علاقات » عربي

حرب السعودية في اليمن.. لا مفر من المستنقع

في 2017/12/05

مايكل هورتون - مؤسسة جيمس تاون-

مضى أكثر من عامين ونصف العام منذ أن بدأت المملكة العربية السعودية حربها في اليمن، وكان من المفترض أن تكون الحملة -التي أطلق عليها اسم عملية عاصفة الحزم- عملية قصيرة وحادة لهزيمة المتمردين الحوثيين اليمنيين، أو على الأقل إعادة تثبيت حكومة بزعامة الرئيس «عبدربه منصور هادي»، لكنها فشلت في تحقيق أي من هذين الهدفين.

وتواصل الحكومة اليمنية المتعثرة والمثقلة إلى حد كبير منفاها في المملكة، في حين حافظ الحوثيون وحلفاؤهم على سيطرتهم على شمال غرب اليمن، ولم تنجح الحرب التي قادتها السعودية إلا في تدمير دولة يبلغ عدد سكانها 26 مليونا، مع تمكين القاعدة في شبه الجزيرة العربية بشكل أكبر، حيث أصبحت تمارس نفوذا متزايدا في جنوب اليمن.

وبصرف النظر عن الأضرار الفادحة التي لحقت باليمن وشعبه، فإن الحرب قد تؤدي إلى نكسة تهدد السعودية وأسرة الحكم.

هل يعيد التاريخ نفسه؟

تدرك الآن كل من السعودية والإمارات -شريكها الرئيسي- ما أدركه الرومان والعثمانيون الأتراك والمصريون قبلهم من غزواتهم الخاطئة، وهو أن اليمن دائما مقبرة للغزاة، ودائما ما مثلت الجغرافيا الثقافية والمادية في اليمن تحديا للقوات العسكرية الأجنبية، وفي غزوهم لشمال اليمن بين عامي 1962 و1967، نشر المصريون ما يزيد على 50 ألف جندي مدعومين بالدروع والقوات الجوية، وعلى الرغم من التفوق التقني الساحق لقواتهم، فقدوا ما لا يقل عن 20 ألف رجل، وأجبروا على التراجع.

وعلى النقيض من ذلك، التزمت السعودية بقوات برية قليلة في اليمن، وهي تعتمد -كالإمارات- إلى حد كبير على المرتزقة والقوات بالوكالة، وتعتمد عملية عاصفة الحزم على القصف الجوي، ولكن ذلك لم يحقق شيئا يذكر من حيث ردع القدرات العسكرية للحوثيين.

كما يشكل الحصار المفروض على موانئ اليمن ومجاله الجوي جزءا أساسيا من الاستراتيجية السعودية، وعلى غرار حملتها الجوية، فشل الحصار في تقليص القدرات الحربية للحوثيين وحلفائهم.

ومع ذلك، فقد أنتجت أكبر أزمة إنسانية في العالم في التاريخ الحديث، وأصبح أكثر من 80% من سكان اليمن في حاجة ملحة للمعونة الإنسانية، وانتشر وباء الكوليرا في جميع أنحاء البلاد كالنار في الهشيم.

وتعتبر اليمن منذ زمن طويل منطقة أزمة لدى «آل سعود»، وقد رأى الحكام السعوديون منذ فترة طويلة أن عدد سكان اليمن الكبير والمسلح جيدا، فضلا عن الشكل الديمقراطي، يمثل تهديدا مباشرا.

ولأعوام، واصل «آل سعود» سياسة دقيقة في اليمن حافظت على نفوذ المملكة إلى حد كبير -من خلال الإنفاق النقدي على القادة القبليين والسياسيين- وسعت إلى ضمان بقاء اليمن بلدا مستقرا وضعيفا في نفس الوقت.

وفي مارس/آذار عام 2015، أطلق وزير الدفاع «محمد بن سلمان»، ولي العهد السعودي (كان وليا لولي العهد آنذاك)، عملية عاصفة الحزم، التي مثلت تحولا علنيا من السياسة التقليدية الهادئة للمملكة إلى سياسة تدخلية عدوانية.

