نيل كيتشلي - واشنطن بوست- ترجمة وتحرير فتحي التريكي -
قبل أربع سنوات ظهر الجنرال، (الرئيس الحالي) عبد الفتاح السيسي، على التلفزيون المصري ليعلن تعليق الدستور الذي تم إقراره مؤخرا وعزل أول رئيس منتخب ديمقراطيا في البلاد، «محمد مرسي»، من منصبه. قبل أيام من ذلك، وتحديدا في 30 يونيو/حزيران 2013، دعت احتجاجات واسعة النطاق في الشارع إلى انتخابات رئاسية مبكرة. وأكد «السيسي» أن قراره بالتدخل جاء بعد أشهر من المحاولات الفاشلة لتحقيق المصالحة الوطنية وتحقيق الاستقرار في البلاد. ووعد الجيش أن ينأى بنفسه عن سياسات حقبة «مرسي».
في كتاب جديد عن ثورة يناير/كانون الثاني 2011 وما أعقبها، أورد بالتفصيل كيف قام جنرالات مصر وجهاز الأمن بتحريض احتجاجات 30 يونيو / حزيران في محاولة لإنهاء الحكم المدني وشرعنة الحكم العسكري. ربما يبدو هذا غير مألوف في البداية مع اعتقادنا أن قدرات التعبئة على مستوى الشارع تظل حكرا على التقدميين والثوريين. ومع ذلك، كما تشير مجموعة متزايدة من البحوث التجريبية، يمكن للجهات الفاعلة القوية داخل الدولة أيضا تسهيل وتنظيم الاحتجاج الجماعي لتحقيق أهدافهم الخاصة.
تصنيع التمرد
في البداية تم تصويرها على أنها حركة شعبية، تدعى تمرد. حملة توقيعات تدعو للإطاحة بـ«مرسي» في 30 يونيو/حزيران. ولم يصبح دور الجيش ووزارة الداخلية في دعم الحركة واضحا إلا في وقت لاحق. تسجل التسجيلات الصوتية المسربة أن قيادة تمرد كانت تستفيد من حساب مصرفي يديره الجنرالات المصريون وتموله الإمارات العربية المتحدة. وتبرز المقابلات مع مسؤولين في وزارة الداخلية وأعضاء تمرد السابقين كيف أثار جهاز الأمن احتجاجات الشوارع ضد حكومة «مرسي». هذه التصريحات سرعان ما أفقدت تمرد مصداقيتها بعد الانقلاب. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2013، هاجم نشطاء علمانيون أحد مؤسسي الحركة ووصفوه أنه «قواد لأجهزة المخابرات».
ما لم يأخذ حقه من التوثيق الجيد في تلك الفترة هو موجة العنف ضد الإخوان المسلمين التي زعزت استقرار رئاسة «مرسي» في الفترة التي سبقت الانقلاب العسكري. وتوضح الخريطة الحرارية المرفقة الهجمات على مكاتب الإخوان المسلمين ومقرات حزب العدالة والتنمية في الفترة بين 18 يونيو/حزيران و3 يوليو/تموز 2013. وكانت الهجمات مركزة بشكل خاص في محافظات دلتا النيل، المناطق التي كافح فيها المحافظون المعينون من «مرسي» لتأكيد سلطتهم السياسية بعد انتخابه. وقد تصاعدت حدة أحداث العنف العامة هذه - أكثر من 40 حلقة - في الأسبوع الذي سبق احتجاجات 30 يونيو/حزيران وتزامنت مع التصريحات العلنية التي أدلى بها ضباط الشرطة ومسؤولو وزارة الداخلية بأن قوات الأمن في البلاد لن تتدخل وتحمي المباني.
ويمثل هذا التقاعس المتعمد من قبل قوات الأمن سمة شائعة على نحو متزايد لحملات زعزعة الاستقرار الرامية إلى تقويض الحكم الديمقراطي. في عام 2008، ساندت الشرطة والجيش في تايلاند حركة القمصان الصفراء الموالية للجيش والتي احتلت مطاري بانكوك التجاريين لمدة أكثر من أسبوعين في محاولة لإسقاط حكومة «سومشاي ونغساوات».
في عام 2014، دعم الجنود الباكستانيون حركة احتجاج ذات علاقات وثيقة مع جهاز الأمن في البلاد احتلت البرلمان وتلفزيون البلاد في مواجهة رئيس الوزراء المنتخب حديثا «نواز شريف».
