علاقات » عربي

ما هي رهانات أوّل جولة خارجية لولي العهد السعودي؟

في 2018/03/08

DW- عربية- إسماعيل عزام-

القاهرة ثم لندن فواشنطن. يتعلّق الأمر بأوّل جولة خارجية بهذا الحجم يقوم بها الأمير محمد بن سلمان منذ صعوده إلى منصب ولي العهد. فماهي أهدافه من وراء هذه التحرّكات؟ وما هي أبرز التحديات التي قد تواجهه؟.

جذبت زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للندن الأنظار وقوبلت باهتمام شديد من قبل وسائل الإعلام البريطانية والعالمية. فاللقاءات التي سيجريها الأمير صاحب النفوذ القوي في الشرق الأوسط لن تكون مجرّد مقابلات ديبلوماسية مع "الصديق القديم" لبلاده كما علق مكتب رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، بل ستفتح هذه اللقاءات "فصلاً جديداً" في مسار علاقات الطرفين، وفق وصف المكتب المذكور.

مكتب ماي أشار كذلك إلى أن السعودية تعدّ "القوة الأكبر سياسياً وديبلوماسياً واقتصادياً في الشرق الأوسط"، لافتاً إلى أن ملفات الزيارة ستتطرّق إلى تنسيق التعاون لمواجهة عدة تحديات منها "الإرهاب والتطرّف والصراع الدائر في اليمن وكذلك الأزمة الإنسانية في ذلك البلد، علاوة على ملفات إقليمية أخرى مثل العراق وسوريا، كما ستتمحور حول المساهمة الاقتصادية لبريطانيا في رؤية 2030 التي أعلن عنها محمد بن سلمان.

وقد حطّ بن سلمان الرحال في لندن قادماً من القاهرة، بعد زيارة التقى فيها بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أعاد الطرفان خلالها التأكيد على مواقفهما ضد قطر والإرهاب وإيران، فضلاً عن تعزيز علاقاتهما الأمنية والسياسية والعسكرية. كما أكدا على تطابق وجهات النظر حول إقامة دولة فلسطينية مستقلة. ومن المرتقب أن يتوجه بن سلمان إلى واشنطن بعد مغادرته لندن.

تقوية العلاقة مع الحليفين

اختيار بن سلمان لبريطانيا والولايات المتحدة دون غيرهما من الدول الغربية، يطرح الكثير من الأسئلة حول خارطة التحالفات القادمة للرياض خارج منطقة الشرق الأوسط، فالعلاقة متوترة للغاية بين السعودية وألمانيا على خلفية رفض هذه الأخيرة الاستمرار في بيع أسلحتها للأولى على خلفية الحرب في اليمن، والتصريحات بين الطرفين حملت تصعيداً واضحاً وصل إلى حدّ قول عادل الجبير، وزير الخارجية السعودية لبرلين: "لا نحتاج أسلحتهم.. سنجدها في مكان آخر".

أما فرنسا، فهي تحمل بعض المواقف التي لا تروق للسعودية، خاصة استخدام إيمانويل ماكرون للفظ "حصار" في حديثه عن الأزمة الخليجية ومطالبته الدول المقاطعة برفعه فوراً عن قطر. وكذا ضغطه لأجل عودة سعد الحريري من السعودية إلى لبنان. وفضلاً عن التباين في بعض الملفات السياسية، أشارت وسائل إعلام فرنسية، منها مجلة "شالنج" أن الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية بين باريس والرياض، التي كان من المفروض أن تتم في عهد الرئيس السابق فرانسوا أولاند لم تكتمل، وهو ما أثار حنقاً فرنسياً رسمياً وفق المجلة التي أشارت إلى أن ماكرون يحاول ترميم هذا الخلاف مع الرياض.

ولم يقف الاتحاد الأوروبي عموماً إلى جانب الرياض في الأزمة الخليجية، إذ كان الموقف الرسمي لهذه المنظمة القارية هو دعم حل سياسي يجمع كل الأطراف على طاولة حوار ترعاها دولة الكويت. كما أن الاتحاد ذاته طالب بعدم التدخل الخارجي في الشأن اللبناني، وهو ما فسرته وسائل إعلام متعددة بكون الاتحاد يشير إلى السعودية، زيادة على أن البرلمان الأوروبي، صوّت مؤخراً على قرار يُوصي بحظر تصدير الأسلحة للسعودية بسبب حرب اليمن.

كلها معطيات قد تدفع السعودية إلى التركيز أكثر على صديقتها القديمة في أوروبا، أي بريطانيا التي قررت الخروج من الاتحاد القاري ولم تعد ملزمة بقراراته، رغم أن الرياض لا تزال تحتفظ بعلاقات ديبلوماسية مع بروكسل تترجمها لقاءات متعددة.

