ماتياس فون هاين- DW- عربية-
قبل ثلاث سنوات تدخلت السعودية عسكريا في النزاع اليمني، ومع هذا التدخل تدهور الوضع بشكل دراماتيكي. وبدوره يتحمل الغرب أيضاً مسؤولية الكارثة التي حلت باليمنيين كما يرى ماتياس فون هاين في تعليقه التالي.
تحدث كوارث إنسانية عقب تسونامي أو عواصف قوية أو كوارث طبيعية أخرى، لكن هناك كوارث إنسانية سببها البشر، وهذه الأخيرة تكون صعبة التحمّل على غرار أصعب وأكبر كارثة إنسانية في العالم حلت باليمن. قبل ثلاث سنوات تدخلت السعودية عسكريا في النزاع الداخلي اليمني- كأول استعراض قوة في السياسة الخارجية لولي العهد الحالي محمد بن سلمان. وبعد حوالي 1000 يوم من بدء الحرب وقع حوالي 17.000 هجوم جوي ثلثها على أهداف مدنية. وقد بات البلد الأفقر في العالم العربي قبل هذا التدخل مدمرا في هذه الأثناء. ويحتاج ثلاثة أرباع السكان إلى المساعدة للبقاء، أي 22 مليون شخص ما يزيد على نصفهم من الأطفال. وقتلت الهجمات الجوية نحو 10.000 شخص بشكل مباشر، إلا أن الجوع والأمراض مثل أكبر وباء للكوليرا في العالم تتسبب في موت عدد أكبر من اليمنيين.
اللاعب الأقوى، لكنه ليس المسؤول الوحيد
ليست السعودية المسؤول الوحيد عن الكارثة اليمنية، لكنها تبقى اللاعب الأقوى. وحتى لو أن الحوثيين الخصوم الأساسيين للتحالف الذي تقوده السعودية يتحملون مسؤولية جرائم ضد الإنسانية، فإنه لا يمكن تبرير سلسلة حملة القصف السعودية بأي شيء. وهذا ينطبق في المقام الأول على الحصار السعودي المفروض على الموانئ في البحر الأحمر. ففي بلاد مجبرة على استيراد 90 في المائة من مواد غذائها والأدوية والمنتجات الطبية وكذلك الجزء الأكبر من الوقود، يُعتبر ذلك عقوبة جماعية مفروضة على كافة السكان المدنيين في البلاد. وكملاحظة جانبية يجب القول بأن ذلك يحصل دون تحقيق هدف الحصار، ألا وهو منع تهريب الأسلحة والذخيرة. وقد اتهم خبراء في الأمم المتحدة العربية السعودية في يناير باستغلال الجوع كسلاح في هذه الحرب ـ وهذه جريمة حرب واضحة
تشكو العربية السعودية والغرب بحق من الدعم الإيراني للحوثيين. ولكن في الوقت الذي تُواجه فيه إيران العقوبات، تمكن محمد بن سلمان الأسبوع الماضي من التفاوض مع دونالد ترامب على صادرات أسلحة إضافية. ولكن حتى ألمانيا تبيع أسلحة لتحالف الحرب التي تقودها السعودية، في السنة الماضية باعت بقيمة نحو 1.3 مليار يورو. وفي الأسبوع الماضي تمت الموافقة على تسليم ثمان سفن دوريات ألمانية للعربية السعودية. وهذه المشاركة المباشرة في النزاع هي إعلان فشل أخلاقي يجب إنهاؤه.
أضف إلى ذلك أن السعودية لم تحقق أيا من أهداف حربها. فالبلاد اليوم أقل أمنا مما كانت عليه قبل ثلاث سنوات. وعوض درء التأثير الإيراني تم دفع الحوثيين إلى أحضان طهران. وأكثر من ذلك لدى إيران في اليمن إمكانية إزعاج خصمها الجيو استراتيجي دون تكاليف كبيرة. والمستفيد من الحرب هم بالأخص القاعدة والفرع المحلي لما يُسمى تنظيم "داعش".
لا أحد بمقدوره كسب هذه الحرب
لا يمكن لأي من أطراف النزاع كسب هذه الحرب. ومن غير المعروف هل ستبقى اليمن كبلاد متماسكة أو أن تتقسم إلى أجزاء، لذلك من الضروري الآن ممارسة الضغط على أطراف النزاع وفي مقدمتهم السعودية، لأن الوقت يضغط. وكأول إجراء لا بد من رفع الحصار كليا عن الموانئ والمطارات. ويجب ضمان إيصال المؤن للناس وحصول منظمات الإغاثة مجددا على إمكانية العمل.
ومن جانب الحوثيين تصدر إشارات الاستعداد للتفاوض. ويوجد مبعوث أممي جديد خاص بالنزاع اليمني. وهذه الفرصة يتوجب على الرياض استغلالها ـ حتى ولو أنه من الصعب على السعوديين قبول مشاركة الحوثيين في إحلال نظام ما بعد الحرب. وأخيرا ولكي تدب الحركة في النزاع اليمني الذي يراوح مكانه، لابد من وضعه على أجندة المجتمع الدولي الذي فضّل للأسف غض النظر عنه حتى الآن.