علاقات » عربي

ولي عهد «الفوضى» يبحث عن طوق النجاة في واشنطن

في 2018/03/24

فورين بوليسي- ترجمة شادي خليفة -

تأتي زيارة «محمد بن سلمان» الأولى إلى الولايات المتحدة، وهو في منصبه كولي للعهد وحاكم منتظر للمملكة العربية السعودية، في الوقت الذي تشهد فيه العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية نقطة تحول غير مسبوقة منذ عقود.

ومنذ عام 2015، ركز «بن سلمان» مفاتيح السلطة في يده إلى درجة لم يسبق لها مثيل في التاريخ السعودي الحديث، وبينما يبشر ولي العهد بجهوده لتحويل الاقتصاد السعودي، فإن التغيرات في ميزان القوى في المملكة تعمل على تغيير طبيعة الدولة السعودية.

وقد تلاقت حالة عدم القدرة على التنبؤ بتحركات الرياض مع حالة آنية أخرى أصبحت معها صناعة السياسة الأمريكية نفسها أكثر تقلبا في ظل إدارة الرئيس «دونالد ترامب».

والنتيجة هي حالة من عدم اليقين المتنامي في الشرق الأوسط، حيث يصبح اتخاذ القرار في كلا الجانبين شخصيا أكثر، ويتحرك بعيدا عن الأساس المؤسسي الذي طالما أرسى العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والمملكة.

وقال ولي العهد في مقابلة أجراها مؤخرا مع برنامج «60 دقيقة» إن «الموت فقط» هو ما قد يوقف صعوده، ومع تزايد التوترات الإقليمية مع إيران مرة أخرى، وعدم انتهاء الحروب في اليمن وسوريا، تأتي طموحاته في وقت متقلب بشكل خاص بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

تدمير النظام

ويحاول «محمد بن سلمان» إعادة صياغة المملكة التي أنشأها جده الملك «عبدالعزيز» عام 1932، والتي تم حكمها منذ وفاة «عبدالعزيز» من قبل أبنائه، ليكون آخرهم الملك «سلمان».

وما يفعله «بن سلمان» يعد تدميرا للنظام الذي تم إرساؤه في المملكة بحكم العرف بعد وفاة الملك «عبدالعزيز» عام 1953، عندما توزعت السلطة السياسية عبر وسطاء قوة متعددين، الأمر الذي زود المملكة بنظام غير رسمي من الضوابط والتوازنات.

وفي حين أن المؤسسات الرسمية كانت بالكاد موجودة خلال عهد «عبدالعزيز» الطويل، خلق أبناؤه العديد من الآليات الحديثة للحكومة بعد وفاته، وانتقلوا إلى الحكم بالأقدمية لعقود.

وقد تم تعزيز السلطة عبر مجموعة من «الإقطاعيات الأميرية» التي كانت تزدهر بمرور الوقت مع نمو أبناء «عبدالعزيز». وفي حين أن وجود مراكز ثقل متعددة يعيق الحكومة وفعاليتها، ويعني أن عملية صنع القرار قد تكون بطيئة بشكل مؤلم، لكنها تعمل مع ذلك كحصن ضد ممارسة السلطة غير المقيدة من قبل فرد واحد.

لكن الشخصيات الرئيسية في المؤسسة السياسية السعودية قد ماتت خلال العقد الماضي، تاركة الملك الحالي كآخر رجل من جيله من بناة الدولة.

وقد توفي ولي العهد الأمير «سلطان» عام 2011، بعد 48 عاما من توليه منصب وزير الدفاع، وتوفي خلفه ولي العهد، الأمير «نايف»، بعد ذلك بعام، بعد 37 عاما قضاها كوزير للداخلية، وتوفي كل من الملك «عبدالله»، الذي ترأس الحرس الوطني لمدة 48 عاما، والأمير «سعود الفيصل»، الذي شغل منصب وزير الخارجية لمدة 40 عاما، في عام 2015.

وكانت وفاة هؤلاء الرجال الأربعة، وخروجهم من السلطة السياسية، تعني أن قيادة المؤسسات السعودية أصبحت في يد جيل جديد يدعو للإصلاح.

ورغم إزالة هذه الحواجز فإن «بن سلمان» قد واجه معارضة «غير رسمية» داخل العائلة المالكة ضد تراكم السلطة في يده.

ولم تكن الحكومة السعودية أبدا حكومة الرجل الواحد، لكن القرارات التي اتخذها «بن سلمان» منذ أن حل محل ابن عمه، «محمد بن نايف»، الذي كان ولي عهده حتى يونيو/حزيران الماضي، يبدو أنها تتحرك بالمملكة في هذا الاتجاه.

واحتل اعتقال العشرات من كبار الأمراء وأعضاء نخبة رجال الأعمال السعوديين، في فندق «ريتز كارلتون» بالرياض في نوفمبر/تشرين الثاني، عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم، وتم تصويره كجزء من حملة قمع واسعة النطاق ضد الفساد.

