علاقات » عربي

"بن سلمان" و"ترامب" صفقة جديدة حول سوريا.. من سيدفع الثمن؟

في 2018/03/24

الخليج أونلاين-

يوماً بعد يوماً تتكشّف حقيقة أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، يعتمد على الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في حسم ملفّات معقدّة كملفي سوريا واليمن، ومن خلفهما النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط؛ عبر تقديم تنازلات في ملفّات أخرى أكثر تعقيداً كمصير قضية فلسطين والثورة السورية وربما الأزمة الخليجية.

ويبدو جليّاً أن وليّ العهد السعودي يعتمد إلى حدٍّ كبير في ترتيب أوراقه على شخصية ترامب الميّالة إلى المال، ومن ثم فإن الحاكم الفعلي للسعودية يسعى لإنهاء أزماته السياسية عبر صفقات مالية، وهو ما بدا جليّاً خلال الشهور الأخيرة.

بن سلمان، ومنذ سيطرته على زمام الأمور العام الماضي، أبدى موافقة كبيرة (ولو سراً) على صفقة القرن التي يسعى ترامب من خلالها لتصفية قضية فلسطين وتحويل القدس المحتلة إلى عاصمة يهودية، وقطع شوطاً كبيراً في طريق التطبيع مع دولة الاحتلال، وأشواطاً أخرى في طريق إدخال بلاده عصر "الانفتاح"، ومع ذلك فإن ثمة مخاطر كبيرة تحيط بأحلامه في السلطة.

الأمير السعودي وإن كان يطمع في وضع المملكة كلها "في جيبه"، كما تقول الصحف الغربية، فإنه يواجه حرباً ضروساً في الداخل، ومن ثم فإن خصمه الإقليمي الشرس؛ إيران، قد يستغل هذا التمزّق الداخلي ليبدأ مواجهة مباشرة معه، أو ليزيد من مواجهته غير المباشرة الدائرة في اليمن، ومن ثم يصبح لجوء بن سلمان إلى البيت الأبيض أمراً لا مفرّ منه.

- تبدل الموقف من المعارضة

شهد العام الماضي تغيراً كبيراً في الموقف السعودي تجاه الأزمة السورية وتراجعاً في دعمها للمعارضة التي قالت إن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير طالبها بالقبول ببقاء الأسد في السلطة أو البحث عن داعمين آخرين.

وفي أغسطس 2017، نقلت "روسيا اليوم" عن مصدر في المعارضة السورية أن الجبير أبلغ الهيئة العليا للمفاوضات بأن الأسد باق.

وأضاف المصدر "الوزير السعودي قال للهيئة العليا للمفاوضات إن عليها الخروج برؤية جديدة وإلا ستبحث الدول عن حل لسوريا من غير المعارضة؛ لأن الوقائع تؤكد أنه لم يعد ممكناً خروج الأسد في بداية المرحلة الانتقالية.

وكان رياض حجاب، رئيس الهيئة العليا للمفاوضات السورية، وكبير المفاوضين، ومحمد صبرا والمعارضة سهير الأتاسي، أعلنوا، نوفمبر الماضي، استقالتهم من مناصبهم بالهيئة، قُبيل مؤتمر الرياض للمعارضة السورية، الذي عقد بعدها بأيام، في حين أعلن ثمانية أعضاء بالهيئة الاستقالة أيضاً، وهو ما أكدت الأتاسي لـ"الخليج أونلاين" حينها، أنه جاء اعتراضاً على تبدل الموقف السعودي من الأسد.

- صفقة جديدة

صحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية ذكرت، السبت 17 مارس 2018، أن ترامب طالب العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، نهاية العام الماضي، بدفع أربعة مليارات دولار؛ مؤكّدة أن الأمر يتعلّق بصفقة أمريكية- سعودية جديدة لخروج الولايات المتحدة من سوريا، وتسوية الصراع الدائر هناك منذ سبع سنوات.

ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تسمّها، أن الرئيس الأمريكي "طلب في اتصال مع الملك سلمان، في ديسمبر 2017، أربعة مليارات دولار لإنهاء الالتزامات الأمريكية بسوريا، وتعجيل خروج قواتها منها".

وتقول الواشنطن بوست إن الرئيس الأمريكي يسعى -بعد انتهاء الحرب السورية- لمنع رئيس النظام السوري بشار الأسد وشركائه، الروس والإيرانيين، من المطالبة بالمناطق التي تم تحريرها من تنظيم الدولة، كما أنه يحاول أيضاً منع التنظيم من إعادة ترتيب صفوفه.

ومن المتوقع، بحسب الصحيفة، أن يتم وضع اللمسات النهائية للاتفاق خلال زيارة بن سلمان لواشنطن، بحيث تدفع السعودية المبلغ المطلوب، وإن كانت تعتقد أنه أكبر من اللازم، وهو ما تبيّنت إشاراته لاحقاً بعقد أول الصفقات بأكثر من مليار دولار.

ومن المقرّر أن يزور ولي العهد السعودي العاصمة الأمريكية، الاثنين 19 مارس 2018، على أن يلتقي الرئيس دونالد ترامب، الثلاثاء، في البيت الأبيض.

وتتزامن هذه الأحاديث مع الذكرى السابعة لاندلاع الثورة السورية ضد بشار الأسد، كما أنها تتزامن وتفاهمات كبيرة بين الرياض وواشنطن في عدد من الملفّات المهمة، في مقدّمتها "صفقة القرن" التي باتت أشبه بطاولة بمولد "ترامبي" يقصده كل من له حاجة في البيت الأبيض لتقديم القرابين على حساب قضية فلسطين وحقوق أهلها.

