علاقات » عربي

التفاصيل المهينة لاحتجاز «سعد الحريري» في السعودية

في 2017/12/26

نيويورك تايمز- ترجمة شادي خليفة-

تم استدعاء رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري» في الساعة الثامنة والنصف صباحا إلى المكاتب الملكية - وهو وقت مبكر في المملكة العربية السعودية - في اليوم الثاني من زيارة لم تكن تماما كما توقعها.

قدم «الحريري» حليف السعوديين منذ فترة طويلة، هذا الصباح وهو يرتدي بنطالا من الجينز مع قميص، وكان يعتقد أنه سيسير في الصحراء قليلا مع ولي العهد السعودي، «محمد بن سلمان».

ولكن بدلا من ذلك، تم تجريده من هواتفه الخلوية، وفصله عن مجموعته المعتادة من الحراس الشخصيين إلا واحدا منهم، وتم دفعه وإهانته من قبل رجال الأمن السعوديين، ثم ظهر في نهاية المطاف ليقرأ خطاب استقالته المعد مسبقا عبر التليفزيون السعودي.

ويبدو أن هذا كان السبب الحقيقي لاستدعائه إلى الرياض قبل يوم واحد، ألا وهو إجباره على الاستقالة وإلقاء اللوم علنا ​​على إيران، كأنه موظف وليس قائدا لدولة ذات سيادة.

وقبل الذهاب إلى التليفزيون، لم يسمح له حتى بالذهاب إلى منزله الذي يملكه هناك، وكان عليه أن يطلب من الحراس إحضار بدلة ليرتديها.

وكانت هذه اللحظات الغريبة مجرد فصل في قصة «بن سلمان»، ولي العرش الشاب الطموح واضح العزم على هز هيكل السلطة، ليس فقط في بلاده، ولكن في المنطقة بأسرها.

في الداخل، سجن ولي العهد المئات من الأمراء ورجال الأعمال، فيما يصفه بأنه حملة لمكافحة الفساد، وفي الخارج، شن حربا في اليمن وكان وراء حملة لعزل قطر.

وفي اليوم الذي أعلن فيه «الحريري» استقالته من الرياض، كان مجرد بيدق في معركة ولي العهد الشاملة، المتمثلة في كبح جماح الطموحات الإقليمية للمنافس الإقليمي طويل الأمد للسعودية، ألا وهي إيران.

نتائج عكسية

وقال مسؤول لبناني رفيع المستوى إن «الحريري» بعد أن ألقى خطابه حيث حاول مساعدوه المحبطون عبثا الوصول إليه من بيروت قضى المساء في الصحراء مع ولي العهد.

وكان ذلك بمثابة إشارة سريالية لسلسلة من الأحداث التي تكشفت في ذلك اليوم، وفي تلك الليلة التي وضعت الشرق الأوسط بأكمله على حافة الخطر، حيث شهدت تلك الليلة صاروخا أطلق على الرياض، فضلا عن استمرار اعتقال مئات الأمراء ورجال الأعمال السعوديين، ودخول لبنان في حالة من الذهول والارتباك، إضافة إلى ما حدث بعدها من مطالبة المملكة للمواطنين السعوديين بالخروج من لبنان.

وكان الأمير «محمد» قد شن بالفعل حربا في اليمن المجاور ضد المتمردين المدعومين من إيران، وكان قد حاصر قطر، فقط بسبب اتهامه لقطر بالتقارب إيران.

وكان ينوي من خلال استقالة «الحريري» إرسال رسالة مفادها أنه قد حان الوقت لوقف توسع نفوذ الحليف اللبناني لإيران «حزب الله» التنظيم الشيعي الأقوى، وهو الآن الممثل السياسي الأكثر تأثيرا في لبنان.

وكانت ملحمة رئيس الوزراء اللبناني مثالا آخر على زعيم جديد يحاول مواجهة الطريقة التي تعمل بها السعودية منذ أعوام، والآن، لا يزال «الحريري» في منصبه بشعبية جديدة، وأصبح «حزب الله» أقوى من ذي قبل.

