قد يلمس المراقبون المهتمون بالسياسة الخارجية الأمريكية نمطاً مألوفاً في التوترات التي طبعت مؤخراً العلاقات بين مصر والمملكة العربية السعودية حين أعربت مصر هذا الشهر عن تأييدها لقرار روسي بشأن سوريا في مجلس الأمن الدولي فأثارت بذلك غضب المملكة العربية السعودية إلى حدٍّ دفع السفير السعودي في الأمم المتحدة إلى انتقاد التصويت المصري علناً. فالسعودية تعارض المساعي التي تبذلها روسيا لدعم الرئيس السوري بشار الأسد وقد فضّلت عليها قراراً فرنسياً منافساً يسعى إلى إيقاف القصف الروسي على حلب.
وقد أغدقت السعودية أيضاً مساعدات كبيرة على مصر لكي تستطيع الوقوف على قدميها، ولا سيما في السنوات الأخيرة. فبعد إسقاط أول رئيس مصري منتخب وأحد قادة «الإخوان المسلمين» محمد مرسي في تموز/يوليو 2013، سارعت الرياض إلى منح القاهرة 5 مليارات دولار، ثم تعهّدت بتقديم 4 مليارات دولار إضافية في آذار/مارس 2015 وبعد ذلك وقّع الملك سلمان بن عبد العزيز في نيسان/أبريل اتفاقيات بلغت قيمتها 25 مليار دولار.
بيد أن هذا الدعم [الاقتصادي] لمصر خلال مرحلة ما بعد مرسي يعكس المخاوف السعودية من المطامع الإقليمية لـ «الإخوان المسلمين» وكذلك اعتقاد السعودية بأن استقرار مصر قد يعزز الدفاعات السعودية بوجه إيران ووكلائها. وبدا أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد قبِل بهذه الصفقة الضمنية حيث قال للملك سلمان في آذار/مارس 2015 أن مصر تعتبر أمن دول الخليج العربية "خطاً أحمر".
ولكن من وجهة نظر المسؤولين في الرياض، لم يفِ الرئيس السيسي بالتزاماته في هذه الصفقة، فقد رفض إرسال جيوشه لمساندة السعودية في عملياتها ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، كما ورفض المطالب السعودية بالتدخل العسكري في سوريا. وخلال الزيارة التي قام بها الملك سلمان في نيسان/أبريل، حاولت الحكومة المصرية تسوية الخلافات عبر الاعتراف بسيادة السعودية على جزيرتين في البحر الأحمر كانتا قد خضعتا للإدارة المصرية منذ عام 1982. ومع ذلك، ماطلت المحاكم المصرية في تسليمهما.
إن التصويت الذي جرى في الأمم المتحدة قد سلط الضوء على التباين في وجهتَي النظر المصرية والسعودية تجاه الصراع السوري. فالرياض تتخوف من أن يؤدي صمود الأسد إلى توطيد قوة خصمها الرئيسي إيران، بينما تتخوف القاهرة من التنظيمات الإسلامية السنية الأشد انخراطاً في القتال ضد الأسد، انطلاقاً من حذرها من معاركها الخاصة ضد التنظيمات الإسلامية (مع أن عدد القتلى المترتب عن هذه المعارك الأخيرة أقل بكثير). وكانت القاهرة صريحة بشأن هذا التباين في وجهات النظر الاستراتيجية، إذ قال وزير خارجيتها سامح شكري بعد لقائه مع نظيره الإيراني خلال أيلول/سبتمبر إنّ "التحالف الذي يخوض الحرب في سوريا قد يرغب في تغيير النظام في البلاد، ولكن هذا ليس موقف مصر".
وقد بدا السيسي يوم الأحد الماضي مهتماً بتحسين العلاقات مع السعودية. فقد شكر الرياض على دعمها السخي منذ الإطاحة بالسيد مرسي، وقال إن الخلافات حول سوريا يجب ألا تقوض الشراكة الأوسع. ودعا أيضاً إلى تسليم شحنة النفط المدعومة التي كانت شركة النفط الوطنية "أرامكو السعودية" قد أوقفتها في أعقاب التصويت [المصري] في الأمم المتحدة. ومع ذلك، ففي يوم الاثنين المنصرم استضاف مسؤولون مصريون رئيس المخابرات السورية لإجراء محادثات، وأفادت وكالة الأنباء الرسمية السورية عن اتفاق الطرفين على "تعزيز التنسيق في مجال مكافحة الإرهاب".
ولم يخضع السيسي لمموّله [الأهم] لأنه يعلم أن السعودية تعتبر مصر ضرورية لمصالحها الإقليمية الخاصة. وهنا قد يلاحظ المراقبون للأوضاع المصرية في واشنطن وجود نمط معين في هذا الإطار: فعلى الرغم من المساعدات العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة سنوياً إلى مصر بقيمة 1.3 مليار دولار، لم تكن العلاقات الثنائية بمنأى عن التدهور بسبب الخلافات السياسية.
وفي غضون ذلك، عمد الزعيم القوي في مصر إلى توطيد شراكته مع الزعيم الروسي القوي فلاديمير بوتين، حيث أبرمت القاهرة صفقة أسلحة مع موسكو بقيمة 3.5 مليار دولار في أيلول/سبتمبر 2014. وفي أيار/مايو تم الإعلان عن قرض روسي بقيمة 25 مليار دولار لإنشاء محطة للطاقة النووية في مصر. وستستضيف القاهرة هذا الشهر تدريبات عسكرية مشتركة مع روسيا.
وكما هو الحال مع نهجها تجاه سوريا، يعكس تقارب حكومة السيسي من روسيا إلتقاء المصالح ضد التنظيمات الإسلامية السنية. وبقدر ما يفعل مع السعودية، لا ينفك الرئيس السيسي يشدد على رغبته في تقوية العلاقة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة، حتى بينما يتعاون بشكل أعمق مع الخصم الرئيسي لواشنطن.
وحتى الآن، نجح السيسي في رهانه بالإفلات من عواقب هذا التصرف بدون خسارة المساعدات الأجنبية. إلا أن تعليق المملكة العربية السعودية للمساعدات النفطية، بالإضافةً إلى قرار واشنطن بتحويل مبلغ يزيد عن 100 مليون دولار كان مخصصاً لمصر إلى دول أخرى، يوحيان بأن التغييرات قد تكون قيد التنفيذ.
اريك تراجر- معهد واشنطن-