جاكوب شابيرو - جيوبوليتيكال فيوشرز-
يتراجع الآن تنظيم «الدولة الإسلامية»، وإن لم يكن قد انتهى تماما، في سوريا والعراق، ويتم بالفعل بذل الكثير من الجهود للاستفادة من تراجعه من قبل جميع الأطراف ذات المصلحة.
وتعتبر المملكة العربية السعودية، الزعيم الفعلي للعرب السنة، سوريا والعراق فرصة لإيران، منافستها الإقليمية، للحصول على نفوذ أكبر مما كانت عليه في السابق، وبالتالي ترغب في أن تفوت عليها هذه الفرصة.
ويفسر هذا بعض أنشطة المملكة الأخيرة، فبعد مرور 27 عاما من التوقف، أجرت الخطوط الجوية الوطنية السعودية أول رحلة لها إلى بغداد، في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ويأتي هذا بعد أسبوع من اجتماع العاهل السعودي «سلمان» مع رئيس الوزراء العراقي «حيدر العبادي»، بحضور وزير الخارجية الأمريكى «ريكس تيلرسون»، في 22 أكتوبر/تشرين الأول.
وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول، زار وزير الدولة للشؤون الخليجية في المملكة، والمبعوث الأمريكي الخاص إلى التحالف ضد «الدولة الإسلامية»، الرقة، العاصمة السابقة لتنظيم «الدولة الإسلامية»، وناقشا إمكانية أن تستثمر الرياض في إعادة إعمار المدينة.
وتأتي كل هذه التطورات في أعقاب زيارة الملك «سلمان» إلى روسيا، في 5 أكتوبر/تشرين الأول، وهي أول زيارة يقوم بها ملك سعودي إلى الكرملين، حيث كانت قضية سوريا في مقدمة جدول الأعمال.
ولا يعد هذا التوقيت، بطبيعة الحال، من قبيل المصادفة، فلقد تدهورت أوضاع «الدولة الإسلامية» حتى الآن، وقد حان الوقت للعمل.
وعلى الرغم من أن تنظيم «الدولة الإسلامية» نادرا ما واجه السعودية مباشرة، لكن المجموعة ربما تشكل تهديدا أكبر للرياض أكثر من أي بلد آخر، لكن السعوديين كانوا محظوظين بأن يستمر القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا، في حين كان التنظيم يحارب الحكومتين السورية والعراقية، وكلاهما متحالف مع إيران.
لقد كانت استراتيجية غير مكلفة وفعالة، ولكن بعدما لم يعد «الدولة الإسلامية» «دولة»، فإن إيران وحلفاءها، الذين كانوا يقاتلون على الأرض ويقيمون العلاقات، أصبحوا في وضع أفضل للاستفادة، وكان ثمن هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» التمكين للشيعة، وهو أمر غير مقبول للسعوديين.
«ريكس تيلرسون» والسعودية
ولكن إذا لم تكن المملكة غير قادرة، وغير راغبة في التدخل خلال الحرب ضد «تنظيم الدولة»، فمن غير المرجح أن تكون قادرة على القيام بذلك، وعلى استعداد للقيام بذلك الآن.
فقوة المملكة في تراجع، والكثير من القوة التي كانت عليها في الأعوام الأخيرة تعود للولايات المتحدة، وحتى عندما اجتمع الملك مع رئيس الوزراء العراقي، على سبيل المثال، كان في حاجة إلى دبلوماسي أمريكي كبير هناك.
كما التقى الوزير السعودي، الذي التقى بمسؤولين في الرقة، مسؤولا من الولايات المتحدة، للحديث حول الجهود الدولية لمحاربة تنظيم «الدولة»، وبدون دعم الولايات المتحدة، لا يمكن للمملكة أن تفعل ذلك.
ولكن ليس هناك أي سبب للاعتقاد بأن المملكة قد تقبل سيطرة إيران على العراق، إنها في الغالب مسألة هوية، وقد أشارت تقارير إعلامية حديثة إلى أن التقدم المحرز ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» سيخفف من حدة التوترات السنية الشيعية، ويشيرون كدليل على ذلك إلى زيارات رئيس الوزراء العراقي للدول العربية.
لكن هذه التقارير تفترض خطأ أن الهويات العرقية سوف تثير بالضرورة الاختلافات الطائفية، وحتى في ذروة الترويج للعروبة في السبعينات، كان الحال على ما هو عليه، ودائما ما كان التوجه السياسي للمملكة معاديا للشيعة، الأمر الذي يدفع بطبيعة الحال العراقيين إلى معسكر إيران.
ولكن حتى لو تم التوفيق بين الخلافات الدينية، فهناك أسباب أكثر واقعية تجعل العراق بعيدا عن معسكر السعودية، وتعلم بغداد أن قوة الرياض تتلاشى، ويرجع ذلك جزئيا إلى انخفاض أسعار النفط وتحولات أجيال القيادة.
وفي سبتمبر/أيلول، تفوقت العراق على المملكة كمورد للنفط الخام إلى الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تفعل الشيء نفسه في أكتوبر/تشرين الأول.
وسيكون من الأصعب على الرياض أن تعزز وجودها في سوريا، التي هي عبارة عن مزيج من الفوضى، وقد استنفدت المملكة قواها هناك، إلى حد أن أي راع أجنبي هناك له نفوذ أكبر منها، فقد أصبح لتركيا موطئ قدم هناك، وتستعيد القوات الحكومية المناطق التي فقدتها في الانتفاضة، وقد تم تمكين الأكراد في البلاد.
وفي هذا السياق، لن يعود الاستثمار في إعادة بناء الرقة على السعودية بالشيء الكثير، والمدينة الآن تحت سيطرة الأكراد السوريين، الذين سوف يأخذون المال، إذا عرض عليهم، وسوف يستفيدون من ذلك، لكن الأكراد لن يحافظوا على السيطرة على أي مدينة عربية سنية لفترة طويلة، كما تظهر الحلقة الأخيرة في كردستان العراق، فلن تسمح الأغلبية العربية بأن يهيمن عليها أقلية عرقية.
وليس لدى السعوديين ببساطة الأدوات للفوز في سوريا، وقد لا يكون لديهم حتى المال الكافي، فيما أدى انهيار أسعار النفط إلى الإضرار بالاقتصاد السعودي وحرمان الحكومة من الإيرادات، التي تشتد الحاجة إليها.
ومع تفاعل السعوديين الآن مع تراجع تنظيم «الدولة الإسلامية»، فإنهم قد تأخروا للغاية عن المشاركة في لعبة تهيمن عليها جهات فاعلة أخرى بالفعل.