وتتسبب تكتيكات المملكة المتشددة التي يمكن القول بأنها خرقاء، في خسارتها لكثير من التأثير مع حلفاء أقوياء مثل الولايات المتحدة والكويت والأردن ومصر، وأيضا الكثير من الكتلة السنية اللبنانية الموالية لـ«الحريري»، وقال مسؤولون ومحللون إن المملكة قد تحصل على بعض التنازلات المتواضعة من لبنان، ولكن ربما لم يكن الأمر يستحق هذه العاصفة الدبلوماسية.

ولا تزال هناك بعض الثغرات في القصة، ربما لأن «الحريري» الذي ألغى استقالته على الفور بعد أن عاد إلى بلاده بسلام بعد جهود دبلوماسية هو وحده من يعلم فصول القصة بشكل كامل.

وقد رفض «الحريري» أكثر من مرة التعليق على ما حدث، وقال إنه كان يتصرف بحرية.

وبسبب القلق الشديد، عمل المسؤولون اللبنانيون على تخطي ما يخشونه من خطة طويلة المدى من قبل السعودية لزعزعة استقرار مخيمات اللاجئين الفلسطينيين المتقلبة في لبنان.

وقال مسؤولون لبنانيون وعدد من الدبلوماسيين الغربيين إن هناك مخاوف في بيروت من أن تسعى السعودية أو حلفاؤها اللبنانيون إلى تشكيل ميليشيات مناهضة لـ«حزب الله» في المخيمات أو في أي مكان آخر، ولم تؤد مثل هذه المؤامرات من قبل إلى النجاح، وقال مسؤول سعودي إنه لم يتم النظر في مثل هذا الإجراء.

ويقول مسؤولون غربيون وعرب إنهم لا يزالون يشعرون بالحيرة تجاه ما يأمل السعوديون في تحقيقه من هذه المؤامرة، ولا يستبعد العديد منهم إمكانية استهدافهم إحداث اضطرابات داخلية في لبنان، بل حتى إدخالها في حرب عسكرية.

ومن الواضح أن السعودية قد سعت إلى عملية إعادة تنظيم واسعة للسياسة اللبنانية، للحد من سلطة «حزب الله»، من خلال دفع حكومة «الحريري» إلى الانهيار، حيث تضم الحكومة «حزب الله» وحلفاءه.

وقال «بريان كاتوليس»، وهو زميل بارز في مركز التقدم الأمريكي في واشنطن، إن تطبيق السياسة الخارجية النشطة والعدائية التي يريدها «بن سلمان» يتطلب «فهما عميقا للديناميات السياسية في البلدان الأخرى، والاستثمار في العلاقات الدبلوماسية، التي لا يمكن خلقها بين عشية وضحاها».

وأضاف: «إن المنافسة على السلطة والنفوذ في الشرق الأوسط اليوم قد تغيرت بشكل كبير، ويحتاج السعوديون لكثير من الجهد للحاق بالركب، ولا يحققون حتى الآن الكثير من النتائج الإيجابية».

وقال إن هذا الأمر معرض للخطر بسبب الحسابات والتصعيدات الخاطئة في منطقة تعاني من الحروب والتوترات.

أوراق الضغط

وكانت المشكلة تختمر لأعوام بين «الحريري» والسعوديين.

ومثل والده رفيق، يعد «الحريري» مدينا بمهنته السياسية وثروة أسرته الكبيرة للدعم السعودي، لكن السعوديين اشتكوا من أن حكومة «الحريري» تمنح الكثير من الشرعية والتأييد لـ«حزب الله».

وقال مسؤولون إن «الحريري» قد زار الرياض في أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأعرب عن اعتقاده بأن السعوديين يفهمون حاجته للتوصل إلى حل وسط مع «حزب الله» لتجنب المأزق السياسي.