وعلى الرغم من أنها ليست بالأهمية نفسها، لكنه كانت هناك موجة اعتقالات سابقة في سبتمبر/أيلول عام 2017، استهدفت الصحفيين ورجال الدين والناشطين السياسيين، ما أدى إلى الضغط على المساحات المحدودة أصلا للأصوات المستقلة في المملكة.

التوجه إلى واشنطن

وقد ألقى «بن سلمان» بثقله ومستقبله وراء «رؤية 2030»، وخطة الإصلاح الاقتصادي، وتحويل الاقتصاد والمجتمع السعوديين.

ومع ذلك، فقد وجد صعوبة في ترجمة الكلمات إلى واقع عملي؛ حيث نجد عدم اليقين المستمر بشأن بيع 5% من «أرامكو» السعودية، بعد أكثر من عامين من إعلان «بن سلمان» عن الخطة، كدليل على مدى طموحاته على الصعيد الاقتصادي.

وكان برنامج التحول الوطني لعام 2020، الذي كان يقصد منه العمل جنبا إلى جنب مع رؤية 2030، قد تم تجديده بشكل كبير لجعله أكثر تركيزا، وقد تأجلت محاولات تنفيذ إصلاحات حساسة سياسيا، مثل تقليص العلاوات والدعم، وانعكس ذلك في صورة قلق عام، ما يوحي بأن ولي العهد لم يقم بعد بتكوين ما يكفي من رأس المال السياسي لدفعه.

وخلال زيارته متعددة الأغراض للولايات المتحدة، سيسعى «بن سلمان» إلى طمأنة المستثمرين المحتملين حول الشفافية فيما يخص حملة التطهير المناهض للفساد وعواقبها.

وسيكون هؤلاء المستثمرون حذرين بشكل خاص حول ضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد السعودي، بعد تقرير حديث نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» عن سوء المعاملة والاستيلاء القسري على أصول المعتقلين.

وفي حين تركز زياراته إلى نيويورك وتكساس وكاليفورنيا على ضمان الشراء الأمريكي لأجندته المحلية، اكتسبت زيارة «بن سلمان» إلى واشنطن أهمية أكبر منذ الإقالة المفاجئة لوزير الخارجية الأمريكي «ريكس تيلرسون».

وليس سرا أن المسؤولين السعوديين، ونظرائهم في الإمارات العربية المتحدة، قد شعروا بأن «تيلرسون» يعارض موقفهم المتشدد من الحصار المفروض على قطر، وكان عاملا لتخفيف معارضة الرئيس للإبقاء على الاتفاق النووي الإيراني، الذي ورثه عن الرئيس «باراك أوباما».

وقد قضى «بن سلمان» ونظيره الإماراتي، ولي عهد أبوظبي الأمير «محمد بن زايد»، جهدا كبيرا في استمالة «ترامب» وصهره ومستشاره، «جاريد كوشنر»، بمجرد توليهما المنصب.

لكنهما عانا من انتكاسات في الأشهر الأخيرة، عندما انقلب «ترامب» 180 درجة عن موقفه في الصيف الماضي، ودعم علنا ​​أمير قطر كشريك للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، بينما تورط «كوشنر» في سلسلة من المزاعم بشأن سلوكه في الفترة التي سبقت الحصار على قطر.

وسوف يؤيد «محمد بن سلمان» و«محمد بن زايد» ترشيح «مايك بومبيو» بدلا من «تيلرسون» كفرصة لاستعادة الزخم الذي شعروا به خلال زيارة «ترامب» للرياض في مايو/آيار عام 2017.

وكعضو في الكونغرس، قام «بومبيو» بتبني المواقف المعادية لجماعة «الإخوان المسلمون»، والمواقف المناهضة لإيران، متماشيا مع نفس مواقف الرياض وأبوظبي، ولذلك قد يستخدم المسؤولون السعوديون والإماراتيون تعيينه «المعلق» كذريعة لجولة جديدة من الضغوط تهدف إلى عزل قطر مرة أخرى، وإلغاء الاتفاق النووي الإيراني، قبل الموعد النهائي الذي حدده «ترامب» لنفسه في مايو/آيار لـ«إصلاحه».

وفي الواقع، قد يكون «ترامب» و«بن سلمان» انعكاسا لبعضهما البعض، فخلال فترة رئاسته التي دامت 14 شهرا، صب «ترامب» استياءه على المؤسسات الأمريكية، من مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى وزارة الخارجية، وكان سلوكه في السياسة الخارجية غير قابل للتنبؤ به، وعرضه للإعلانات غير المتوقعة.

كما اتخذ ولي العهد السعودي قرارات بدت كأنها متهورة وغير مدروسة، مثل إطلاق الحرب في اليمن، وحصار قطر، واحتجاز رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري».

ومع انشغال البيت الأبيض بالتطورات الداخلية، وانشغال «بن سلمان» بالكفاح لإظهار عوائد سياساته الإقليمية، تأتي زيارة الملك المنتظر على خلفية التوترات التي قد تطغى على العلاقات الأمريكية السعودية لبعض الوقت فيما هو قادم.