«تيران وصنافير» جزيرتان مصريتان باعهما النظام المصري للسعودية وقبض الثمن، ولابد من التأكيد على أن «عاصفة الحزم» حرب لا داعي لها، وستنتهي دون أن تحقق أهدافها، ورغم عدم تأييدنا للنظام الإيراني إلا أن من الإنصاف القول بأنه سينجح في تحويل هلاله الفارسي لبدر البدور، كيف لا والعرب ممزقون مشتتون يتآمرون على بعضهم بعضا، الإمارات تسير عكس السعودية على طول الخط، وسلطنة عمان تبارك الحوثي وترحب بطهران، ومصر تقف علناً مع إسرائيل وتغازل طهران، والكويت تشرع أبوابها لعبور الصليبيين والمجوس لأرض الإسلام، وبعد كل هذه الخطايا العِظام يجتمع الزعماء مع «ترامب» للتوقيع النهائي على «صفقة القرن» التي تنص على ضرورة ترحيل إخوتنا في فلسطين لأرض سيناء المصرية كي يخلوا وجه القدس لليهود.
ما فات ليس حقائق ومعلومات، إنما هو بكل ما في الكلمة من معنى مجرد خزعبلات، وأكاذيب وافتراءات تتخذ هيئة المعلومة الموثقة والحقيقة الدامغة بكثرة الإلحاح، الإلحاح على الكذب والتضليل والخداع، ما فات هو عملية مرور سريعة على أبرز العناوين التي يدندن عليها إعلام الإخوان، دندنة تسخر لها طاقات وخبرات وإمكانيات هائلة، دندنة يتم تدعيمها بمئات الصور والمقاطع والمقالات واللقاءات الممنتجة، وقبل كل هذا وبعده وأثناء العزف الإخواني يتم حشر الآيات والأحاديث وأقاويل السلف مع الإكثار من التكبير والقسم، هذه هي كل المقادير اللازمة لتحويل الأكاذيب السافرة إلى حقائق دامغة، لتحويل الافتراءات المهلهلة إلى معلومات مؤكدة، هذه هي الخلطة السحرية لجذب تعاطف العامة وإثارة سخط البسطاء،
وهكذا يُغذي إعلام الإخوان عقول الناس، هكذا تتحول المجتمعات إلى وقود قابل للانفجار أمام أي اضطرابات محتملة.
إن المتتبع للدندنة الإخوانية، سيجد في نفسه أثراً لا يختلف أبداً عن الأثر الذي تخلفه الوسوسة الشيطانية، إحباطٌ وهمٌ وغم، انعدامُ أمل وقلق وحيرة وارتباك، ومشهد سوداوي بالكامل يحطم نفسية المتابع، يتركه متخبطاً حائراً كافراً بالخلاص، فلا خلاص يتم عرضه ولا أمل على مد البصر، وكل النهايات مسدودة، وكل الحلول فاشلة، والضوء في آخر النفق مجرد سراب، وهكذا إلى أن تغلق في وجه المتابع كل الأبواب، إلى أن ييأس ويقنط حتى من رحمة الله.
فبالله، أهذه عناوين إعلامية أم وساوس شيطانية؟! وما غاية الشيطان إلا أن يقنط الإنسان، أن يكفر بالأمل ويؤمن باليأس، أن يقتنع بالفشل قبل السعي، ويرى انسداد النهايات قبل طرق الأبواب، ما غاية الشيطان إلا أن يسمم عقل الإنسان عن طريق آلة إعلامية تتميز بالاحترافية العالية، يعمل فيها إعلاميون محنكون يتمتعون بالثقافة العالية وسرعة البديهة، لا يضحكون ولا يمزحون إلا لضرورة، فالتضليل لا يجب أن يخالطه المزح والهزل كونه عقيدة، والعقيدة تتطلب الإخلاص التام!.
ومن باب التوضيح، لنتأمل في كيفية تعامل الإعلام الإخواني مع زيارة «ترمب» للرياض، وليس الحديث هنا عن النقد المشروع، إنما عن التضليل المتعمد للرأي العام، قالوا: إن سبب الزيارة هو إتمام «صفقة القرن» التي تنص على ضرورة جعل سيناء المصرية وطناً بديلاً لأهل غزة حتى ترتاح إسرائيل من هذا الصداع، وحين لم يتحقق ما أقسموا أيماناً مغلظة على تحققه، قالوا فوراً: وهل جاء «ترمب» لنصرة الإسلام والمسلمين؟!، إنما جاء ليقبض مئات المليارات مقابل الحماية، وحين فضح الله أكاذيبهم واتضح أن العملية استثمارية، قالوا بمبدأ التدرج: وما الفائدة من هدر أموال المسلمين على رئيس يواجه مشاكل قانونية في بلاده، ستكون سبباً للإطاحة به، وحين أدركوا أن البلد الذي يتحدثون عنه ليس «صنعاء» قالوا، والقول هذه المرة ليس كذباً، إنما هو تشويش استراتيجي لحين إيجاد الكذبة المناسبة، قالوا: إن الأمة التي ينشغل أبناؤها بـ«إيفانكا» هي أمة فارغة، وهذا القول هو بالمعنى الحرفي شتيمة في شعب كل ذنبه أنه لم ينصت لهم، وأنه لم يفقد ثقته بقيادته إكراماً لهم. فما الحكاية؟
لماذا تتخذ هذه الجماعة من الإشاعات والخداع والتضليل عقيدةً راسخة؟
لماذا تختلق الأحداث وتزيف الحقائق وتكذب ثم حين يفضح الله أكاذيبها تبدأ في حياكة ألف كذبة تداري عوراتها؟ لا جواب إلا أن هذه الجماعة بهذه النفسيات المتأزمة في حقيقة الأمر لا تكره السلام والرخاء، بل تريد أن يعم السلام ويزدهر واقع المسلمين اقتصادياً وسياسياً وعلمياً، إنها جماعة تريد لهذه الأمة أن تكون خير أمةٍ أخرجت للناس (لكن) بشروطها هي، وفق نموذجها الخاص، وبحسب معاييرها المحددة، فإن خرجت أي دعوة سلام أو بادرت أي دولة لتقديم مشروع للنهوض بالأمة بعيداً عن معايير الإخوان فوراً سيتم الحكم على هذه الدولة بأنها مارقة، والدولة المارقة لابد أن يتم جرها إلى الخراب والدمار، لابد أن يتم شتمها وشتم أهلها والتشكيك في نوايا قادتها، لابد من زعزعة الثقة بين أفرادها وإدخالهم في دوامة القلق، لابد من اتباع خُطى الشيطان خطوةً بخطوة إلى أن تعود الدولة المارقة إلى حضن الإخوان أو تُعلن فشلها، وحينها، حينها فقط، سيتقدم الإخوان ليعيدوا طرح نموذجهم بصفته النموذج الوحيد الصالح للنهوض بالأمة! هذه هي لعبة الإخوان، وإن شئت فقل تضليل شيطان.
ختاماً: رمضان فرصة عظيمة للإقلاع عن الذنوب، وأن يُقلع الإنسان عن ذنب التعاطف مع تنظيم الإخوان أخيراً، خيرٌ له من ألا يُقلع عن هذا الذنب أبداً.
أمين طلال - الوطن السعودية-