علاقات » عربي

بعد البطريرك الكاثوليكي.. هل تطأ أقدام الحاخامات أرض الحرمين؟

في 2017/11/15

الخليج أونلاين-

"ذرُّ الرماد بالعيون"، باتت تهمة لكل ما يتعلّق بتصريحات ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، التي أطلقها في 23 أكتوبر الماضي حول ما أُطلق عليه "عصرنة" المملكة، وتعهَّد فيها بأنه "سيسحق المتطرفين" وإعادة "الإسلام المعتدل" إلى المجتمع السعودي والانفتاح على الديانات الأخرى.

لكن هذا الموقف الجازم والحاسم ظاهرياً، أخفى في الواقع التحديات التي يواجهها الأمير الشاب داخلياً وخارجياً، فالتصريحات التي أدلى بها بن سلمان أتت في ظل حملة اعتقالات واسعة شنتها السلطات السعودية على تيار واسع داخل المجتمع مختلف التوجهات من مثقفين ومفكرين ودعاة، فيما بدت جريمة هذا التيار بالبقاء صامتاً ولم يدلِ بأي تصريحات من شأنها دعم توجهات أو موقف المملكة ضد جارتها قطر، عقب الأزمة الخليجية.

- انفتاح على الأديان ممزوج بـ"خطاب كراهية"

وتزامناً مع خطط بن سلمان نحو الانفتاح الديني على غير المسلمين، دعا الكاتب السعودي عبد العزيز قاسم، في مقال له تحت عنوان: "البابا فرنسيس.. فرصةٌ من ذهب" نشرته صحيفة "أنحاء" المحلية 3 أكتوبر الماضي، الحكومة السعودية إلى توجيه دعوة رسمية لبابا الفاتيكان لزيارة المملكة، الأمر الذي اعتبره مراقبون "تشوهاً" واضحاً لنهج المؤسسة الدينية، التي لا تزال تُعلِّمُ أبناءها "وجوب تكفير اليهود والمسيحيين والوثنيين؛ بل وتقول إنه حتى من يشكُّ حتى في كفرهم، كافر".

لكن هذه الدعوات لم تُثنِ منظمة "هيومان رايتس ووتش" عن انتقاد السعودية في تقرير خاص، نُشر 26 سبتمبر 2017، عن "خطاب كراهية" في المملكة، يطلقه علماء ورجال الدين بحق أقليات دينية، والإشارة إليها بألفاظ مهينة أو شيطنتها في الوثائق الرسمية والأحكام الدينية.

- تصريحات مزدوجة وحرب ضروس

الحرب "الضروس" التي يقودها الأمير الشاب ضد معارضيه ومنافسيه، وبدأها بإقصائه ابن عمه الأمير محمد بن نايف، وامتعاض الإدارة الأمريكية حول انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة، دفعا الحكومة السعودية لامتصاص حالة الغضب والاستياء بخطوة، وصفها البعض بـ"التاريخية"، تمثلت في توجيه الرياض دعوة لرئيس الكنيسة اللبنانية المارونية البطريرك الكاثوليكي، بشارة الراعي، لزيارة المملكة ولقاء الملك سلمان بن عبد العزيز، باعتباره أحد الشخصيات المسيحية البارزة في الشرق الأوسط، حسبما يذكر الإعلام اللبناني الرسمي.

يذكر أن الكنيسة المارونية تتبع إيمانياً للكنيسة الكاثوليكية التي تقرّ بسيادة البابا، رغم ذلك، فللكنيسة المارونيّة بطريركها الخاص وأساقفتها، وهي كنيسة أنطاكيّة، وسريانية، وشرقية، وكاثوليكية، شبه وطنية؛ اجتمعت نواتها الأولى حول القديس "مارون" بهيئة حركة رهبانيّة ما لبثت أن ضمّت علمانيين، قبل أن تأخذ اسمه.

وفي الوقت الذي يلتقي فيه السياسيون المسيحيون اللبنانيون، في كثير من الأحيان، قادة السعودية بالرياض، فإن "الراعي" هو أول بطريرك للكنيسة يزور المملكة.

وقال البطريرك الماروني، في تصريح له عقب لقائه القيادة السعودية بالرياض، الثلاثاء 14 نوفمبر: إن "القيادة السعودية أكدت دعمها للبنان واستقراره".

وتحمل الزيارة أهمية كبيرة في ظل التوتر السياسي بلبنان، الذي أعقب إعلان الحريري استقالته المفاجئة في الرابع من الشهر الجاري، علماً أنها الزيارة الأولى لبطريرك ماروني إلى السعودية.

