هدى القشعمي- خاص راصد الخليج-
تمر المنطقة العربية بحالة تشرذم نتيجة الخلافات المتنقلة التي لا تكاد تنتهي في مكان حتى تبدأ في مكان جديد، متنتقلة عبر الدول العربية كل مرة تتجلى بصور جديدة، ومن هذه الخلافات ما بين الدول الخليجية وعرب إفريقيا، أكان الخلاف على المستوى الشعبي أم الرسمي على حدٍ سواء، وفي حديثنا سنتناول عدة أوجه تعطي الانطباع عن هذه الخلافات، فإذا أمعنا النظر لوجدنا أمور عديدة مختلف عليها بجميع النواحي، فهل أصبحت العلاقات الخليجية مع عرب إفريقيا إلى هذا الحد من الهشاشة؟
الخلافات الخليجية الإفريقية مشاهد متعددة لمشهد واحد:
كما هو المعلوم هناك عدة خلافات خليجية إفريقية سنعرج عليها في حديثنا عن التجليات الجديدة لها وسنبدأ بعرضها على النحو الآتي:
1- الخلافات القطرية المصرية:
نشب الخلاف المصري القطري على خلفية دعم دولة قطر للإخوان المسلمين الذين وصلوا إلى سدة الحكم في مصر بعد ما سمي بثورة 25 من يناير عام 2011 على الرئيس السابق حسني مبارك وبعد الإنتخابات البرلمانية والرئاسية التي أوصلت الرئيس السابق محمد مرسي لتولي قيادة مصر في 2012، فهذا الخلاف إشتد بعد حراك 30 يونيو 2013 الذي قام به الشعب المصري اتجاه حكم الاخوان المسلمين الذي اتهمهم الشعب بسوء إدارة الدولة المصرية، فرد الاخوان المسلمين بحرق عدة مراكز للشرطة المصرية وبعدها تجمعوا في ميداني رابعة العدوية والنهضة التي قامت السلطات المصرية باقتحامهم ما سبب الأزمة الكبرى بين مصر وقطر، فمصر تعتبر بأن قطر تدعم الاخوان المسلمين الذين تعتبرهم منظمة إرهابية قامت بارتكاب الجرائم بحق الشعب المصري وكذلك القوات المسلحة، أما قطر فتعتبر أن ما جرى برابعة والنهضة هو مذبحة وجريمة ضد الانسانية والإخوان المسلمين هم مجموعة لديها رأي والقضية هي قضية حقوق لأن ما قام به الشعب المصري هو انقلاب في 30 يونيو بقيادة السيسي، ومازال هذا الخلاف قائماً إلى يومنا هذا والتراشق الاعلامي لم يتوقف وليس واضح في الأفق حل لهذه المعضلة.
2- الخلافات الكويتية المصرية:
لم ترقى الخلافات المصرية الكويتية إلى المستوى الرسمي ومازالت في إيطارها الشعبي وذلك على خلفية عدة حوادث منها ما جرى في الكويت ومنها ما قد حصل في مصر، لكن السلطات المصرية والكويتية طوقت الحادث ولم يتطور الخلاف إلى المستوى الرسمي، وفي شاهدين على الخلافات الكويتية المصرية قام شاب كويتي بضرب عامل مصري مقيم في الكويت أثار ضجة إعلامية وتحرك شعبي غاضب في مصر لكن السلطات الكويتية ألقت القبض على المعتدي وأحالته للمحاكمة، أما الحادثة الثانية فقد قام أحد السياح الكويتيين بالاعتداء على عنصر أمن مصري في شرم الشيخ تولت السلطات المصرية معالجة الموضوع.
3- الخلافات السعودية الجزائرية:
برزت الخلافات الجزائرية السعودية في الآونة الأخيرة على خلفية قيام مشجعين جزائريين برفع لافتة لترامب والملك سلمان مكتوب عليها وجهان لعملة واحدة في الدلالة على أن الملك سلمان ضد قضية القدس، حيث اعتبر فيه السعوديون اللافتة بأنها إهانة للمملكة وللملك سلمان، وفي المقابل طالب جزائريون بطرد السفير السعودي من الجزائر بعد تهديده لشبابهم بملاحقتهم واعتقالهم، وتطور الأمر ليعلن السفير السعودي لدى الجزائر سامي بن عبدالله الصالح أنه جاري التأكد من الأمر للقيام بما يلزم، وننتظر رد السلطات الجزائرية بشأن اللافتة المسيئة للمملكة، وقد دفع هذا الاجراء الى مطالبة السلطات الجزائرية من الفاعلين الاعتذار للمملكة وهذا ما لم يعجب الجزائريين.
