أثار توقيت قرار شركة أرامكو السعودية إعادة إرسال شحنات النفط إلى مصر، بعد توقف مفاجئ استمر أكثر من خمسة أشهر، تساؤلاتٍ عدة حول أسباب التوقف ابتداء، ثم وهذا هو الأهم أسباب هذا الاستئناف وتوقيته، وهل لذلك علاقة بوجود مؤشرات إيجابية على تحسن العلاقات المصرية السعودية، بعدما شابتها بعض الشوائب بسبب الملفين، السوري واليمني، والموقف المصري في مجلس الأمن المعارض للسعودية في بعض القضايا، حيث سبق أن صوتت القاهرة، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لصالح مشروعين متناقضين، أحدهما تؤيده السعودية والآخر تؤيده روسيا بشأن الحرب في حلب، ثم امتنعت عن التصويت على قرارٍ يمهد لإدانة مسؤولين في نظام بشار الأسد. كما سحبت مصر مشروعاً كانت تؤيده المجموعة العربية لإدانة التوسعات الاستيطانية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
تعدّدت التفسيرات بشأن القرار وتوقيته، فهناك من يربط بين هذا الإعلان السعودي وإعلان رئيس مجلس الشعب (البرلمان) المصري، علي عبد العال، عن وصول ملف جزيرتي تيران وصنافير إلى البرلمان، للتصديق على الاتفاقية التي وقعتها الحكومة مع الطرف السعودي في إبريل/ نيسان الماضي، على الرغم من صدور قرار من المحكمة الإدارية العليا أوائل العام الجاري ببطلان الاتفاق. لكن، يمكن القول إن هذا الربط لا يبدو منطقيا لعدة أسباب، منها أن قرار السيسي إحالة الاتفاقية إلى البرلمان تم في يناير/ كانون الثاني الماضي، بعد صدور حكم المحكمة مباشرة، كما أن رئيس المجلس، على الرغم من إعلانه الأخير، أفاد بأن ثمة أوراقا ناقصة قد تؤجل المناقشة والتصديق، وهو ما فسره بعضهم بأن القاهرة تريد الإبقاء على هذا الملف، معلقا إلى حين تسوية باقي القضايا الخلافية الأخرى مع الرياض، ناهيك عن الخشية من أن تؤدي مناقشة البرلمان هذه القضية، في مثل هذا التوقيت، إلى حدوث حالة من الانفجار الشعبي ضد السيسي، لاسيما في ظل نظر المحكمة الدستورية للقضية من ناحية، وعدم رغبة السيسي في إحداث مزيد من المشكلات الداخلية، في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد حاليا.
وهناك وجهة نظر ثانية، تربط بين هذه الموافقة السعودية، ووساطة قام بها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب بين الجانبين، لاسيما بعد ما تردّد عن قيام القاهرة بإبلاغه بالحاجة لاستئناف النفط، من أجل تخفيف الاحتقان الداخلي بعض الشيء، لاسيما بعد رفع الحكومة أسعار المحروقات، بعد توقف "أرامكو" عن عملية الضخ. ويدلل هؤلاء على وجهة نظرهم بعدة مؤشراتٍ، أولها اللقاء، أخيرا، بين ترامب وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بل والحديث عن ترتيبات أميركية لعقد لقاء يضم مصر والسعودية والسلطة الفلسطينية، لتسوية القضية الفلسطينية، وهو ما كشفت عنه صحيفة نيويورك تايمز الأميركية قبل أيام أن ترامب سيطلب من البلدين التوصل إلى حلول تنهي الصراع "الفلسطيني- الإسرائيلي".لا سيما بعد تحذيراتٍ وتوصياتٍ عربية له بأن هذا التعاون مرهونٌ بتجنب إدارته القيام بتحرّكات استفزازية لدعم إسرائيل، كنقل سفارته من تل أبيب إلى القدس. وربما يأتي، في هذا السياق، أيضا ما كشفت عنه صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن لقاء في العقبة جمع بين السيسي والعاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، العام الماضي، وما تردّد من طرح السيسي والعاهل الأردني خلاله مبادرة تجاه باسرائيل في مقابل استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، ما يفيد بأن ترتيبات تجري لعملية تطبيع عربية مع إسرائيل، وأن السعودية تعتبر العقبة في ذلك، في حين أن مصر القادرة على ترويج ما سماه السيسي السلام الدافئ مع إسرائيل، والذي لا بد أن يكون أكثر اتساعا من وضع التطبيع الراهن.
ثالث وجهات النظر هي المرتبطة أيضا بالعامل الخارجي، مع عدم الاقتصار، في هذه الحالة، على الدور الأميركي فحسب، حيث تميل إلى وجود وساطات خارجية، للتقريب بين البلدين الكبيرين، قبل القمة العربية المقرّر عقدها في الأردن اليوم، إذ إن استمرار هذا التباين قد يضعف القمة قبل بدايتها، وربما ما حدث في القمة العربية الأفريقية في غينيا، في نوفمبر/ تشرين الثاني، خير دليل على ذلك.
وعلى الرغم من أن وجهات النظر الثلاث السابقة تحمل قدراً من الوجاهة، وتركز على أحد الأبعاد في عملية التفسير، إلا أن ما يراد التركيز عليه أمران: الأول أن ما يجمع الرياض والقاهرة أكبر بكثير مما يفرقهما، خصوصاً في ظل وجود العدو المشترك (الإخوان المسلمين)، ونظرة كلا الجانبين "السلبية" لملف الديمقراطية بصفة عامة، ما يعني أن العلاقة الاستراتيجية قد يصعب التفريط بها بسهولة. هذا الإطار الأوسع يقودنا إلى الملاحظة الثانية، وهي أن كلا الطرفين يملك من الأدوات ما يستطيع به الضغط على، أو مساومة الطرف الآخر، وفق منطق العصا والجزرة، فالسعودية تلعب بورقة "أرامكو"، والوديعة الدولارية التي منحتها للقاهرة، فضلا عن جسر الملك سلمان، في حين يلعب السيسي بورقة التصديق على اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير، وعضوية بلاده في مجلس الأمن وغيرها. إذن، هي مناوشاتٌ قد لا تؤثر على الإطار العام للعلاقة، لاسيما إذا كانت هناك أطراف خارجية تدفع في هذا الاتجاه لتحقيق مصالحها الآنية أو حتى المستقبلية.
بدر شافعي- العربي الجديد-