سادت حالة من الغضب الشعبي والنيابي في العراق، عقب موافقة حكومة «حيدر العبادي»، على التخلي عن المنفذ البحري «خور عبد الله» إلى الكويت.
وانتقد عدد من النواب بشدة تصويت مجلس الوزراء على منح القناة للكويت، معتبرين أنه «خيانة للعراق»، كما شددوا على أن القناة «عراقية»، وفقا لـ«القدس العربي».
وطالب عدد من أعضاء مجلس النواب بضرورة عرض قرار ترسيم الحدود مع الكويت للاستفتاء الشعبي للمصادقة عليه أو رفضه من قبل الشعب، مطالبين الكويت شعبا وحكومة «التحلي بالحكمة»، ورفض ما يعكر صفو العلاقة بين البلدين.
ودعا النائب «عبد الكريم العبطان» في مؤتمر صحفي مشترك مع عدد من النواب، «الحكومة العراقية إلى عدم تنفيذ القرار المجحف المطعون به قانونيا لما له من تداعيات خطرة على سيادة وأراضي العراق منها فقدان المنفذ البحري للعراق»، مطالباً «الشعب والحكومة الكويتيـة التحلي بالحكمة والعقل ورفض ما يعكر صفو العلاقة بين البلدين».
وذكر أن «الخلاف على الحدود بين دولتين لا يدخل ضمن المسائل المتعلقة بالحفاظ على الأمن والسلم الدوليين التي يختص بها مجلس الأمن»، داعياً إلى «عرض قرار ترسيم الحدود مع الكويت للاستفتاء الشعبي للمصادقة عليه أو رفضه».
وأضاف أن «مجلس الأمن قام بعمل خارج اختصاصه بإصدار قرار رقم 833 لسنة19933»، لافتا إلى أن «هذا القرار لم ينفذ خلال المدة التي تلت صدوره رغم ضعف العراق فكيف تجيز الحكومة الحالية لنفسها الموافقة على تنفيذه ؟»
أما النائبة «عالية نصيف»، فقد وصفت الاتفاقية بأنها «خيانة لمصالح الشعب العراقي»، مؤكدة أن «اللجنة الوزارية العراقية التي تفاوضت مع الكويت حول خور عبد الله تلقت رشاوى من الكويت عند إجراء المفاوضات».
وكشفت أن لجنة برلمانية استضافت وزير الخارجية السابق «هوشيار زيباري» الذي أكد استلام اعضاء الوفد المفاوض هدايا ثمينة من الكويت عند زيارتها للتفاوض حول الخور»، مبينة أن «أعضاء الوفد الآخرين، اضافة إلى زيباري، هم وزير النقل السابق قائد منظمة بدر هادي العامري ووزير المالية السابق رافع العيساوي ووزير النفط السابق كريم لعيبي، وآخرين».
وقالت إنها «جمعت تواقيع النواب من اجل اعادة مناقشة قرار مجلس الوزراء حول خور عبد الله بأقرب وقت لالغاءه لوجود مخالفات قانونية، إضافة إلى الاضرار التي سببها للعراق».
تظاهرات شعبية
وفي محافظة البصرة جنوب العراق التي يعود لها «خور عبدالله»، انطلقت تظاهرات شعبية واسعة ضد اتفاقية «خور عبد الله» مع الكويت والتي وصفتها بأنها «ستقضي على آخر معبر بحري للعراق».
وهدد المئات من مواطني البصرة وعدد من شيوخ العشائر ورجال الدين ومنظمات المجتمع المدني، في تظاهرة نظموها، أمام مقر مكتب المفوضية العليا للانتخابات باتخاذ عدد من الإجراءات السلمية في حال لم تتنازل الحكومة الاتحادية عن قرارها الخاص بقناة خور عبد الله، محذرين بأنهم سيتخذون اجراءات ضد الاتفاقية مثل تنظيم اعتصام مفتوح أمام ميناء ام قصر وقطع الطريق بالكامل أمام المركبات القادمة منه.
كما انتقد بعض خطباء صلاة الجمعة في البصرة، تصويت مجلس الوزراء على القرار، فيما اعتبروا ذلك القرار مجحفا بحق الشعب العراقي.
