ثمّة نقاش داخل السعودية وخارجها عمّن هم حلفاء السعودية الحقيقيون. يُطرح السؤال بعد أحداث دولية وعربية مؤثرة على الحكومة السعودية. من أهم هذه الأحداث الدولية، أخيراً، إقرار قانون "جاستا" الأميركي، الذي يسمح لأسر ضحايا "11 سبتمبر" بمقاضاة الدول الداعمة للإرهاب. هذه الخطوة القانونية واحدة من عدة أحداثٍ تبيّن حجم اتساع الفجوة في العلاقات بين السعودية وأميركا طوال الفترة الماضية.
عربياً الضربة التي تلقتها السعودية من مصر، بعد تصويتها في مجلس الأمن لصالح مشروع قرارٍ بشأن سورية، تقدّمت به روسيا وعارضته المملكة. هذا النوع من الأحداث، وخصوصا موقف مصر التي يعتبر الجميع أن السعودية هي الداعم الأساسي لها، كان بمثابة صدمةٍ حقيقيةٍ لصانع القرار السياسي السعودي لم تكن متوقعةً من حكومة عبد الفتاح السيسي.
وقد ظهر هذا جلياً في الصحافة والإعلام السعوديين، وندّد به كثيرون ممن كانوا يبرّرون دعم الحكومة السيسي، أظهروا إحباطهم من تخاذل السيسي تجاه المواقف ذات المصلحة السعودية. وقد عبّر صراحةً عن حالة الإحباط هذه مندوب المملكة لدى الأمم المتحدة، السفير عبدالله المعلمي "مؤلم أن يكون موقف ماليزيا والسنغال أقربَ للموقف العربي من مصر". هذه أحداث أساسيةٌ، وثمّة غيرها، تجعل السعودية تعيد التفكير في تشكيل علاقاتها الخارجية على مبادئ استراتيجية ذات مصلحة ومنفعة لها.
ليست خطوة القاهرة مستغربةً، إذا قرّرنا أن نقرأ الواقع بالشكل الذي هو عليه، لا بالذي نتمنى ونرغب. وهذا يستلزم من الحكومة السعودية تقديم مراجعاتٍ سياسيةٍ لمواقفها وعلاقاتها الخارجية مع مصر وغيرها. يعتبر تفضيل السعودية النظام القديم سابقاً مطلع الثورة المصرية، ثم نظام السيسي قائد الانقلاب، عجولةً وغير مدروسة. متجاهلةً قراءة واقع مصر سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. للأسف، بني ذلك القرار على عجل ومن دون رويّة، وتجني السعودية الآن فداحته، بالرهان كل مرة على إصلاح الواقع المصري وتحسّنه، وهو الذي يسوء يوماً بعد آخر، حيث أن كلفة السيسي مالياً وسياسيا مرتفعة، حيث تبلغ الحوالات المالية من الحكومة السعودية لحكومة السيسي 112 مليار ريال.
وبينما لا يوجد ملف حققت حكومة السيسي فيه تقدماً، يعاني الاقتصاد المصري من أزمةٍ حادةٍ في انخفاض قيمة الجنيه المصري، ومن عزوف المستثمرين، بل خروجهم بلا عودة من السوق المصري، فضلا عن ارتفاع المعيشة الخانق. وعلى المستوى الأمني، ما زالت سيناء تعاني أحداثاً أمنية ذات ألف علامة استفهام. للأسف، من أيّدوا السيسي بعد إعلانه "مواجهة الإرهاب المحتمل"، أي الخيار الديمقراطي للمصريين، ومن دعموه أمس، يعانون اليوم من بطشه.
الشعب المصري حليفٌ للسعودية، وللعرب بشكل عام، لكن النظام الحالي عار على الشعب المصري، وعلى كل حلفائه. في الوقت الذي تقوم السعودية بالدعم السخي له مالياً، مع هبوط أسعار النفط وأزمات حرب اليمن، يحاول هذا النظام الانقلابي الابتزاز السياسي والتذاكي باللعب على طرفين متنافسين (أميركا وروسيا) دولياً، وأيضاً إقليمياً (السعودية وإيران).
يحاول أن يشير إلى أحد الطرفين "إما أن تدعمونا أو نذهب إلى الطرف الآخر". إذا راجعت السعودية دوافعها نحو دعم مصر، سوف تجد أن السيسي لا يمثل المصريين، بل هو وباء عليهم، وهناك كثيرون يرجون الساعة التي يرحل فيها كابوسه، وهو يخالف الغاية التي دعم من أجلها، أي جلب الاستقرار لمصر.