وقبيل تصريحات بن سلمان عن الانفتاح الديني، لم تكن هناك أية مؤشرات، على ما يبدو، بأن السعودية ستسمح لمن يُعلِّق الصليب في عنقه بزيارة بلدٍ يستند فيه الدستور إلى "القرآن والسنّة" كما تقول السلطات، ويلتقي رأس الحكم فيها.

إذ لا تزال المملكة تحظر على غير المسلمين ممارسة شعائرهم الدينية، ما يجبرهم على عقد مناسباتهم الدينية في منازل خاصة أو بالسفارات؛ حتى لا يتعرضوا لمضايقات.

واعتبر الرئيس السابق لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمملكة، عبد اللطيف الشيخ، في مقابلة بُثَّت في أكتوبر الماضي، أنه ليس من الضروري توفير أماكن للعبادة لضيوف من ديانات أخرى يأتون للسعودية لمدة 6 أو 7 أشهر فقط، وكذلك ليس ضرورياً السماح لأتباع الديانات الأخرى بممارسة عقائدهم، بدعوى أن السعودية "كلها" من المسلمين، ولا يعيش فيها مقيم دائم من غير المسلمين.

- العلاقات الإسرائيلية السعودية

الدعوات إلى التطبيع مع دولة الاحتلال مهَّد له الإعلام الرسمي السعودي ومسؤولون سابقون من العائلة الحاكمة، منهم الجنرال المتقاعد أنور عشقي، والأمير تركي الفيصل رئيس جهاز الاستخبارات السعودي السابق ومشاركته في "مؤتمر أمن الشرق الأوسط"، الذي نظمه منتدى السياسات الإسرائيلية في نيويورك، إلى جانب رئيس الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) في 23 أكتوبر الماضي.

ولاقت مشاركة المسؤول السعودي في المؤتمر استياءً واسعاً بالأوساط الخليجية والعربية والإسلامية، في حين اعتبر بعض المحللين المراقبين أن ذلك يؤكد عمليات التطبيع الذي يقوده ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مع إسرائيل في ظل تأكيد الصحافة الإسرائيلية زيارة بن سلمان السرية إلى "تل أبيب" قبل نحو شهرين رغم نفي الإعلام السعودي ذلك.

ومن العلامات الأخرى على قرب التطبيع، إشادة وزير الاتصالات الإسرائيلي، أيوب قرا، بالمواقف والتصريحات الصادرة عن مفتي المملكة العربية السعودية، عبد العزيز آل الشيخ، لا سيما ما يتعلق بحركة حماس.

وقال "قرا"، في تغريدة له على "تويتر": "أهنّئ مفتي السعودية، عبد العزيز آل الشيخ، الذي أفتى بحرمة قتل اليهود، وقال إن حماس تنظيم إرهابي يضرّ الفلسطينيين، وإن التظاهرات من أجل الأقصى غوغائية؛ ولذلك أدعوه لزيارة إسرائيل؛ ليحظى باستقبال حافل واحترام"، علماً أنه لم يصدر أي شيء رسمي عن المفتي السعودي.

والتقارب السعودي-الإسرائيلي الذي بدأت ملامحه تظهر للعلن أكثر من أي وقت مضى، فضحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عندما زار إسرائيل بعد قمة الرياض، التي عُقدت في مايو الماضي؛ إذ أكد في لقاء متلفز مع رئيس حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أنه "لمس شعوراً جيداً جداً تجاه إسرائيل خلال زيارته للسعودية"، واصفاً ذلك بأنه "أمر إيجابي للغاية".

في المقابل، اعتبرت فصائل فلسطينية بيان قمة الرياض في مايو الماضي، مخيباً للآمال بعدما تخلت قمم الرياض الثلاث عن مناقشة القضايا العربية والإسلامية المفصلية، وأغفل وبجدارةٍ قضية فلسطين أو حتى ذكرها، في حين ركز على قضايا أخرى تهم منطقة الخليج، بحسب ما نقلته وكالة "سبوتنيك" الروسية عن عضو المجلس الثوري لحركة "فتح"، السفير حازم أبو شنب، الذي اعتبر أن "حل أي قضية أخرى يستند إلى حل قضية فلسطين أولاً وليس العكس، الذي يرى أن حل القضية في أيدي الخليج"، بحسب تعبيره.

وزادت قمة الرياض فرص التقارب السعودي-الإسرائيلي، خصوصاً أن "تل أبيب" تشاطر المملكة مخاوفها من النفوذ الإيراني وأطماعها تجاه المنطقة، وكذلك تصنيف البلدين حركة "حماس" بأنها إرهابية، والوقوف جنباً إلى جنب في مواجهة ما يُعرف بـ"الإسلام السياسي"، حيث استغل ترامب العدو المشترك بين الرياض و"تل أبيب" ليكون منطلقاً في الدفع تجاه تحقيق عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.