خلّفت زيارة وفد سعودي، يتقدمه «أحمد الخطيب» المستشار الخاص للعاهل السعودي الملك «سلمان بن عبدالعزيز»، إلى إثيوبيا مؤخرا، العديد من التساؤلات حول النشاط الذي تقوم به السعودية ومستثمروها في هذا البلد الذي يعتبر المنبع الرئيسي لنهر النيل، مصدر المياه الأساسي لمصر.
وأوضح «ليستر براون»، رئيس معهد سياسة الأرض الأمريكي في تقرير تحت عنوان (حينما يجف نهر النيل)، في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أنه في ظل ارتفاع أسعار مواد الطعام وانخفاض تصدير مواد الغذاء، بدأت تتدفق دول غنية مثل السعودية وكوريا الجنوبية والصين والهند إلى السهول الخصبة في القارة الأفريقية لتملك مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة في دول مثل إثيوبيا والسودان لإنتاج القمح والأرز والذرة بما يسد احتياجات مواطني الدول الغنية.
وأضاف «براون»، في تقريره الذي يعود إلى يونيو/حزيران 2011، أن كوريا الجنوبية مثلا، والتي تستورد 70% من الحبوب، تمتلك 1.7 مليون فدان في السودان لزراعة القمح.
وأشار إلى أنه في إثيوبيا تؤجر شركة سعودية 25 ألف فدان لزراعة الأرز، مع احتمال للتوسع، كما تؤجر الهند 100 ألف فدان لزراعة الذرة والأرز والمحاصيل الأخرى.
غير أن هذا التملك للأراضي يقلص إمدادات الغذاء في هذه الدول الأفريقية نفسها التي تعاني من مجاعات، كما أنه يثير تهديدا خطيرا على دولة مصب نهر النيل ومنها مصر، بحسب أصوات مصرية.
السعودية ومياه إثيوبيا
ويفيد تقرير لقناة ناشيونال جيوجرافيك الأمريكية، في ديسمبر/كانون أول 2012، إنه بعد استنزاف السعودية لأربعة أخماس المياه الجوفية الهائلة تحت أراضيها لري زراعة غير مستدامة، توجه الرياض أنظارها إلى إثيوبيا الخضراء.
وأضاف التقرير أن السعودية تعتبر من أكثر الصحاري الجافة على سطح الأرض بدون أي أنهار تجري على أراضيها، ولا يوجد مياه سوى على عمق ميل كامل تحت رمال صحاريها، احتفظت بها أراضيها منذ عشرات الآلاف من السنين والتي تعود إلى العصر الجليدي.
وأوضح التقرير أنه منذ بداية ثمانينات القرن الماضي، حاولت الرياض تحقيق حلم الاكتفاء الذاتي من الطعام، وذلك بزراعة الصحراء بهذه المياه منفقة مئات المليارات من الدولارات من عوائد النفط من أجل تحقيق هذا الحلم.
وذكر أن الحكومة السعودية دفعت للمزارعين مقابل القمح 5 أضعاف الأسعار الدولية، بدون أي تكلفة من هؤلاء المزارعين على المياه، كما كانت تقدم لهم الكهرباء بشكل مجاني من أجل استخراج هذه المياه.
لكن هذه السياسات خلفت مأساة مائية بعد 30 عاما فقط، فالآن توقفت الكثير من مضخات المياه، ولم تعد المياه تصل إلى السطح، في الوقت الذي تقول الحكومة إن زراعة القمح على أراضيها سوف تتوقف خلال 2016 ، وسوف يتبعها وقف حظائر الأبقار المكيفة، لقد نفدت المياه في السعودية، حسبما تقول القناة.
ويقول التقرير إن مزارعين على الجانب الآخر من البحر الأحمر، وبالتحديد في ولاية جامبلا الإثيوبية باتوا يدفعون ثمن الحلم السعودي، فهذه المنطقة الأفقر في إثيوبيا تشكل منابع نهر النيل، أطول نهر في العالم، موضحة أنه وسط المراعي الرطبة هناك والغابات يتنامي غضب شعبي في الولاية، إذ يقول المواطنون إن السعوديين يريدون مياههم.
