وكالات-
صعوبات متزايدة، تواجها العمالة الأجنبية في دول الخليج، تارة بسبب الحكومات الخليجية نفسها التي تسعى إلى التوطين، وأخرى نتيجة تراجع أسعار النفط المورد الرئيسي لتلك البلدان.
ونقلت الأناضول، عن محللين وخبراء اقتصاد، قولهم إن آلاف الوافدين عادوا إلى بلدانهم بسبب الظروف المعيشية التي واجهوها خلال الأشهر الأخيرة في دول الخليج.
وتسارعت وتيرة عودة آلاف المقيمين من السودان والأردن واليمن – على سبيل المثال – من السعودية، مع بدء فرض الرياض لسلسلة من الضرائب والرسوم إضافة إلى انتهاء المهلة الممنوحة للمخالفين لتصحيح أوضاعهم في سجلات الإقامة.
وتتصدر دول الخليج العالم، من حيث نسبة وجود العمالة الأجنبية على أرضها.
وتحتضن دول الخليج الستة، أعداداً كبيرة من العمالة الوافدة، لا سيما القادمة من القارة الآسيوية، إذ يعيش 17 مليون أجنبي ويرتفع العدد إلى 23 مليوناً أو أكثر بعد إضافة عائلاتهم، أي قرابة نصف سكان الخليج وعددهم 48.8 مليوناً، بحسب أرقام رسمية.
وبحسب إحصاءات البنوك الدولي، فإن العمالة الأجنبية في قطر إلى إجمالي السكان (الأكبر في العالم) تقدر بنحو 91%، تلتها الإمارات بنسبة 89%، والكويت 72.1%، والبحرين 54%.
أوقفت الكويت، تعيين الوافدين في الوزارات والمؤسسات والجهات الحكومية، وذلك بعد شهور من اتخاذ الحكومة عدة إجراءات تثقل الأعباء على الوافدين من بينها رفع إيجارات السكن، ورفع أسعار المياه والكهرباء.
الخليج اختلف
وروى «محمود عبدالرزاق» (طبيب بيطري مصري عمل لسنوات في السعودية)، أن الخليج لم يعد كما كان للوافدين، فما بين خطط للتوطين ورسوم جديدة وضرائب مرتقبة ناهيك عن ارتفاع تكلفة المعيشة.
وأضاف، أن الرسوم الجديدة والضرائب التي فرضتها الحكومة كانت السبب الرئيسي لعودته، لا سيما وأنه أسرته مكونة من 5 أفراد.
رسوم الوافدين
وأرجع «فخري الفقي»، المستشار السابق في صندوق النقد الدولي، الأسباب الرئيسة لعودة العمالة من دول الخليج، إلى فرض رسوم على الوافدين وتقنين أوضاعهم، ورفع الدعم عن الوقود وفرض سلسلة من الضرائب أبرزها ضريبتي القيمة المضافة والانتقائية.
وقال «الفقي» الذي يعمل أستاذاً للاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الصراعات الدائرة في المنطقة العربية كبدت موازنات الدول الخليجية مبالغ طائلة، وساهم في تفاقم عجز الموازنة ما دفعها لإقرار برامج إصلاح اقتصادي لتعزيز الإيرادات والنمو غير النفطي.
وتابع: «اقتصادات هذه الدول ما تزال محملة بأعباء كبيرة، ونعتقد أن إقرار نظم ضريبية ورفع أسعار المحروقات، هي أبرز الحلول التي وضعها صندوق النقد الدولي لخفض آثر تلك الأعباء».
ولفت «الفقي»، إلى أن تباطؤ معدلات النمو سيدفع لمزيد من الإجراءات، وأن البرامج تتضمن عملية إحلال للعمالة الأجنبية بآخري محلية للسيطرة على ارتفاع معدلات التضخم.
وذكر المستشار السابق في صندوق النقد الدولي، أن العمالة الوافدة سواء من مصر أو الأردن أو السودان واليمن، ستكون مخيرة بين الواقع المعيشي الصعب في بلادهم وبين ارتفاع رسوم الإقامة.
ورسمياً، أعلنت السعودية عن البدء بتطبيق فرض رسوم على العمالة الأجنبية، ومرافقيها اعتبارا من يوليو/تموز الجاري، بواقع 100 ريال سعودي (26.6 دولار) عن كل مرافق.
ويرتفع الرسم الشهري عن كل مرافق، إلى 200 ريال (53.3 دولار) العام المقبل، و300 ريال (80 دولار) في العام اللاحق له، و400 ريال (106.6 دولار) بحلول 2020.
انعكاس مباشر
بينما قال «جمال عجيز» الخبير الاقتصادي (مصري مقيم في الإمارات)، إن الصعوبات المتزايدة التي تواجه العمالة الأجنبية في الخليج، جاءت كانعكاس مباشر للتحديات التي تواجه بلدان تلك المنطقة، التي ما تزال تعاني من تداعيات تراجع عائدات النفط.
وتعاني أسواق النفط الخام منذ ثلاث سنوات حول العالم، من تخمة المعروض ومحدودية الطلب ما أدي إلى هبوط حاد في الأسعار، نزولاً من 120 دولاراً للبرميل منتصف 2014 إلى حدود 51 دولاراً في الوقت الحالي.
وتوقع «عجيز»، خفض تلك الرسوم مع تحسن أداء الموازنات الخليجية مع عودة أسعار النفط للصعود، وهدوء الصراعات الإقليمية.
التوطين
من جهته، يري الخبير الاقتصادي «محمد العون»، أن تأثر العمالة الأجنبية بالخليج يعتبر أمراً طبيعياً في ظل التطورات والتغيرات المتلاحقة في سوق العمل الخليجي، سواء بفرض رسوم على الوافدين، أو خطط إعادة توطين العمالة كحل للقضاء على البطالة.
وبحسب دراسة حول البطالة في الدول العربية، صدرت عن صندوق النقد العربي في العام الماضي، تصل معدلات البطالة (كنسبة من إجمالي القوي العاملة) في عُمان والبحرين والسعودية عند 7.9%، 7.4% و5.7% على التوالي.
فيما تصل في الكويت إلى 3.1%، و0.5% في قطر.
وأوضح «العون»، أن تلك التطورات الأخيرة ستدفع بعض العمالة الوافدة إلى العودة، لعدم القدرة على الاستمرار في العمل أو إعادة عائلاتهم لتجنب الرسوم الجديدة، موضحاً أن انسحاب تلك العمالة التي تسيطر على الجانب الأكبر من المهن في منطقة الخليج «بصورة مفاجئة»، قد يؤدي إلى تعطل حركة الاقتصاد.
وتوقع، ارتفاع عمليات التحويلات المالية إلى خارج منطقة الخليج، والتي تعد إحدى أهم ركائز الاقتصاد لدى بعض الدول العربية وذلك مع تراجع الإنفاق الاستهلاكي نتيجة عودة عائلات الوافدين.
وتصل تحويلات المغتربين في الخليج إلى 100 مليار دولار سنوياً تعادل 6.25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي الخليجي (البالغ 1.6 تريليون دولار)، وفقاً لأحدث الإحصائيات.
ورغم أن دول آسيا تستحوذ على نصيب الأسد من تلك التحويلات، إلا أن دولاً عربية كمصر والأردن واليمن ولبنان والسودان تظفر بحصة لا يستهان بها.