وبخصوص العلاقات الأمريكية-السعودية، فهي تمرّ حالياً بواحدة من أزهى فتراتها، إذ وقع الطرفان عقوداً اقتصادية تجاوزات 400 مليار دولار، ومباشرة بعد هذه الصفقة الخيالية، جاء موقف دونالد ترامب مسانداً للسعودية في خلافها مع قطر. علما أن واشنطن تربطها علاقات عسكرية بقطر، ورغم أن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون حاول البقاء على الحياد. كما يتفق الجانبان على موقف واضح ضد إيران، فضلاً عن دعم واشنطن للسعودية في الحرب ضد الحوثيين داخل اليمن.

لغة المصالح تنتصر

وصرّح بن سلمان لجريدة التلغراف البريطانية أن بلاده ترغب بمحاربة الإرهاب والتطرّف لأجل بناء الاستقرار في الشرق الأوسط، متحدثاً عن أن التعاون مع السعودية سيعطي ثماراً واضحة في مجال الأمن. كما قال حول مسألة حقوق الإنسان إن بلاده ليست الأفضل على الصعيد العالمي، لكنها تتطور وقطعت شوطا مهما في وقت قصير.

كما أجاب عن سؤال يخصّ مستقبل العلاقات الاقتصادية بين الرياض ولندن، بعد "البريكست" ، إذ قال إن هناك فرصاً كبيرة للبريطانيين في إطار رؤية 2030 التي يريد منها بن سلمان تنويع الاقتصاد المحلي بدل أن يكون معتمداً بشكل كامل على النفط. تصريحات الأمير السعودي تتطابق مع ما أكده مكتب تيريزا ماي، إذ تظهر الخطط البريطانية واضحة لتمديد التعاون مع الرياض والاستفادة من كعكة المشروع الذي يعدّ الأكبر من نوعه في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمملكة.

وعلاوة على رغبة بريطانيا تقوية حضورها في الاقتصاد السعودي، حتى يصل إلى دورها في سلّم التسليح، إذ تعدّ ثاني بلد يصدّر الأسلحة للرياض بعد الولايات المتحدة، فتيريزا ماي ترغب بتقليص خلافاتها مع القيادة السعودية حول الاتفاق النووي الإيراني، وهو خلاف صغير ينبغ من دفاع لندن عن استمرار الاتفاق بينما تعرب الرياض أكثر من مرة تخوفها من قدرات إيران النووية، ولا ترفض أن يتم تشديد المراقبة أكبر عليها في هذا الجانب.

وتبقى المصالح المتبادلة رهان بن سلمان في جولته الجديدة، فتقوية خارطة التحالف مع لندن وواشنطن من شأنه إيجاد دعم دولي لخطط السعودية الداخلية والخارجية، بينما تنظر الدولتان الغربيتان إلى المشاريع الاقتصادية السعودية كمساحةَ لتحقيق مزيد من الأرباح وخلق فرص العمل. وما سهّل من مهمتهما هي الإصلاحات الاجتماعية التي أعلن عنها بن سلمان، خاصة ما يتعلّق بحقوق المرأة وتخفيف القيود على حرية الأفراد في الترفيه. ويقدم جزء من الطبقة السياسية في بريطانيا وأمريكا هذه الإجراءات الليبرالية كدليل لتطوّر حاصل في السعودية.

حرب مؤرقة

 لكن بن سلمان يواجه بعض التحديات في بريطانيا، أولها الاحتجاجات على زيارته من قبل نشطاء ينددون بوضع حقوق الإنسان في السعودية وكذلك استمرار الحرب على اليمن ويطالبون بوقف بيع لندن الأسلحة للرياض. وقد وجه في هذا السياق، زعيم حزب العمال البريطاني المعارض، جيريمي كوربين، طلباً لرئيسة الوزراء حتى تخيّر الأمير السعودي بين وقف الحرب داخل اليمن وبين تعليق بلادها تصدير الأسلحة للرياض.

كما يواجه بن سلمان تحدي تراجع شعبية الرئيس دونالد ترامب داخل الولايات المتحدة والانتقادات الكبيرة الموجهة لأدائه على الصعيدين الداخلي أو الخارجي. كما وضع الوقوف القوي للإدارة الأمريكية إلى جانب إسرائيل في مسألة القدس، الرياض في حرج كبير، ممّا جعلها تندّد بالخطوة بشكل رسمي وتكون ضمن الأغلبية التي صوتت ضدها في الجمعية العامة للأمم المتحدة.