الحكم القطعي من قبل المحكمة الإدارية العليا المصرية «بمصرية» جزيرتي تيران وصنافير هو في الأصل شأن مصري خاص وخالص لكون طرفي الاستشكال القضائي مصريين (محامين مصريين بصفتهم مقابل الحكومة المصرية) على الرغم من تأثيره من حيث المضمون على اتفاقية مبرمة بين طرفين سياديين هما المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية.
لذلك تستلزمنا الحكمة تجاوز مضمون ذلك الحكم إلى العلاقة الاستراتيجية بين المملكة العربية السعودية ومصر تاريخا وجغرافيا وإنثروبولوجيا. فتسييس القراءات الآن يعد ابتسارا للواقع وتجاوزا على كل ما تقدم، فالاختصام كان قائما في الشكل والمضمون بين طرفين مصريين لا ثالث لهما في كل تدرجات تقاضي تلك القضية.
العلاقات السعودية المصرية تتجاوز السياسية منها بكل أبعادها الإنسانية والثقافية، والمملكة العربية السعودية تريد مصر قوية وعزيزة بأهلها في كل الأحوال والأزمان. لذلك سيبدو ساذجا من سيفترض تبعات لذلك الحكم يمس الأبعاد الاستراتيجية في تلك العلاقة. فحتى التباين السياسي في أكثر من ملف لم يمنع الدولتين الأكبر عربيا من ترحيل تلك التباينات من أجل المصلحة العربية. وحتى ما أشيع من قبل جهات إعلامية دولية عن وجود ضغوط سعودية لاسترجاع تينك الجزيرتين قد يعد اجتهادات قرائية أكثر منها حقائق سياسية. فبمراجعة جملة مشاريع التنمية الاستراتيجية لشبه جزيرة سيناء تتوضح مكانة الإنسان المصري في تلك الخطط. فاستقرار مصر الداخل سيكون هدفا أقرب للتحقيق في حال تحول سيناء لورش عمل وإنتاج بكل أشكاله من التصنيع إلى الزراعة بالإضافة لقطاعات الإسناد اللوجستي والخدمي.
مهما كان ما سيمثله ذلك الحكم على الداخل المصري من انقسامات إلا أننا يجب ألا نكون أحد أطرافه مع إدراكنا أن المتكسبين سياسيا سيقيمون مجالس ردح متواصلة من هنا وهناك. الجزيرتان هما في عهدة مصر ولنترك للحكمة قبل السياسة كفالة حلحلة هذا الملف، فالانزلاق في مهاترات فراغية لن يكون ذا تأثير لكن أصحاب المنافع والمتكسبين سيفرحهم ذلك. ويجب علينا أن نتذكر أن بني هلال الذين خرجوا من جزيرة العرب هم الآن جزء أصيل من كل عرب شمال أفريقيا وإرثهم.\
عبدالله الجنيد - مكة السعودية-