وشهدت مدينة الديوانية أيضا، وقفة احتجاجية في ساحة الراية وسط مركز المدينة نظمت من قبل ناشطين وشباب لمطالبة الحكومة المركزية بإلغاء قرارها الخاص بمنح «خور عبدالله» العراقي للكويت.
كذلك، دعا برلماني عن محافظة البصرة، جنوب العراق، أبناء المحافظة وحكومتها المحلية إلى الاعتصام والشروع بجمع التواقيع لإعلان البصرة «دولة مستقلة» في حال عدم تراجع الحكومة رسمياً عن قرارها بـمنح حدود العراق المائية إلى الكويت.
وقال النائب «عبد السلام المالكي»، إن «العراق وضمن اتفاقية خور عبد الله الموقعة مع الكويت سيتحول إلى دولة مغلقة بحريا بعدما ارتكب زعماؤه هفوتهم البحرية الكارثية الثانية، بالمصادقة على الاتفاقية الملاحية مع الكويت، فاعترفوا رسميا بالقرار (833)، الذي أطاح بسيادتنا الدولية على آخر ما تبقى لنا من الممرات الملاحية التي تربطنا ببحار الله الواسعة، واقتنعوا بإنزال العلم العراقي من فوق صواري السفن المتوجهة إلى أم قصر، حسب تعبيره».
وأوضح أن «التصديق على المعاهدة سيمنح الكويت حق التمدد باتجاه سواحلنا، ويصادر آخر مسطحاتنا البحرية، ويحرمنا من الصيد والملاحة، خصوصا بعدما اقتنع البرلمان العراقي بسيادة الكويت على خور عبد الله، واعتبرها متفضلة علينا بالسماح لنا في التحرك والإبحار في مياهنا الإقليمية التي صارت الآن ملكاً صرفاً للكويت، محذراً من خسارة العراق لمنصاته النفطية العائمة في خور الخفقة، وحقل العوامات الرحوية».
ووصف «الطريقة التي تم اخذ خور عبد الله بانها غدر وتخاذل ولا يمكن استعادته إلا بالقوة»، لافتاً إلى ان «أهل البصرة ليسوا جبناء أو متخاذلين ليتنازلوا عن حقوقهم ولن يخضعوا لإرادات غايتها إرضاء الولايات المتحدة الأمريكية ورجالاتها بالمنطقة».
وتابع «صمت الكتل السياسية ومجلس النواب عن هذه الكارثة هو خيانة عظمى للعراق»، وأضاف: «في حال عدم إيقاف هذه الجريمة فسنعمل بكل قوة على تفعيل قضية استقلال البصرة كدولة وليس فقط إقليم».
لجان غير مطلعة
بدوره، كشف وزير النقل العراقي السابق «عامر عبد الجبار» أن «لجان التفاوض مع الكويت غير مطلعة على الحقائق حول خور عبدالله، وأن الاتفاقية حققت للكويت أطماعا بالأراضي والمياه العراقية».
وأكد في لقاء متلفز أن «مسؤولية تنفيذ الاتفاقية تتحملها وزارة الخارجية ومجلس النواب السابق، وعلى الحكومة والبرلمان ان يصححوا الخطأ الجسيم الذي اوقعوا العراق فيه».
وأضاف «عند لقائي بالوزراء الذين وقعوا الاتفاقية، تأكد لي انهم لا خبرة لهم ولا علم لهم بتفاصيل الموضوع وان معلوماتهم مغلوطة»، مبينا ان «مجلس شورى الدولة أصدر قرارا اعتبر فيه ان لجان التفاوض العراقية مع الدول الاخرى غير كفوءة، ونصح بعدم عقد اتفاقيات دولية في الوقت الحاضر».
كما نوه إلى أن هذا القرار يوفر الغطاء لتأجيل تنفيذ الاتفاقية، مؤكدا أن «البرلمان استضافه مع خبراء آخرين وأبلغ النواب أن الاتفاقية فيها أخطاء قانونية واجحاف كبير وانتهاك لسيادة العراق، موضحا أنه «طلب لقاء رئيس الحكومة حيدر العبادي لتوضيح الحقائق».
