كشفت وثيقة إماراتية، النقاب حول سياسات أبوظبي لفرض أجندتها على الساحة التونسية، بما يضمن سير الأوضاع السياسية والاقتصادية لصالحها وضد الثورة التونسية التي أطاحت بالرئيس التونسي «زين العابدين بن علي»، في 14 يناير/كانون ثان 2011.
وتضمنت الوثيقة ورقة سياسات خاصة بتونس بعنوان: «الاستراتيجية الإماراتية المقترحة تجاه تونس»، ترسم خطوط السياسة الإماراتية للتدخل بشتى الطرق في تونس، والوقوف ضد حركة «النهضة» الإسلامية ذات التوجه الإخواني.
ويقف وراء رسم ملامح تلك السياسة، «مركز الإمارات للسياسات» ومقره أبوظبي، وهو مركز استخباراتي تم تأسيسه في سبتمبر/آيلول 2013 أي بعد شهرين من الانقلاب العسكري في مصر، ويضم «وحدة الدراسات المغاربية»، وهي معنية بالشأن التونسي.
ويشرف على المركز قائد شرطة دبي السابق «ضاحي خلفان» المعروف بعدائه الشديد لثورات الربيع العربي، والحركات الإسلامية في المنطقة، وأحد أبرز الداعمين للانقلاب العسكري في مصر منتصف العام 2013.
ويقدم المركز، توصيات لصناع القرار الإماراتيين، تم بلورتها في وثيقة نشرتها «وحدة الدراسات المغاربية» بتاريخ 1 يونيو/ حزيران الجاري، وفق ما أورده موقع «الصدى».
تفاصيل الوثيقة
وتكمن خطورة هذه الوثيقة في أنها توضح بشكل صريح الدور الإماراتي الخفي في تونس، حيث تضع الإمارات نفسها منافسة لكلّ من الجزائر وقطر في تونس، وتقترح التدخل بشكل سافر في السياسة الداخلية التونسية، وذلك بدعم شخصيات سياسية بالدعم، والوقوف ضد تجربة التوافق بين الأحزاب التونسية والإسلاميين.
وووفق تقييم الوحدة الاستراتيجي، فإن تونس تعاني «استمرار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى ضعف الحكومة الائتلافية، وغياب زعامة سياسية قادرة على إنقاذ الوضع، وضعف وانقسام الجبهة المناوئة لحركة النهضة ذات التوجه الإسلامي».
الملفت، ما أبرزته الوثيقة، من رصد أداء رئيس حكومة الوحدة التونسية «يوسف الشاهد»، مؤكدة أن حرب الفساد المعلنة من قبل «الشاهد»، كان غايتها وأد وامتصاص الهبة الشعبية في الجنوب المطالبة بوقف نهب الثروات الطبيعية، وكان أبرز شعاراتها «وقف نهب ثروات التونسيين».
و«يوسف الشاهد» هو أصغر رئيس حكومة في تاريخ تونس (41 عاما) وهو قيادي شاب في حركة نداء تونس شغل وزير الشؤون المحلية في حكومة «الحبيب الصيد»، وهو حاصل على شهادات عليا في العلوم الفلاحيّة واقتصاد البيئة والموارد الطبيعية.
وتتكون حكومة الوحدة التونسية من 26 وزيرا و14 كاتب دولة (موظف حكومي برتبة وزير)، وتضم تركيبة الحكومة التي نالت ثقة البرلمان التونسي العام الماضي، وزراء من أحزاب «نداء تونس» (67 نائبا) وحركة النهضة (69 نائبا)، و«آفاق تونس» ( 10 نواب) و«الحزب الجمهوري» (نائب واحد) وحزب «المبادرة» (3 نواب) وحركة الشعب (3 نواب) وحزب «المسار الديمقراطي الاجتماعي» (غير ممثل في البرلمان) إضافة إلى مستقلين، وتحظى بدعم 3 منظمات كبرى، الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري.
وتشير الوثيقة، إلى أن «الشاهد» قام بمسرحية حملة الاعتقالات الأخيرة بهدف واحد وهو القضاء على ثورة أهالي الجنوب وخاصة «تطاوين»، والتي كان شعارها إسترجاع النفط التونسي المنهوب.
وترفض الاستراتيجية الإماراتية، تمدد نفوذ حركة «النهضة»، وقالت إنها تتمتع بحق الفيتو على كل أعضاء الحكومة، وتحتفظ بمراكز حيوية في الإدارة الحكومية، منتقدة ما أسمته «تحالف الشيخين»، في إشارة إلى «راشد الغنوشي»، و«الباجي السبسي».
