاح أو بالطيارين الحربيين، حسب تقارير إخبارية.
الوهم الثالث، أن الاعتقاد بأن دعم السيسي مادياً وسياسياً سوف يجلب الأمن والاستقرار لمصر. وهو وهم زائف، تكشفه حالة الغليان الموجودة حالياً في الشارع المصري، والتي قد تنفجر في أية لحظة في وجه السيسي وحلفائه الإقليميين. وتظل الحقيقة التي كشفتها السنوات الثلاث الماضية أنه كلما زاد الدعم السعودي للسيسي زاد جبروته وطغيانه، ما يدفع الأوضاع نحو الأسوأ.
الوهم الرابع، اعتقاد السعودية بأن استثماراتها وأموالها في مصر سوف تعود بالنفع عليها وعلى مصالحها، وهو وهم زائف، لأن الاستثمارات السعودية، والتي تبلغ حوالى 16 مليار دولار، تخدم بالأساس نظام السيسي، وليس أحداً غيره، كما أنها تحت سيطرة المؤسسة العسكرية، وإن بشكل غير مباشر، ما يجعلها عرضة للتحفظ أو النهب، إذا ما ساءت العلاقة بين البلدين.
الوهم الخامس، اعتقاد السعودية بأن في وسع السيسي القضاء على التيار الإسلامي، وفي القلب منه جماعة "الإخوان المسلمين"، وهو وهْم أثبتت الأعوام الثلاثة الماضية تهافته وزيفه، فالتيار الإسلامي، وإن قل نشاطه بسبب حالة القمع غير المسبوقة التي يتعرض لها الآن، إلا أن قواعده الاجتماعية والتنظيمية لا تزال موجودة، بل وفاعلة في بعض المناطق. أما خارج مصر، فثمّة عودة ملاحظة للإسلاميين في أكثر من بلد عربي، كالأردن وتونس والمغرب، وهو أمر قد يتكرّر في بلدان عربية أخرى، سوف تشهد استحقاقات انتخابية قريباً.
آن الأوان كي تعيد الرياض حساباتها، وبجدية، في علاقتها بنظام السيسي، على أسس براغماتية ومصلحية بحتة، وذلك قبل أن تصحو علي صدمةٍ جديدة من "حليفها" المتوهَم.
د. خليل العناني- العربي الجديد-