لكن اللافت فيما كشفته الواشنطن بوست هو أن الحديث يدور هذه المرة عن سوريا، التي أوشك نظام الأسد على استعادة السيطرة السياسية والعسكرية عليها بدعم من الروس والإيرانيين، ما يعني أن طهران، خصم السعودية الإقليمي، على وشك تعزيز وجودها العسكري والسياسي بالقرب من الرياض.

وفي حال تمكّن النظام السوري من إخماد الثورة تماماً، فإن إيران ستجد من الوقت ما تلتقط فيه أنفاسها وتعيد ترتيب أوراقها، في حين أن السعوديين غارقون في مستنقع اليمن حتى أنوفهم، الأمر الذي يعزّز احتمالية أن يسعى بن سلمان لإخراج نفسه من مأزق اليمن ويأمن مخاطر الوجود الإيراني في دمشق على حساب السوريين، ومن قبلهم الفلسطينيون.

اللهجة الأمريكية خلال الأسابيع الأخيرة تشي بأن شيئاً ما يتم ترتيبه في البنتاغون بشأن سوريا، وهو ما أكّدته المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة، نيكي هالي، الخميس 15 مارس 2018، أمام مجلس الأمن؛ عندما قالت إن بلادها مستعدّة للتحرّك ضد الأسد، مضيفة أن واشنطن لا تريد هذا الخيار لكنها دائماً مستعدّة له كما حدث سابقاً، في إشارة إلى قصف البوارج الأمريكية لقاعدة الشعيرات السورية، في أبريل من العام الماضي.

وبالتزامن مع تهديدات هالي، قالت وزارة الدفاع الروسية، السبت 17 مارس 2018، إن الولايات المتحدة حشدت قواتها البحرية استعداداً لضرب مواقع تابعة للأسد بصواريخ كروز، وإن هذه القوات مستعدّة للتنفيذ في أي وقت.

- تهديد إيران بضرب الأسد

زيارة بن سلمان لواشنطن سبقتها تحذيرات وترتيبات تمهّد لتحرّك أمريكي يمكن خلاله لترامب أن يُحدث تغييراً في الساحة السورية لمصلحته أولاً، ثم لمصلحة حلفائه ثانياً، خاصة أنه لم يتبقَّ كثير من الوقت على حسم الموقف الأمريكي من اتفاق إيران النووي، والذي يأتي في القلب من مناقشات الرياض وواشنطن بكل تأكيد.

وقبل وصوله للبيت الأبيض، دافع ترامب لفترة طويلة عن بقاء الأسد في السلطة، في حين كانت واشنطن تقاتل ضد تنظيم الدولة في سوريا. وأكّد ترامب أن إراقة الدماء في سوريا كانت نتيجة لسياسة ضعيفة في ظل إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما.

لكنه وبعد ثلاثة شهور من جلوسه على المكتب البيضاوي وجه ضربة للأسد رداً على استخدامه أسلحة كيميائية في خان شيخون، وكان ذلك تغيّراً جذرياً في السلوك الأمريكي تجاه الأزمة السورية، والذي اعتمد التدخل عسكرياً.

ولاحقاً ظلّ ترامب وأعضاء إدارته يجدّدون تأكيد أن لا مكان للأسد ولا لعائلته في سوريا المستقبل، في حين كان الأسد وحلفاؤه يحققون انتصارات كبيرة على الأرض حتى لم يعد أمامهم إلى السيطرة على غوطة دمشق الشرقية لإنهاء الثورة بشكل عملي.

ومنذ أكثر من شهر يشنّ الأسد والروس غارات هي الأكثر دموية وانتهاكاً للقوانين الدولية على الغوطة المحاصرة منذ 2013، وقد تمكّنوا من السيطرة على جزء كبير منها بعدما شطروها إلى ثلاثة أجزاء، وهم الآن على وشك إحكام قبضتهم عليها.

السعودية فشلت أيضاً في جرّ لبنان إلى صفّها في حربها مع "حزب الله"، ذراع إيران في بيروت، ولم يفلح تقرّبها من العراق وأئمّته الشيعة في التوصّل لاتفاق تحت الطاولة يضمن لها نصراً ولو شكليّاً في اليمن، ولم يعد أمامها على ما يبدو إلا القبول ببقاء الأسد والتخلّي عن المعارضة السورية وسيلة لفتح حوار مع طهران ولكن من خلال واشنطن هذه المرة.

وفي الوقت الحالي، تقاتل إيران للإبقاء على اتفاقها النووي مع الغرب، وقد يساومها ترامب، بناء على صفقة مع بن سلمان، على تمديد العمل بالاتفاق مقابل تخفيف ضغوطها على حليفه السعودي الذي يعاني نزيفاً موجعاً بسببها على حده الجنوبي.

قد يوجّه ترامب إذن ضربة للأسد كنوع من إبداء الجدية في التهديدات لدفع الإيرانيين لقبول الدخول في مفاوضات يمنحهم خلالها شيئاً في سوريا أو في اتفاقهم النووي مقابل منح بن سلمان شيئاً في اليمن.

وفي هذا التوقيت الحرج من عمر الثورة السورية إذن بدأت الأحاديث عن صفقة أمريكية سعودية لسحب القوات الأمريكية من سوريا وتسوية الأوضاع هناك، لكن من دون أن تتكشّف الأسباب التي حدت بالرياض إلى هذه الصفقة ولا النتائج التي ستترتّب عليها، ولا من سيدفع ثمن تمريرها.