لكن لم تكن هناك الحملة حازمة، ولم تهدد العاصفة سوى المملكة نفسها، وبعد أن تسببت الحروب في زعزعة استقرار البلاد وعرقلة تطورها على مدى عقود، فقد يكون للحرب الأخيرة عواقب وخيمة على «آل سعود» ومملكتهم.

غيوم العواصف فوق المملكة

وبين عامي 1962 و1967، خرجت حملة الرئيس المصري «جمال عبدالناصر» المأساوية في اليمن بخسائر هائلة على جيش بلاده وقواته الجوية، وتعرضت كل من الروح المعنوية والاستعداد داخل الجيش للكسر، واستنزفت الحرب الخزينة المصرية، وعلاوة على ذلك، تشير أدلة مقنعة إلى أن التدخل في اليمن كان وراء هزيمة مصر الساحقة على يد (إسرائيل) في حرب الأيام الـ6 (يونيو/حزيران عام 1967).

وعلى غرار القوات السعودية والإماراتية التي تعمل الآن في اليمن، كان أداء القوات المسلحة المصرية يراقب عن كثب من قبل منافستها، (إسرائيل)، والآن، تراقب إيران الوضع جيدا في اليمن.

وقد تنقلت القوات السعودية في اليمن من فشل إلى فشل، ولم يقتصر الأمر على الفشل في إحراز أي تقدم داخل اليمن، فقد فشلت أيضا في تأمين الحدود الجنوبية للمملكة مع اليمن، وتتواصل الهجمات الأسبوعية عبر الحدود من قبل الحوثيين حيث تصل تلك الهجمات إلى عمق الأراضي السعودية ويزداد مداها باضطراد.

وعلى الرغم من الادعاءات المتكررة حول ذلك، فإن الحوثيين أبعد ما يكون عن كونهم وكلاء إيرانيين، ولكن لا شك أن إيران لديها علاقة مع بعض قياداتهم، ومن المؤكد أن هناك تبادلا للمعلومات بين الحوثيين ومختلف الأقسام داخل الاستخبارات الإيرانية، حول أمور من بينها تكتيكات وأداء القوات السعودية والإماراتية.

وكما تعلمت (إسرائيل) عن نقاط الضعف في الجيش المصري، فإن إيران تتعلم قدر الإمكان نقاط ضعف السعودية، وفي الوقت نفسه، يسعد الإيرانيون بمشاهدة غرق السعوديين أكثر فأكثر في مستنقع حرب لا يمكن الفوز بها في اليمن، تماما كما فعل الإسرائيليون مع المصريين.

نتائج عكسية

وقال «بن سلمان»، في مقابلة جرت مؤخرا، إن الحرب في اليمن ستستمر، لأن السعودية لن تسمح بتكوين «حزب الله» جديد على حدودها الجنوبية، لكن الساخر في الأمر، هو أن السعوديين، من خلال مواصلة الحرب، يخاطرون بخلق ما يخشونه، وفي الوقت الحاضر، لا يعد الحوثيون وكلاء لإيران، وليسوا كحزب الله.

وبدلا من ذلك، يركز الحوثيون بشكل ضيق على الاهتمامات القومية، وهي الدفاع عن البلاد ضد العدوان السعودي وعودة سيطرة القاعدة في الجنوب، وبطبيعة الحال، تعمل القيادات الحوثية أيضا على حماية نفوذها السياسي ومصالحها الاقتصادية المتزايدة، وتوسيع نطاقها إذا أمكن.

ومن خلال مواصلة الحرب في اليمن، استمر التحالف بين الحوثيين والرئيس السابق «علي عبدالله صالح»، رغم أنه ينهار حاليا، وتجدر الإشارة إلى أن «صالح» قد شن 6 حروب وحشية ضد الحوثيين، قبل أن يستقيل كرئيس في أعقاب الاحتجاجات الشعبية عام 2011، كما أن شعبية الحوثيين في شمال غرب اليمن مستمدة أساسا من شجاعتهم في ساحة المعركة، وبدون عدو قوي، فإن الكثير من أسباب نفوذهم سيتبدد.