وفي بيروت لاسترضاء السعوديين طلب «الحريري» من زعيم «حزب الله» «حسن نصرالله» من خلال وسطاء تخفيف حدة خطابه العنيف ضد الحرب السعودية المدمرة في اليمن والأمير «محمد بن سلمان» شخصيا.

وفي الأسبوع نفسه، حذر «ثامر السبهان» (الوزير السعودي المعروف بهجومه الشديد على إيران) من تطورات مثيرة في إيران، واتهم «حزب الله» بشن حرب على السعودية.

وفي 3 نوفمبر/تشرين الثاني، التقى «الحريري» مسؤولا إيرانيا كبيرا، وهو «علي أكبر ولايتي»، الذي أشاد بعد ذلك بتعاون إيران مع لبنان، وقد تكون هذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للسعوديين.

وقال مسؤول لبناني رفيع المستوى إن «الحريري» قد تلقى رسالة من الملك السعودي قبل الاجتماع الذي كان مقررا بعد أيام، وقال المحلل اللبناني «جوني منير» إن رئيس الوزراء كان مدعوا إلى قضاء يوم في الصحراء مع ولي العهد.

ولكن عندما هبط في الرياض، أخذ المسؤولون السعوديون «الحريري» إلى منزله وأمروه بالانتظار، وليس انتظار الملك لكن الأمير، وانتظر من الساعة السادسة مساء حتى الواحدة بعد منتصف الليل، ولم يأت أحد.

وفي صباح اليوم التالي، تم استدعاؤه للقاء ولي العهد، وبدلا من الاجتماع مع الأمير، قال المسؤولون إنه تم التعامل معه من قبل مسؤولين سعوديين.

ووصف المسؤولون اللبنانيون الساعات الطويلة بين وصوله والاستقالة بأنها «صندوق أسود»، وقالوا إنهم يترددون في الضغط على «الحريري» للحصول على تفاصيل، وعندما سأله أحدهم، قال إن «الحريري» يرد بالنظر إلى الأسفل، ويقول إن الأمر أسوأ مما يعرفونه.

وكان لدى المملكة العديد من نقاط الضغط لاستخدامها ضد «الحريري»، مثل التهديد بطرد 250 ألف عامل لبناني في السعودية، الأمر الذي كان ليضر بالاقتصاد اللبناني.

وبما أن «الحريري» مواطن سعودي مزدوج الجنسية، فإن تعاملاته التجارية الواسعة في بلد تكون فيه الرشاوى أمرا طبيعيا، قد تتضمن ما يهدده شخصيا، وقال دبلوماسي عربي إن «الحريري» قد تم تهديده بتوجيه تهمة الفساد إليه.

وقد تسلم رئيس الوزراء كلمة الاستقالة لقراءتها، وهو ما فعله في الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، وألقى النص باللوم على «حزب الله»، وادعى أن حياته كما جاء في الخطاب في خطر.

وبعد ساعات من ذلك، بدأت السلطات السعودية إجراءاتها الخاصة بالفساد، واحتجزت اثنين من الشركاء التجاريين السابقين لـ«الحريري»، ربما لتذكيره بموقفه الضعيف.

توقعات حالمة

وفي لبنان، قال دبلوماسيون غربيون ومسؤولون لبنانيون إن السعوديين كانوا يتوقعون أن تتم الاستقالة وأن تنجح الخطة، بأن تؤدي إلى تدفق جماهيري واسع النطاق لدعم «الحريري» شعبيا من قبل خصوم «حزب الله».

وبدلا من ذلك، ردت لبنان بشكوك جماعية حول المؤامرة، ولم يخرج أحد إلى الشوارع، ورفض رئيس لبنان «ميشال عون» وهو حليف لـ«حزب الله» قبول الاستقالة، ما لم يسلمها له «الحريري» شخصيا.

وبعد أن اختفى «الحريري» ساعات طويلة، أدرك «عون«» أن رئيس الوزراء لا يتحدث بحرية. وبدأ المسؤولون اللبنانيون في جولات لحث الدبلوماسيين الغربيين برسالة غير عادية، مفادها أننا - اللبنانيين - لدينا سبب للاعتقاد بأن رئيس وزرائنا قد اعتقل.