ويبين التقرير أن المواطنين في هذه المنطقة والذين ينتمون لقبيلة أنواك يشعرون بالغضب فالغابات التي كان أجدادهم يصطادون فيها، أخذتها شركة سعودي ستار، وهي مملوكة لواحد من أغنى السعوديين، محمد حسين العمودي.
وبحسب التقرير تقوم الشركة في هذه الولاية بحفر قناة لتغذية مزرعته، كما سيطرت على خزان مياه بناه مهندسون سوفييت في ثمانينات القرن الماضي مما أثار غضب مزارعين محليين.
وتطمح شركة سعودي ستار لأن تصل المناطق المزروعة في إثيوبيا إلى 500 آلف هكتار (1.253 مليون فدان).
وفي تحقيق مطول نشرته صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، تحت عنوان (الهجمة الكبيرة على الأراضي، إثيوبيا: مزرعة الملياردير) أوائل مارس/آذار 2016، أوضحت أن العمودي» أنفق أكثر من 200 مليون دولار لتحويل مساحة من الأحراش إلى مزرعة تعادل مساحة 20 ألف ملعب لكرة القدم.
وأوضحت الصحيفة أن دولا قليلة حول العالم هي التي استطاعت جذب اهتمام صائدي الأراضي وعلى رأسها إثيوبيا، وهي دولة تعاني من المجاعة لديها رؤية الآن لمزارع تجارية واسعة تضخ الطعام في أنحاء المنطقة.
إمبراطورية العمودي
وبحسب الصحيفة، فإن مالك هذه الشركة هو «العمودي»، الذي استطاع أن يكون إمبراطورية واسعة من الشركات التي تمتد من مصافي نفط في السويد إلى عقود دفاعية سعودية، الأمر الذي جعل مجلة فوربس تقدر ثروته بحوالي 8.7 مليار دولار.
وفي عام 2009، استأجرت شركة سعودي ستار 10 آلاف هكتار من الأراضي (25 آلف فدان تقريبا) في جامبالا لمدة 50 عاما، قبل أن تضيف إليها 4 آلاف هكتار أخرى (10 آلاف فدان) كانت تابعة لمزرعة حكومية.
ومشروع (سعودي ستار) هو أيضا ضمن خطة استثمار طموحة وضعتها الحكومة الإثيوبية قائمة على تأجير 2.5 مليون هكتار (7 ملايين فدان تقريبا)، وهي مساحة تقترب من مساحة دولة مثل بلجيكا، إذ يكمن هدف الحكومة في إدخال تكنولوجيا المزارع الحديثة من أجل إنتاج صادرات يمكنها ان تساعد في تعويض العجز التجاري الذي تعاني منه إثيوبيا.
وتوضح الصحيفة أن شركة سعودي ستار تخطط لإنفاق 100 مليون دولار أخرى بحلول عام 2018 لإكمال شق قنوات ري بطول 21 كيلومترا وجلب أجهزة إضافية.
وتعول الشركة على هذه التحديثات لزيادة الإنتاج السنوي من الحبوب من عشرة آلاف طن حسبما كان مخططا إلى 140 ألف طن، وهو ما يزيد على كامل احتياجات السوق الإثيوبي.
وفي تصريحات لصحيفة فاينانشيال تايمز، عارض «جمال أحمد» مدير شركة سعودي ستار الانتقادات الموجهة بأن العمودي هو رجل جاء للاستيلاء على موارد إثيوبيا على حساب السكان الأصليين ليأخذ أراضي أجدادهم، مؤكدا أن المزرعة لها مغزى اقتصادي.
وقال إن «السعودية دولة غنية وتستورد الطعام، ونحن لدينا أرض غنية لكننا نحتاج رؤس الأموال، وإذا كان جوع السعودية للطعام سوف يسمح لنا بجلب المال، فهذه هي نعمة لإثيوبيا».
«محمد حسين العمودي» هو ملياردير من أب سعودي وأم إثيوبية، قدرت مجلة فوربس الأمريكية ثروته بحوالي 8.7 مليار دولار جمعها من قطاعات مثل العقارات والبناء والتعدين والزراعة، بالإضافة إلى امتلاكه لمصاف لتكرير النفط في السويد والمغرب.