وبين أن «هناك اجراءات يمكن ان يقوم بها البرلمان والحكومة لتصحيح الاوضاع دون اثارة أزمة مع الكويت، منها ابلاغ الجانب الكويتي بتأجيل القرار او الغائه بسبب ظروف العراق الحالية».
وشدد على ضرورة «إيقاف مشروع السكك بين الكويت والعراق وتحديد عبور الركاب دون البضائع في منفذ صفوان الحدودي بين البلدين، واجراءات اخرى يمكن ان تحمل البلدين على تعديل الاتفاقية بشكل رضائي».
وكان المتحدث الرسمي باسم الحكومة، أعلن أن «الكتل والنواب الذين كانوا في الدورة السابقة ويعترضون حاليا على تطبيق القانون، لم يعترضوا في الدورة السابقة ولم يطعنوا في القانون لدى المحكمة الاتحادية»، مشددا أن «الاتفاق يأتي ضمن اتفاق ترسيم الحدود بين الجانبين في أعقاب غزو النظام العراقي السابق للكويت في مطلع تسعينيات القرن الماضي».
وكانت اللجنة الوزارية العليا المشتركة العراقية -الكويتية في العاصمة بغداد قد عقدت اجتماعا نهاية الشهر الماضي حول ملف ترسيم الحدود البحرية بين البصرة والكويت.
قناة «خور عبدالله»
و«خور عبدالله» عبارة عن قناة بحرية عراقية تقع شمال الخليج العربي بين جزيرة الفاو العراقية وجزيرة بوبيان الكويتية، وتمتد إلى داخل الأراضي العراقية لتشكل خور الزبير، الذي يقع فيه ميناء أم قصر بمدينة البصرة؛ أحد أهم شرايين التصدير والاستيراد العراقية عبر البحار.
وبدأ الشدّ والجذب بين العراق والكويت حول الملاحة البحرية عام 2010، عندما بدأت الكويت بوضع حجر الأساس لإنشاء ميناء مبارك على الضفة الغربية من قناة «خور عبد الله»، فيما وضع العراق حجر الأساس حينها لبناء ميناء الفاو الكبير على الضفة العراقية من «خور عبد الله».
وأدرج البرلمان العراقي الخميس الماضي قضية قناة «خور عبد الله» ضمن جدول أعماله، بهدف مناقشة قرار مجلس الوزراء الذي تم التصويت عليه الثلاثاء الماضي حول منح قناة خور عبد الله للكويت، وكشفت مصادر برلمانية اليوم أن «مجلس الوزراء وافق على مناقشة قضية خور عبد الله ضمن جدول الأعمال»، وأكدت المصادر أن «تحركاً كبيراً يتبناه عدد كبير من البرلمانيين العراقيين يستعد للضغط على الحكومة العراقية من أجل التراجع عن قرارها حول اعتبار قناة خور عبد الله كويتية، وإعادة أحقيتها وملكيتها للعراق».
ولم يصدر عن الحكومة العراقية حتى الآن توضيحات مباشرة حول الموضوع، إلا أن المتحدث باسم مكتب العبادي سعد الحديثي أوضح في بيان مقتضب أن ترسيم الحدود لن يتضمن أي تغييرات في واقعها الحالي، ملمحا إلى أن حكومة نوري المالكي السابقة صادقت عام 2013 على قانون تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله بين الكويت والعراق، دون الإشارة إلى ما إذا منحت القناة للكويت أم لا.
إلا أن مصادر سياسية عراقية أكدت أن العبادي يتهرب من الإجابة على أسئلة وجهت له خلال الساعات الماضية حول منح العراق أهم قناة بحرية للكويت، وبينت تلك المصادر أنها لا تعلم حتى الآن ما إذا كان العبادي قد منح قناة «خور عبدالله» أم لا، وأن البرلمان سيتجه لإجبار الحكومة على الإفصاح عن تفاصيل خطة ترسيم الحدود الجديدة بين البلدين.
وكالات-