أرسل الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» رسالة عامة في 16 أكتوبر/تشرين الأول تتعلق بالعلاقات بين القاهرة والرياض مؤكدا أن تلك العلاقات «لا تتزعزع»، وأنها لن تتأثر بأي سوء فهم. وعلاوة على ذلك، دعا «السيسي» إلى تحسين التنسيق بين البلدين لتجنب أي توترات في المستقبل.
ورغم هذه الإشارة، ترى دورية «ميدل إيست بريفينغ» أن التوتر القائم بين البلدين أصبح أكثر وضوحا من أن يتم إنكاره. صوتت مصر في مجلس الأمن الدولي لصالح القرار الروسي بشأن سوريا والذي رفضته الرياض من حيث المبدأ. واستجاب السعوديون بإعطاء تعليمات لشركة أرامكو بوقف شحن المنتجات النفطية المكررة إلى الهيئة العامة للبترول في مصر بداية من أكتوبر/تشرين الأول. وفي وقت لاحق، نفت شركة أرامكو أن هناك قرارا بوقف الشحنات الشهرية الحيوية إلى مصر. وفسرت قرارها بالحاجة إلى تكييف مستويات الإنتاج مع السياسة الجديدة للطاقة في المملكة. توجه وفد مصري رفيع المستوى إلى الرياض لمناقشة هذه المسألة، ولكن لا توجد بعد إشارات حول استئناف الشحنات.
تشير الدورية الأمريكية المهتمة بشؤون الشرق الأوسط أن هذه الحلقة من التوتر شهدت هجمات متبادلة مكثفة وغير عادية في وسائل إعلام البلدين ضد بعضهما البعض. ما أشارت إلى عودة سفير الرياض إلى بلاده، والذي ادعت السلطات المصرية إنه جاء من أجل العمل على حل للأزمة، ولكنه في حقيقة الأمر ربما يكون علامة على الاحتجاج.
وأشار الكاتبان إلى دخول إيران على خط التوتر. حيث كتبت دورية إيرانية إن إيران يمكن أن تحل محل المملكة العربية السعودية عن طريق إرسال المنتجات النفطية بأسعار مخفضة وشروط دفع ميسرة إلى مصر. وكتبت أخرى إنه يمكن إرسال 10 ملايين حاج إلى مصر سنويا لزيارة العتبات الشيعية التاريخية التي بنيت عندما وقعت مصر تحت الحكم السلالة الفاطمية الشيعية. وحاولت وسائل الإعلام المصرية النفخ في النار بالدعوة إلى احترام استقرار القرار السيادي المصري. في حين بدأ المعلقون السعوديون بدورهم في الإشارة إلى المساعدات السعودية السابقة إلى مصر، ملمحين أن تلك المساعدات تمت سرقتها.
وأشار الكاتبان الاختلافات بين المملكة العربية السعودية ومصر بشأن الأزمة السورية واليمنية ليست جديدة. حيث تقاوم القاهرة صعود أي حركة إسلامية في الشرق الأوسط ما بعد الربيع العربي، في حين يبدو أن الرياض تنظر إلى هذه الحركات من منظورين أكثر براغماتية، وهما التأثير المحتمل على التوغل الإيراني في المنطقة منذ عام 2011، والإسهام ضمن الإرهاب العالمي.
يرى المقال أن هناك أرضية مشتركة بين القوتين بالفعل. وهذا ما يجعل الخلافات بينهما طارئة ويمكن حلها إذا تقرر مناقشتها وتحجيمها إلى مستوى يمكن إدارته. وينوه الكاتبان أن هذه الأزمة وقعت في لحظة حاسمة على صعيد الأمن الإقليمي، وهي الحقيقة يجب أن تجبر البلدين على تجنب أي مواقف ذاتية والسعي بسرعة لوضع حد للنزاع وإدارة الخلافات على الأرض وفق الأهداف المشتركة.
ويلفت المقال أن القاهرة لا تريد أن ترى الجماعات الجهادية تنتصر في سوريا، لأن هذا يهدد في النهاية الأمن القومي لمصر ويخاطر بزرع هذه الحركات في عمق الشرق الأوسط. ولكن بدلا من الوقوف ضد أي حل معقول في سوريا، ينصح الكاتبان القاهرة بتبني نهج أكثر واقعية لحل الأزمة هناك، وينوهان أن أي حل ينتهي بإبقاء «الأسد» في السلطة هو في حقيقة الأمر ليس حلا. ولذلك فإن تبني نهج مختلف عن محور «روسيا - إيران - الأسد» ليس مجرد تنازل للسعوديين، ولكنه الحل الوحيد الممكن حقا لمنع المتطرفين من الوصول إلى السلطة في سوريا.
ويرى الكاتبان أن هناك مشكلة في تبني الطرفين سياسة «حدية» لا تتضمن التسويات الوسطى. فعندما تسعى الرياض إلى جمع الدول العربية على خط واحد لصد التوسع الإيراني في المنطقة، يجب أن تكون جاهزة لطريق شاق من الأخذ والعطاء، لأنه لا يوجد بلد يمكنه رسم خط دقيق، ودعوة جميع البلدان للسير عليه دون شبر واحد من الانحراف، حتى لو كان هذا الانحراف تمليه في بعض الأحيان المصلحة الوطنية للشركاء.
ويؤكد المقال أن الشواغل الرئيسية في مصر الآن محلية الطابع، في حين أن مخاوف الرياض في معظمها إقليمية. وليس من المبالغة أن نقول إن هاتين المجموعتين من المخاوف تستندان إلى تهديدات وجودية. لا يمكن أن نتوقع من أي من البلدين أن يتخلى عن مخاوفه الخاصة لصالح الآخر. يرى الكتبان أن «السيسي» يخوض معركة صعبة في بلد لا يسير فيه أي شيء بشكل صحيح. وفي حال انهار نظامه فإن ذلك سيؤثر على الأمن الإقليمي بشكل كبير، وأن نجاحه هو نجاح لجدول أعمال السعودية نفسها. وعلى هذا الأساس، يجب على الجانبين البحث عن سبل لمساعدة بعضهم البعض، وليس مواجهة بعضها البعض.
في حين قدمت السعودية لمصر حزم مساعدات بالغة الأهمية في أوقات صعبة للغاية، يرى الكاتبان أن مصر تقدم الخدمات لدول مجلس التعاون الخليجي حين تقوم بمحاربة الجهاديين وسائر جماعات الإسلام السياسي. وأنه إذا سيطرت أي من هذه القوى على مصر، فإن دول مجلس التعاون الخليجي لن تكون آمنة.
وينصح المقال «السيسي» أن يبادر بزيارة الرياض، أو أن يقوم أحد المسؤولين السعوديين بزيارة القاهرة لرأب الصدع. منوها أن الأمر لن يستغرق الأمر سوى بضع ساعات من المحادثات السريعة بين قادة البلدين من أجل وضع حد لهذا الإلهاء.
سمير التقي وعصام عزيز - ميدل إيست بريفينج - ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-