فوجئ كثيرون بانفلات بعض وسائل الإعلام في تناول الخلاف الأخير بين مصر والسعودية، على خلفية التصويت المصري في مجلس الأمن لمصلحة مشروعي قرارين متنافسين في شأن حلب الأسبوع الماضي، ووقف شركة «أرامكو» شحنات النفط التي تشتريها القاهرة بشروط ميسرة وفق اتفاق البلدين في نيسان (أبريل) الماضي.
لم يقتصر التصعيد الإعلامي على وسائل إعلام مصرية وسعودية، بل دخلت على الخط وسائل إعلام عربية أخرى وجدت في الخلاف فرصة انتظرتها طويلاً لتوسيع الهوة بين القاهرة والرياض، فسارعت إلى اختلاق القصص التي بلغ شطط خيال كاتب إحداها حد الزعم بأن مصر أمدت «الحوثيين» بزوارق حربية، فيما قواتها البحرية منتشرة عند مضيق باب المندب لمواجهتهم!
لا يمكن أيضاً إغفال تأثير وجود مجموعات في البلدين تحاول جذب أحدهما بعيداً من الآخر في اتجاه حلفاء إقليميين آخرين، إما لاختلاف قراءة هذه المجموعات لأولويات بلدها ومصالحه، أو لانضواء بعضها في مشاريع إقليمية أيديولوجية عابرة للحدود، سواء المحسوبين على «الإخوان المسلمين» في السعودية الذين لا يرون الأوضاع في مصر سوى من زاوية نظر الجماعة وأزمة الإسلاميين فيها، أو لوبي إيران المتنامي في القاهرة وبعض القوميين الذين توقف فهمهم للعلاقات مع المملكة عند زمن المواجهة في الستينات.
لكن بخلاف دور هذه المجموعات ومحاولات تصيّد وسائل الإعلام المحسوبة على أطراف إقليمية تسعى إلى تخريب علاقات القاهرة والرياض، فإن اللغة المتشنجة - والمسيئة في بعض الأحيان - التي استخدمتها صحف ومحطات تلفزيون في البلدين تبدو عَرَضاً لمشكلة تتسم بها العلاقات المصرية - السعودية، وهي ضعف آليات التنسيق وإدارة الاختلافات وعدم شرح أحدهما للآخر دوافع قراراته وتحركاته الإقليمية والدولية، بل تلك التي تمس العلاقات الثنائية في بعض الأحيان.
فالاختلاف المصري - السعودي حول سورية ليس جديداً، وإن كان التصويت في مجلس الأمن أبرزه على رغم أنه لم يغير شيئاً في مصير مشروعي القرارين الروسي والفرنسي - الإسباني. كذلك، لم يكن سراً نمو العلاقات السعودية - التركية التي استخدمها بعض الإعلام المصري في الهجوم على المملكة. فلكلا البلدين رؤيته لمصالحه التي قد يكون تقويمه لها محل خلاف لكنها لا يفترض أن تزعج الآخر، طالما أنها لم تمس أمنه القومي مباشرة أو تقوّض مصالحه. ومن هنا تأتي أهمية قنوات الاتصال اليومية لإدارة هذه الاختلافات والتنسيق في شأنها، وهي القنوات التي يؤكد ديبلوماسيون أنها لا تعمل كما ينبغي.
يحتاج البلدان إلى تفعيل آلية لإدارة اختلافاتهما والتنسيق بينهما ترقى إلى مستوى التحدي الإقليمي الذي يواجههما باعتبارهما أكبر قوتين عربيتين، يفترض توليهما الدفاع عن المصالح العربية في مواجهة التوسع الإيراني والتهديد «الداعشي»، والمتغيرات التي تفرضها لحظة الانسحاب الأميركي والإقامة الروسية الطويلة في الضلع الثالث من محور القاهرة - الرياض - دمشق. وهذه مهام أكبر من أن تُترك إدارتها لجماعات مصالح وإعلام منفلت.
محمد هاني- الحياة السعودية-