مصر أكبر من السيسي، ومن الصعب أن يديرها رئيسٌ ضعيف ذو عقلية مخابراتية، فضلا عن أنه يسير بشكل واضح ضد مصالح شعبه. على السعودية أن تبني خياراتها الإستراتيجية مع مصر وغيرها بناءً على مصلحة شعوبها، فلا يمكن أن يستقيم الحال مع رئيسٍ وصل بالانقلاب إلى الحكم، ولديه خصوم أساسيون في المشهد المصري، كالإخوان المسلمين.
ومهما حاول المنتفعون من صراعهم مع "الإخوان" الاستفادة من هذه الفرصة، بشيطنتهم ووصمهم بالإرهاب، إلا أن "الإخوان" كيانٌ كبير وواقعي في مصر، ربما هم ليسوا أهلاً للسياسة، لكنهم فصيلٌ اجتماعيٌّ يجب التعامل معه، بوصفه مكوناً أساسياً في مصر، وأحد أوجه الأزمة الحالية وأيضاً جزء من الحل.
كانت اللحظة التي عجلت السعودية بدعم النظام الانقلاب في مصر للأسف خطوةً غير مدروسة، على الرغم من التحذيرات ووضوح الموقف بأن الأزمة لا يمكن أن يتم تجاوزها بدعم السيسي، فالشعب المصري أقام ثورةً على رئيس ديكتاتور، هو حسني مبارك، مع الفرق الشاسع بين نظامي مبارك والسيسي. لهذا سوف يعود الشعب مجدّدا، في الفترة المقبلة، ويطيح السيسي مجدداً. هذا ليس مجرد افتراض، بل واقع له معالمه في الشارع المصري، ونقرأ تفاصيله كل يوم من خلال الغضب والإحباط الموجودين في مصر التي قد تتفجر، وتحدث فيها ثورة جديدة.
هناك أربع دعائم إستراتيجية من المفترض أن تشكل وترسم العلاقات الدولية ما بين السعودية وحلفائها الأساسيين، هذه العلاقات الإستراتيجية مبنيةٌ على عدة محاور:
أولا التحالفات الأمنية، وهي الوقوف مع السعودية ضد أي اعتداء، خصوصاً بعد وضوح الموقف الأميركي بشأن النزاع السعودي الإيراني في المنطقة.
ثانياً، التحالفات الاقتصادية: لدى السعودية خطة ومشروع بأن تبادر في تنويع مصادر الدخل، بدلا من البترول، وفقاً لرؤية 2030، ويدفع هذا النوع من الطموح إلى إقامة علاقات مع دول مستقرة اقتصادياً، ولديها إمكاناتها لتكون حليفاً اقتصادياً قوياً.
ثالثاً، استراتيجيات التنمية، إقامة علاقات مع حلفاء ذوي بعد تنموي، نحن في عالم فيه دول مميزة كثيرة في عدة مجالات، في التعليم والصحة والطاقة، ما الذي يمنع أن تأخذ السعودية تجارب مميزة تساعد على تحسين الواقع، وترتقي فيه. لدى دولٍ كثيرة تجارب متميزة في التعليم. وأخرى في الصحة والطاقة. لا ضير من أن الانفتاح المدروس على تجارب دول مختلفة مميزة في مجالات معينة مفيد للتنمية.
أخيراً، التقاطع مع الهويات العربية والإسلامية. للأسف، كما يشير برهان غليون، لم تستثمر الأمة العربية البعد والإرث الثقافي العربي الإسلامي في بناء الدولة، وهذا واحد من أوجه تقهقر العرب، فللأسف، دولهم وشعوبهم ضعيفة في إظهار هويتها، فدول الخليج، مثلاً، تجدها بلا نكهة عربية إسلامية، على الرغم من كل ما تحتويه، وما يميزها عن غيرها.
أي دولة لن تتطور، ويكون لها حضورها إقليمياً أو دولياً، بدون استثمار الهوية العربية والإسلامية والتعددية الدينية في المنطقة، الانصهار في بوتقة الغرب الذي يتهمنا ليل نهار بالتخلف والرجعية والإرهاب نوع من الهروب عن إيجاد حلٍّ لمعضلة الهويات.
وهناك المظلة الأساسية لكل ما ذكر، أي وجود مبادرة إصلاح سياسي داخلي، وتشريعات قانونية تحمي ثروات الدولة ومشاريعها ومؤسساتها من الفساد الذي يعتبر أحد أهم عوامل الإخفاق لأي سياسة ورؤية تنموية. من دون طرح مشروع إصلاح سياسي داخلي، وإشراك المجتمع في عملية التنمية والمساهمة في صنع القرار تبقى آفاق التنمية محدودة.
هشام الرافعي- العربي الجديد-