يعد «العمودي» أغنى رجل في إثيوبيا وثاني أغنى سعودي بعد الأمير الوليد بن طلال، بحسب فوربس، كما أنه يعتبر ثاني أثرى رجل أسود في العالم، وأكبر مستثمر في إثيوبيا والسويد.
يمتلك «العمودي» مجموعة واسعة من الشركات في قطاع البناء والطاقة والزراعة والتعدين والفنادق والرعاية الصحية والتصنيع، ويتولى إدارة هذه الشركات الواسعة من خلال مجموعتين رئيستين، وهما كورال بتروليوم هولدينجز وميدروك، اللتين توظفان أكثر من 70 آلف شخص.
وفيما يتعلق باستثماراته في إثيوبيا، فـ«العمودي» يمتلك فندق شيراتون أديس أبابا الذي يعد من أرقى الفنادق في القارة الأفريقية، كما تتولى شركته ميدروك إثيوبيا التي أنشأها إدارة مشروعات في العديد من القطاعات، وعلى رأسها منجم ذهب هناك يقوم بتصدير انتاجه للخارج وينتج سنويا 5400 كجم من الذهب والفضة.
كما يمتلك «العمودي» 70% من شركة النفط الإثيوبية الوطنية إضافة إلى 5 شركات نفط أخرى بحسب موقع أويل جاز بوست، ولديه مصنع للحديد توسا (Tossa) في ولاية أمهارا، والذي يعد مصنع الحديد الأول في إثيوبيا وينتج 1.3 مليون طن سنويا. وبحسب الموقع الرسمي لـ«العمودي» على الانترنت، فإن شركته ميدروك تدير استثمارات ضخمة في الأدوية والأسمنت والبناء.
ويقول الموقع إن «العمودي» لديه استثمارات ضخمة في قطاع الزراعة في إثيوبيا من خلال شركتيه، سعودي ستار و Horizon Plantations and Agriceft التي تدير 56 آلف هكتار من الأراضي الزراعية (أكثر من 138 آلف فدان) في أوروميا ومنطقة الأمم الجنوبية SNNPR وأمهارا، وتنتج وتصدر البن والزهور والحبوب وأوراق الشاي والخضروات.
وأوضح الموقع أن سعودي ستار بدأت مرحلتها الأولى بمشروع 15 آلف هكتار (37 آلف فدان)، ضمن خطة لزراعة 500 ألف هكتار في المراحل المختلفة باستثمارات كبرى لزرع العديد من المنتجات الزراعية.
واعتبر «العمودي أن مشروعه يوفر الأمن الغذائي للسعودية لكنه يعود بمنافع كثيرة على إثيوبيا في مجال الاستثمارات الخارجية وفرص العمل والطعام، موضحا أنه من المتوقع أن يعود حوالي نصف الإنتاج الزائد إلى إثيوبيا للاستهلاك المحلي.
في 27 سبتمبر/أيلول 2011، ومع شروع إثيوبيا في بناء سد النهضة، تعهد العمودي بالمساهمة بمبلغ 1.5 مليار بير (88 مليون دولار) من أجل هذا المشروع البنيوي الوطني الهام، على حد تعبيره.
وفي تقرير مطول للصحفي فريدريك كوفمان، نشر بمجلة هاربرز الأمريكية، تحت عنوان (الرجل الذي سرق النيل..الاستيلاء الفاحش على الأراضي من قبل ملياردير إثيوبي)، كتب قائلا «انسوا السطو على الماس أو عمليات سرقة البنوك، أو التنقيب عن الذهب في مبنى فورت نوكس، ففي هذه الفترة التاريخية غير المستقرة التي يمر بها العالم، أصبح الطعام الأغلى قيمة في كل هذا، وملياردير من إثيوبيا يدعى محمد حسين العمودي يضع يديه على أقصى ما يمكنه من ذلك، وينقله من فوق رؤوس أبناء بلده الجوعى ويبيع الكنز إلى السعودية».
بوابة القاهرة-