علاقات » عربي

فلسطين والكويت.. دفء العلاقات يبدد ربع قرن من الجمود

في 2018/02/09

أحمد علي حسن - الخليج أونلاين-

بعد فتور في العلاقات الكويتية الفلسطينية استمر 25 عاماً بسبب المواقف السياسية، يعود الدفء شيئاً فشيئاً إلى أحضان البلدين اللذين تربطهما أواصر قوية تعود لنحو 80 عاماً.

حكاية الأخوة الوثيقة بدأت منذ 1936 بإرسال البعثات التعليمية مروراً بتأييد المواقف السياسية، وليس انتهاءً بالدعم المالي والمشاريع.

لكن الوضع لم يبقَ على حاله، إذ تعكرت العلاقات بين البلدين خلال حرب الخليج الثانية، فمع بدء عملية عاصفة الصحراء في يناير 1991 دانت منظمة التحرير الفلسطينية هجمات تحالف 34 دولة بقيادة أمريكا ضد العراق.

-جذور العلاقة

ميلاد العلاقات بين البلدين بدأ مع إرسال الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس، سنة 1936 بعثة فلسطينية لتعليم أبناء الكويت؛ ضمت الطلائع الأولى من المدرّسين الفلسطينيين، وكانت باكورة بعثات أخرى استمرت لسنوات.

عام 1948 (النكبة)، وبسبب الأوضاع التي أنتجها الاحتلال الإسرائيلي، زاد تدفق الفلسطينيين إلى الكويت عبر الأردن ومصر والعراق، إذ فتحت أبوابها لآلاف الشباب الباحثين عن عمل.

وانطلاقاً من العام المذكور، مروراً بعامي 1967 و1975 (شهد أعلى نسبة)، اعتُبرت الكويت أبرز البلاد التي أفسحت المجال أمام الفلسطينيين للقدوم إليها، ووفرت لهم فرص العمل والعيش ووجدوا فيها حرية نسبية مقارنة بغيرها من البلدان العربية.

وحتى عام 1991 شكّل العرب الفلسطينيون الجزء الأكبر من القوى العاملة في الكويت، إذ بلغ عددهم نحو 400 ألف من مجموع سكان البلاد (مليوني نسمة)، نصفهم ولد وعاش هناك.

وقوف منظمة التحرير الفلسطينية إلى جانب العراق (برئاسة صدام حسين) الذي كان يولي اهتماماً للقضية الفلسطينية، ضرب جذور العلاقة مع الكويت، بعد أن وصفت فلسطين الهجمات على العراق بأنها "خطر غاشم" و"عدوان يستوجب التصدي".

ليس ذلك وحسب، فقد زار الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، بغداد في غمرة الحرب، مؤكداً "موقف الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير الحازم إلى جانب العراق (..)".

وبسبب الغزو العراقي للكويت (1990) غادر نحو 200 ألف فلسطيني الكويت لأسباب مختلفة؛ بسبب الظروف الأمنية ونقص الغذاء وصعوبات الرعاية الطبية، والخوف من الاعتقال وسوء المعاملة عند الحواجز من قبل العراقيين.

وبسبب مساندة عرفات لموقف صدام حسين، شهد أسبوع منتصف مارس 1991، بعد تحرير الكويت من الجيش العراقي، رحيل باقي الفلسطينيين بشكل شبه كامل (200 ألف شخص).

-عودة الدفء

وبعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003 في العراق والدخول الأمريكي لبغداد، استعادت العلاقات الكويتية الفلسطينية، على المستوى الشعبي والرسمي عافيتها.

ومع تغيّر القيادات في فلسطين والعراق، واعتلاء محمود عباس سدة الحكم في السلطة عقب وفاة عرفات، قدّم اعتذاراً رسمياً للكويت سنة 2004، أعاد "الدفء الخجول" إلى العلاقات بين البلدين التي شهدت بروداً على مدار 15 عاماً، منذ ذلك الوقت.

وواصلت الكويت تقديم الدعم المادي والسياسي للقضية الفلسطينية، لكن بقيت العلاقات مع القيادات الفلسطينية في حالة تباعد وجفاء، لكن الكويت فتحت أبوابها لبعض الوفود والتجمعات والشخصيات الفلسطينية.

وخلال السنتين الأخيرتين استمرت العلاقات في التحسن، إذ عادت الساحة الكويتية تشكل قاعدة تمد الشعب الفلسطيني بالمال والمواقف السياسية، التي كان آخرها رفضها الموقف الأمريكي بشأن القدس.

ترجمة الدفء في العلاقات بدأت فعلياً بعد عودة الفلسطينيين إلى الكويت عام 2012، إذ بلغ عددهم 80 ألف شخص، ما استدعى إعادة فتح سفارة فلسطين هناك، بعد نحو ربع قرن من الانقطاع.

وفي سبتمبر 2014 وقّع الجانبان الفلسطيني والكويتي اتفاقين لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وتعزيز المشاورات السياسية، كانا بمثابة العودة الحقيقية على الصعيد الرسمي.