وفي مصر، سمح للمظاهرات المناهضة لـ«مرسي» باحتلال وزارة الثقافة لمدة شهر تقريبا بعد اعتراضهم على اختياره لوزير الثقافة. ولم يتجاهل المحتجون فشل الشرطة في التدخل حيث أكدوا فيما بعد أن الدولة: «كانت تؤيد الاعتصام لأنها كانت تريد التخلص من جماعة الإخوان».
كم عدد الحشود في الواقع؟
عندما توجهت حشود كبيرة إلى الشوارع في 30 يونيو / حزيران، داعية «مرسي» إلى ترك منصبه، سارعت الشخصيات المرتبطة بالجيش ووزارة الداخلية إلى الإعلان عن أن ما بين 14 و 30 مليون مصري قد احتشدوا ضد الرئيس الذي تسبب في استقطاب البلاد. وفي أحد الأمثلة التي لا تنسى، ظهر الجنرال السابق «سامح سيف اليزل» على قناة سي إن إن ليلة الانقلاب وأصر على أن 33 مليون متظاهر نزلوا إلى الشوارع. وتولى «سيف اليزل» لاحقا رئاسة قائمة انتخابية مؤيدة للسيسي تضم قادة حركة تمرد، والتي أفادت التقارير أنها نظمت بواسطة أجهزة المخابرات المصرية.
هذه الأرقام، التي تمثل ما بين 25 و 50 في المئة من مجموع السكان البالغين في مصر هي ببساطة غير قابلة للتصديق. وللمقارنة، تشير البيانات المجمعة أن مسيرات يوم المرأة الأخيرة في الولايات المتحدة، التي من المحتمل أن تكون أكبر احتجاجات جماهيرية ليوم واحد في تاريخ البلاد، جذبت حوالي 4 ملايين مشارك في جميع أنحاء البلاد. ويبلغ عدد سكان الولايات المتحدة حوالي أربعة أضعاف سكان مصر.
ويقدر «كلارك ماكفيل»، وهو عالم بارز في ديناميكيات الحشد، أن نحو 200 ألف متظاهر انضموا إلى أكبر حشد احتجاجي وقع في 30 يونيو/حزيران في ميدان التحرير وما حوله. واتجهت أعداد مماثلة إلى الشوارع حول القصر الرئاسي. في بحثي الخاص، تم رصد أكثر من 140 احتجاجا ضد «مرسي» في 30 يونيو/ حزيران أوردتها وسائل الإعلام المصرية. وتشير التقديرات أن إجمالي هذه الحشود كان يتجاوز بقليل مليون متظاهر في جميع أنحاء البلاد. وهذا يمثل احتجاجا هائلا، لكنه لا يزال جزءا صغيرا فقط من العدد الإجمالي للأصوات التي حصل عليها مرسي.
دلالات أماكن التظاهرات
كما تسمح لنا بيانات الأحداث بدراسة المناطق التي شهدت حشدا أكبر، من خلال النظر في المشاركة الاحتجاجية كنسبة مئوية من السكان في المحافظات المختلفة بين 30 يونيو/حزيران و3 يوليو/تموز. كان من الواضح أن القاهرة هي التي شهدت القدر الأكبر من الاحتجاجات، لكن من المثير للاهتمام أن الحشد كان أكبر بكثير في المحافظات التي صوتت بأعداد أكبر لمعارضي «مرسي» في الجولة الأولى من انتخابات 2012، وهذا أمر ذو دلالة إحصائية. كان هناك احتجاج أقل في المناطق التي صوتت في البداية لـ«مرسي»، وهذا يمثل دليلا متواضعا ضد الادعاء بأن القاعدة الانتخابية للإخوان تحولت في وقت لاحق ضده.
وبطبيعة الحال، فإن تضخيم الجيش لحشود 30 يونيو/ حزيران لا يقلل من وجود معارضة شعبية لإدارة مرسي. ولكن كما قلت في مكان آخر، فإن تقدير دور جنرالات مصر والوحدات الأمنية في تهيئة الظروف لإبعاد مرسي يثير شكوكا حول الصورة الشائعة لأحداث يونيو/حزيران على أنها هبة سلمية تلقائية قام بها المصريون للعودة إلى الحكم العسكري.