وتوفر أيضا أرضية مثالية للتدريب لمنظمة قادرة بالفعل على إكمال قدراتها الحربية، وقد أتاح التحالف بين الحوثيين وأفضل الأجهزة المدربة والمجهزة في الجيش اليمني -معظمهم من الموالين لـ«صالح» وأبنائه- إجراء عملية دمج بين الأساليب التقليدية للحرب وأساليب حرب العصابات، وكان الحوثيون ممارسين بارزين لحرب العصابات، ولكنهم الآن ضموا العديد من ضباط الصف الميداني الذين تدرب الكثير منهم في الكليات الغربية.

ويتضح هذا التجانس بين التكتيكات التقليدية وحرب العصابات في ساحة المعركة، حيث يستخدم الحوثيون وحدات صغيرة من المقاتلين المتنقلين مدعومة بقوات مدفعية خفيفة ومتوسطة على حد سواء، وتقوم الوحدات الصغيرة وقوات المدفعية بتنسيق هجماتها باستخدام مجموعة من طائرات الاستطلاع بدون طيار، ومعظمها معاد تصميمه من أجزاء منتجة محليا.

ومع اشتداد الحرب في اليمن، من المرجح أن تتطور العلاقة المحدودة إلى حد ما بين الحوثيين وإيران، وكذلك القدرات الحوثية العسكرية، ولا يسع إيران إلا أن تكون سعيدة بحقيقة غرق السعودية في حرب لا تستطيع الفوز بها.

ولا شك أن إيران سترغب في إطالة أمد تلك الحرب بتكلفة محدودة، فبعد كل شيء، فعل السعوديون والإسرائيليون الشيء نفسه للمصريين عندما غزا المصريون اليمن، وساعد كلا البلدين، إلى جانب إيران، التي كان يحكمها الشاه، القوات المسلحة اليمنية حتى تتمكن من مواصلة معركتها ضد الجيش المصري، وبالفعل، لم يحقق «عبد الناصر» أهدافه، ولم ينج جيشه من الحرب.

وباستمرار حربها في اليمن، قد ينته الجهد السعودي في اليمن إلى خلق ما يخشونه بالضبط، منظمة شبيهة بحزب الله تكون قادرة عسكريا ولها جذور اجتماعية وسياسية عميقة.

لا يوجد مخرج

وكان «بن سلمان» يهدف إظهار الجيش السعودي كقوة هائلة أمام العالم، يمكنها أن تهزم بشكل سريع مجموعة من المتمردين، وبعد أشهر من القصف الجوي الذي لا هوادة فيه، وحصار مدمر ومليارات الدولارات التي أنفقت، لم تحقق السعودية وحلفاؤها أيا من أهدافها.

ولا يظهر الحوثيون وحلفاؤهم أي علامات للتخلي عن القتال، وعاد تنظيم القاعدة ليسيطر على الجنوب، كما أصبح الملايين من اليمنيين أكثر فقرا، وقد لقي ما لا يقل عن 10 آلاف يمني مصرعهم في الحرب، والمستفيد الحقيقي والوحيد من كل هذا هو إيران.

وقد يعزز استمرار الحرب في اليمن التأثير الإيراني المحدود هناك، وليس لدى «بن سلمان» استراتيجية واضحة للخروج من اليمن، ولا وسيلة لتأمين أهدافه، ولا ينبئ هذا بخير لـ«آل سعود» أو شعب اليمن أو المنطقة.

ولا يمكن فصل الاضطراب الحالي داخل قصر «آل سعود» عن الفشل في اليمن، فقد كبّد «بن سلمان» «آل سعود» بتهوره تكلفة غالية من الدم والمال، وكان يجب على السعوديون الانتباه لكلام مؤسس المملكة، الملك «عبدالعزيز بن سعود»، الذي حذر أولاده وهو على فراش الموت، قائلا: «خيركم وشركم من اليمن».