-على الصعيد الرسمي

عودة العلاقات بين فلسطين المحتلة والكويت برزت حين هاجم رئيس مجلس الأمة الكويتي، مرزوق الغانم، وفد الاحتلال، خلال المؤتمر الـ137 للاتحاد البرلماني الدولي، الذي انعقد في أكتوبر الماضي، بمدينة سانت بطرسبورغ الروسية.

الغانم قال مخاطباً رئيس الوفد الإسرائيلي: "اخرج من القاعة إن كان لديك ذرة من الكرامة (..) يا محتل يا قاتل الأطفال"، مضيفاً: إن "ما تمارسه إسرائيل هو إرهاب الدولة، وينطبق على هذا الغاصب المثل القائل إن لم تستح فاصنع ما شئت".

موقف الغانم الذي أشاد به أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أجبر الوفد البرلماني الإسرائيلي على الانسحاب من اجتماعات الاتحاد البرلماني، أثناء إقرار التقرير الخاص بأوضاع النواب الفلسطينيين في سجون الاحتلال.

هذا الموقف جعل صحفاً كويتية تحتفي بموقف الغانم، إذ عنونت صحيفة "السياسة" المحلية صفحتها الأولى بـ"الكويت تقود انتفاضة عربية ضد إسرائيل"، في إشارة إلى موقف رئيس مجلس الأمة.

احتفاء الفلسطينيين بالموقف الكويتي كان مختلفاً؛ إذ أطلقت بلدية مدينة "سلفيت" اسم الغانم على الشارع المحاذي لمستوطنة أرئيل المقامة على أراضي المدينة، وقالت إن ذلك "تقدير للمواقف الشجاعة التي قدمها تجاه القضية الفلسطينية".

-عودة المعلمين

مطلع 2016 كشف وزير التربية والتعليم العالي الكويتي السابق، بدر العيسى، النقاب عن إجراءات اتخذتها الحكومة الكويتية لإعادة توظيف المدرّسين الفلسطينيين، بعد قطيعة سنوات طويلة.

العيسى أرجع عودة الوزارة إلى الاستعانة بالمعلم الفلسطيني بعد انقطاع طويل، إلى" مستواه المرموق وتميزه في القطاع التعليمي خلال الفترة التي عمل بها في الماضي (حتى 1991)".

وفي تصريحات صحفية، قال إن القطاع التعليمي في الكويت كانت له تجربة ناجحة ومتميزة في الاستعانة بالمعلمين الفلسطينيين، حيث أثبتوا كفاءة وقدرة على إثراء العملية التربوية في الدولة، الأمر الذي ساهم في إقرار إعادتهم.

مواطنون فلسطينيون مقيمون في الكويت اعتبروا موافقة مجلس الوزراء الكويتي على طلب وزارة التربية والتعليم العالي السماح بإعادة التعاقد معهم، خطوة إيجابية وهامة لتطوير التعليم الذي بات يعاني من سلبيات أثرت على مخرجاته.

وتحقيقاً لتصريحات العيسى، فقد وصلت الدفعة الأولى من المعلمين إلى الكويت في أغسطس 2017، إذ تعاقدت وزارة التربية عن طريق بعثتها في رام الله مع 180 معلماً فلسطينياً، للعمل في المرحلة الثانوية في مادتي العلوم والرياضيات.

وكان المعلمون الفلسطينيون يعملون في الكويت لسنوات طوال، قبل صدور قرار بوقف التعاقد معهم؛ بسبب الموقف السياسي من غزو الكويت، وقد شكلوا جزءاً كبيراً من قطاع التعليم.

-الدعم المالي

صرفت دولة الكويت في قطاع غزة حتى العام الماضي 2017 نحو 200 مليون دولار أمريكي، عبر تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار وإصلاح البنية التحتية، فضلاً عن المساهمة في تنفيذ مشاريع بناء وترميم مساجد ومدارس.

وساعدت كذلك في تقديم مساعدات نقدية عاجلة لأصحاب البيوت التي دمرت بشكل كامل، خلال الحروب الثلاثة على غزة (2008، 2012، 2014)، وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية للجرحى.

كما قدمت المساعدات والطرود الغذائية للأسر التي نزحت عن بيوتها، ونفّذت مشروع إعادة إعمار 202 وحدة سكنية في القطاع (التخصيص الرابع)، بأكثر من 6 ملايين دولار، بتمويل من برنامج دول مجلس التعاون لإعادة إعمار غزة.

ومطلع العام الجاري 2018، تعهدت الكويت بتقديم نصف مليون دولار أمريكي لدعم أجندة منظمة العمل الدولية بشأن "العمل اللائق" في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك في إطار دعمها السنوي المستمر.

وعلى صعيد ليس بعيداً، استجابت الكويت لمناشدة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بشأن الأزمة الإقليمية في سوريا، إذ تبرعت بـ900 ألف دولار أمريكي للوكالة الأممية المعنية بالفلسطينيين في الشرق الأوسط.

هذا كله يشير إلى عودة العلاقات الفلسطينية الكويتية إلى ما قبل القطيعة، بما يجسد إيمان الكويت بالقضية الفلسطينية، وحاجة السلطة للدعم الكويتي.