4- الخلافات الإماراتية التونسية:
برزت هذه الخلافات مؤخراً بين الإمارات وتونس على خلفية قرار منع أبوظبي التونسيات من ركوب طائراتها والتي برّرته بما سمّته معلومات أمنية، وهو ما دفع تونس إلى الرد بحظر دخول شركات الخطوط الجوية الإماراتية أراضيها، وقامت رئاسة الجمهورية التونسية التي قالت بأن تعليق رحلات شركة طيران الإمارات إلى البلاد مستمر لحين تراجع أبوظبي عن إجراءات منع سفر التونسيات، طبقاً للقوانين والمعاهدات الدولية، كما طلبت تونس من الإمارات باعتذار علني للشعب التونسي إذا أرادت الإمارات إستمرار العلاقات مع تونس.
5- الخلافات الإماراتية السودانية:
نشبت الخلافات الإماراتية السودانية بعد مشاركة الأخيرة في حرب اليمن والخلاف تحول إلى إشتباك عسكري بين قوات إماراتية وأخرى سودانية، ففي 21 -10-2017 إندلعت مواجهات بين قوات الإمارات والسودان في مدينة المخاء اليمنية، أسفرت عن مقتل عدد من جنود الإمارات من بينهم ثلاثة ضباط، وتلقت القوات السودانية خسائر كبيرة في هذه الإشتباكات حيث سقط ما يقارب 14 جندي سوداني، إثر تدخل طائرات التحالف التي قصفت القوات السودانية، ولم يرد أي تعليق عن هذه الحادثة من الدولتين.
6- الخلافات السعودية السودانية:
التباين السعودي السوداني ليس بجديد فهذا يعود إلا الموقف السوداني من الخلاف الخليجي التي تصطف فيه السودان إلى جانب قطر، وقد تحولت إلى صراعات إثر عدم مناصرة السعودية للسودان في اليمن بعد تعرضها للهجوم من قبل القوات الاماراتية بل قامت طائرات التحالف بضرب القوات السودانية، وبالأمس وفي خلاف مستجد بين السعودية والسودان على إثر توقيع السودان على معاهدة بينها وبين تركيا تخص جزيرة سواكن السودانية التي بموجبها ستعيد تركيا تأهيلها وستكون خاضعة لإدارتها لمدة لم يعلن عنها، ما اعتبرته السعودية تهديدا لمصالحها الاقتصادية والأمن العربي وبأن الاتفاقية ترضي الأطماع التركية في المنطقة، في حين جاء الرد من السفير السوداني في السعودية الذي قال: "إن السودان لا يهدد الأمن العربي من خلال توقيعه على اتفاق لإعادة تأهيل ميناء سواكن مع تركيا، ولا دخل لذلك بالخلاف السوداني المصري بشأن حلايب وشلاتين، أما الادعاء أن جزيرة سواكن في حضن أردوغان المنشور، اليوم، بصحيفة "عكاظ" السعودية، يشكّل إساءة واضحة للسودان ولسيادته ولحقه الطبيعي في إنشاء علاقات مع مختلف دول العالم، فسواكن في حضن السودان وليس أي جهة أخرى".
خلاصة القول:
يبدو بأن هذه الخلافات لن تنتهي بل إنها تتطور مع مرور الزمن، وكل هذه الخلافات تؤكد مدى هشاشة الواقع العربي الذي تهتز فيه العلاقات بين الدول إثر أمور بظاهرها بسيطة ولكن مضمونها كبير، وإذا أمعنا النظر لوجدنا التعالي الخليجي وعدم التقدير هما السبب في الأزمات، لأن الدول الخليجية تتصرف وكأن عرب إفريقيا يجب أن يكونوا تابعين لهم وكبش الفداء الذي يقدمونه في حروبهم، وورقة الضغط التي يهددون بها خصومهم ومنافسيهم، ولا يعلمون بأن عرب إفريقيا لديهم الكرامة والعنفوان الكافيين لعدم القبول بهذا المستوى من التعاطي، فمصر أم الدنيا أذلت إسرائيل في حرب أكتوبر، وتونس الخضراء طردت المحتل ذليلاً، والجزائر أمة المليون شهيد أذلت الإستعمار الفرنسي، والسودان الشعب العزيز، لذا يجب على الدول الخليجية أن تحسن التصرف وأن تتأمل بكل خطواتها لكي لا تخسر عمقها العربي ومكانتها لدى عرب إفريقيا لكي لا يتجهون إلى خصومها إذا ضاق بهم الأمر ذرعا ًمن تصرفات الدول الخليجية نحوهم.