مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-
طالما بالغ المسؤولون في المملكة السعودية ودولة الإمارات العربية في إطلاق عبارات المديح وإسباغ الوصف الإيجابي للعلاقات المشتركة بينهما، ولكن الابتسامات المخصّصة للاستهلاك الإعلامي تخفي وراءها الكثير من الازدراء والشكوك وعدم الثقة، بحيث يبدو الطرفان كندّين يتصافحان بيد، وفي اليد الأخرى المختبئة وراء ظهريهما خنجر ينتظر أوان الانقضاض والطعن.
هل هذه الصورة تعكس الواقع أم في ذلك مبالغة لا مكان لها في وصف العلاقات بين الجارين اللدودين؟!
لا نريد الإيغال في التاريخ كثيراً للحديث عن الحروب التي خاضتها الإمارات ضد السعودية، سواء بشكل منفرد أم بمؤازرة دولة قطر، منذ أن كانت ممالك وإمارات الخليج عبارة عن قبائل متناحرة، فإن هذا التناحر استمر حتى بعد أن عمل الغرب ولا سيما بريطانيا، ابتداءً من العقدين الأولين من القرن العشرين، على لملمة هذه القبائل وتغليب بعضها على الآخر، وجعل الحكم في يد أسر حاكمة هنا وهناك، ولا تزال هذه النزاعات مستمرة حتى اليوم مع اختلاف أسبابها وتنوّع أشكالها.
ولا نريد الغوص كثيراً في تشخيص طموح كل من السعودية والإمارات للعب دور محوري في رسم المجريات الحاصلة في منطقة الخليج، ومدى ارتباطهما بالمصالح الغربية ولا سيما الأميركية منها، فإن السعودية تعتبر نفسها الأخ الخليجي الأكبر في المنطقة بما يسمح لها بإملاء ما يجب فعله على شقيقاتها الصغيرات، ومنها الامارات العربية، إلا أن هذه الأخيرة طالما سعت جاهدة للخروج من العباءة السعودية والتفلّت من عقال الرياض، فهي تعتبر أنها بلغت سن الرشد ولم تعد تحتاج إلى من يملي عليها أدوارها وأفعالها.
ولكن هل هذه هي المشكلة فقط؟! بالطبع لا فهناك الكثير من نقاط الخلاف والاختلاف بين "الشقيقتين"، تبدأ من الخلاف على ترسيم الحدود ورفض الامارات هيمنة السعودية على الحقول النفطية ولا سيما في حقل الشيبة الحدودي، وتحكّمها بتحديد حصص الإنتاج، وعرقلة السعودية أي مسعى لارتباط ثنائي بين أي طرفين خليجيين بالاستقلال عنها ولا سيما بين الامارات وقطر، مروراً بتباين النظرة إلى الملف السوري حيث انسجم الموقف الاماراتي مع الموقف المصري في تفضيل الحل السياسي، ورحّبت الامارات بالتدخل الروسي في الأزمة السورية ما وضعها على طرف نقيض حاد مع الرياض.
وجاءت أزمة اليمن لتطفو المشكلات السياسية والميدانية بين الطرفين على السطح، ويبدأ شق الإسفين يتسّع أكثر فأكثر، فلم تأتِ مشاركة الإمارات في الحرب السعودية على اليمن من باب تمتين التحالف العربي بقدر ما هدفت إلى الحصول على مكاسب سياسية واقتصادية، وامتيازات تتصل بموقعها في معادلة القرار العربي، وهي القوة الاقتصادية والعسكرية الثانية من حيث أهميتها في مجلس التعاون الخليجي، وهذا كله ما لم يرق السعودية التي بدأت تستشعر الخشية من ضعف سيطرتها على الأطراف الخليجية، وتعيش خوفاً فعلياً من تفلّت الكيانات الخليجية الصغيرة من قبضتها.
إن نتائج الحرب على اليمن حتى الآن، فضلاً عن أسلوب التعاطي السعودي المتعالي أدّت إلى خلط الأوراق وتعديل الحسابات الإماراتية، التي لم تأتِ متوافقة مع حسابات البيدر السعودي، ومن هنا يمكن فهم موقف الإمارات في إعلان سحب 80 بالمئة من إجمالي قواتها المشاركة في الحرب على اليمن اعتباراً من نيسان 2016، وكذلك إعلان وزير خارجيتها أنور قرقاش في حزيران 2016 انتهاء مهمة قوات بلاده في هذه الحرب، وتلميحه بتأييد دعم انفصال الجنوب اليمني. وعليه فإن عبارات المديح والابتسامات لا تعكس سوى حاجة تلزم الطرفين على التقارب هنا والتفاهم هناك، ولكن ما بينهما فعلياً ساحة تسرح فيها الخيول أو الجِمال، ويلعب فيها الغزال.