وقال المسؤولون إن «الحريري» وُضع في نهاية المطاف في دار ضيافة من ممتلكاته مع حراسة سعودية، ومنع من رؤية زوجته وأطفاله.

وفي غضون أيام، زاره العديد من السفراء الغربيين هناك، وجاءوا من هناك مع انطباعات متضاربة حول حريته، وقال مسؤولون سعوديون إن الحراس السعوديين كانوا في الغرفة، وعندما سأل الدبلوماسيون ما إذا كان الحراس سيغادرون، قال «الحريري» لا، بل يمكنهم البقاء.

وقال مسؤول كبير في جهاز الاستخبارات الداخلي في لبنان، وهو اللواء «عباس إبراهيم»، إن هؤلاء المبعوثين لم يتمكنوا من التأكد من أنه قد أُجبر على الاستقالة من منصبه، وقال مسؤول كبير: «من السهل أن أجعلك في غرفة واحدة مع جنديين، ثم أخرجك على قناة تليفزيونية لتقول إنك تكره بلدك».

وفي الوقت نفسه، استدعى «بن سلمان» الذي يبدو أنه لا يضع أي وزن للمخاوف الدولية قائدا آخر، وهو الرئيس الفلسطيني «محمود عباس»، وأصدر تعليمات له بشأن السياسة الفلسطينية.

ويختلف المسؤولون حول ما قاله السيد «عباس» في الرياض، لكن المسؤولين اللبنانيين كانوا قلقين، وقال ثلاثة مسؤولين لبنانيين رفيعو المستوى إنهم أرسلوا اللواء «إبراهيم» ومبعوث فلسطيني إلى عمان بالأردن لطلب تفسيرات من «عباس».

وقال مسؤول لبناني كبير إن التوصيات السعودية لـ«عباس» من الممكن أن تزعزع استقرار مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

وقال دبلوماسي غربي إن حليفا لبنانيا للسعوديين حث الفصائل الجهادية في مخيم فلسطيني على تشكيل ميليشيات «مقاومة سنية» لمواجهة «حزب الله»، وهي فكرة خطيرة جدا رفضها الجهاديون أنفسهم، كما قال مسؤولون لبنانيون وفلسطينيون.

ونفى السعوديون وناطق باسم «عباس» هذه المعلومات.

وقد جرت جولات وجهود دبلوماسية مكثفة قادتها فرنسا والولايات المتحدة ومصر ودول أخرى، وأنتجت صفقة سمحت لـ«الحريري» بمغادرة السعودية فيما بعد.

وقال المسؤولون اللبنانيون والدبلوماسيون الغربيون والعرب الذين شاركوا في الاتفاق إن «بن سلمان» قد أرسله إلى بلاده في مهمة تتمثل في حمل «حزب الله» على سحب مقاتليه من اليمن، وقال دبلوماسي غربي إن نحو 50 مقاتلا من «حزب الله» فقط في اليمن، في دور التدريب ومساعدة المتمردين الحوثيين هناك.

ولم تحصل الرياض على شيء من هذا الاضطراب المفتعل، ويسعى المسؤولون اللبنانيون إلى التوصل إلى اتفاق مع «حزب الله» قد يشمل تقليص الخطاب المناهض للسعودية، كما طلب «الحريري» حتى قبل قصة الرياض، فضلا عن إغلاق محطة تليفزيونية مؤيدة للحوثيين في بيروت.

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان «الحريري» يستطيع أن يفعل ما يكفي لاسترضاء الرياض.

وقد خلت خطابات «نصر الله» من الانتقادات الموجهة لـ«بن سلمان» مؤخرا، ودعا الأربعاء إلى إجراء محادثات سلام في اليمن، وهي خطوة كبيرة.

ثم مرة أخرى - يوم الثلاثاء - أطلق الحوثيون اليمنيون صاروخا آخر على الرياض.