وتوصي الوثيقة المسربة، حكام الإمارات، بـ«إعادة بناء الإسلام التقليدي الغير مؤدلج»، في إشارة إلى ضرورة فصل الدين عن الدولة.
لكن الأخطر، ما دعت إليه الوثيقة بشأن «التنسيق مع المراكز والمؤسسات الثقافية والبحثية التي تتصدر المواجهة مع حركة النهضة»، ودعم حزب «مشروع تونس» وجبهة الإنقاذ التونسية، ودعم الحزب الدستوري الحر برئاسة «عبير موسى».
وتحاول الإمارات، تعزيز نفوذ من وصفتهم الوثيقة بـ«الأوفياء لنظام بن علي»، من خلال دعمهم سياسيا وماليا، وتكوين ما يعرف في تلك الاستراتيجيات بـ«الأذرع» السياسية والإعلامية والاقتصادية.
وشددت الوثيقة على ضرورة كسر التحالف الدستوري- النهضوي، من خلال دعم «محسن مرزوق»، الذي أسس حزب حركة مشروع تونس.
أذرع إماراتية
وحثت الوثيقة، أبوظبي، على الانفتاح على شخصيات دستورية من أمثال: (رشيد صفر، ومصطفى الفيلالي، ومنصور معلى، وكمال مرجان)، بالإضافة إلى تبني «نجيب الشابي» ليشكل زعامة مستقبلية لها وزنها في تونس، وفتح قنوات مع الاتحاد العام التونسي للشغل، ودعم الطموح السياسي لأمينه العام «نور الدين الطبوبي».
وتستعد أبوظبي لرسم ملامح المنصب الرئاسي، في مرحلة ما بعد الرئيس التونسي الحالي، «الباجي قائد السبسي»، حيث دعت الوثيقة المسربة إلى فتح قنوات اتصال مع رئيسة الاتحاد العام للصناعة والتجارة «وداد بوشماوي»، مع طرح إمكانية دعمها في الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة.
ونصحت «وحدة الدراسات المغاربية»، في وثيقتها المسربة، بكبح النفوذ القطري في تونس، و«دعم رجال الأعمال النافذين بتأسيس شراكات اقتصادية ومالية لمواجهة الوجود الاقتصادي القطري في تونس».
إعلاميا، دعت الوثيقة إلى ضرورة دعم جريدة «المغرب»، وقناة «الحوار» التونسي (مؤسسات إعلامية خاصة)، والتدخل في إذاعة «شمس فم» (إذاعة عمومية)، ودعم مؤسسة «مؤمنون بلا حدود» في تونس، وهي منابر النخب الليبرالية المناوئة للإسلاميين هناك.
وطالبت الوثيقة، بالتنسيق مع مؤسسة بيت الحكمة وبالذات مع رئيسها «عبد المجيد الشرفي»، باعتبار مواجهته للإسلام السياسي، وبالأخص حركة النهضة التي تحتل موقعا رفيعا في البرلمان التونسي، وفي مؤسسات الحكم بعد ثورة 2011.
وكان حزب حركة النهضة تولى قيادة البلاد عقب فوزه بانتخابات المجلس الوطني التأسيسي عام 2012 قبل أن تتنحى عن الحكم بسبب ضغوط شعبية عقب مقتل معارضين يساريين.
ويضطلع «مركز الإمارات للسياسات» ومقره أبوظبي، بمهمّة استشراف مستقبل المنطقة، واتجاهات السياسات الإقليمية والدولية، وتأثير المشاريع الجيوسياسية المختلفة فيها، كما يهدف إلى تقديم تحليلات استراتيجية وأوراق سياسات ودراسات تخدم صنّاع القرار في دول منطقة الخليج، مع إعطاء الأولوية لدولة الإمارات العربية المتحدة، بما يساعد على تحقيق فهم دقيق وواقعي لمصالح أبوظبي.
ويتألف المركز من وحدات بحثية عدة تتأسس على المناطق الجغرافية (مثل وحدة الدراسات الخليجية، ووحدة الدراسات المصرية، ووحدة الدراسات الإيرانية، ووحدة الدراسات التركية)، وعلى الموضوعات والقضايا (مثل وحدة دراسات الطاقة، ووحدة دراسات الإرهاب). لمشاهدة الوثيقة كاملة اضغط
وكالات-