إيكونوميست- ترجمة فتحي التريكي -
يعد ميناء بربرة في أرض الصومال، الولاية الانفصالية غير المعترف باستقلالها شمال الصومال، بشكل عام مكانا هادئا حيث تبلغ الحرارة فوق 50 درجة في فصل الصيف وهي كفيلة بخنق كل حي حتى الكلاب. لكن زوار الميناء اليوم يلاحظون حركة ونشاطا، فعلى حافة البلدة، تحولت بيوت التجار العثمانيين، التي تعود للقرن التاسع عشر إلى رمل وركام حيث تبرز بنايات جديدة. وفي البحر، توجد عدد من السفن تنتظر بكسل، فيما يقوم زورق من دبي بسحب رافعة ضخمة باتجاه الشاطئ.
يتعلق كل هذا النشاط بميناء جديد تبنيه شركة موانيء دبي العالمية وهي شركة مملوكة في معظمها لحكومة دبي في الإمارات العربية المتحدة. وحتى الآن، كان ميناء بربرة الصغير يستخدم على الأغلب في تصدير الماشية إلى دول الخليج واستيراد البضائع إلى هرجيسا عاصمة أرض الصومال. ومع ذلك، على مدى العقد المقبل أو نحو ذلك، وبفضل موانئ دبي العالمية، يمكن أن يتحول إلى واحد من أكبر موانيء شرق أفريقيا.
ويعتبر ذلك الميناء، جنبا إلى جنب مع مشروع الإمارات الآخر في بربرة لبناء قاعدة عسكرية تذكيرا قويا بالكيفية التي يغير بها المال منطقة القرن الأفريقي، ولكنه أيضا يخاطر بتفاقم الصراع بين الحكومة الفيدرالية الصومالية الضعيفة والمعترف بها دوليا في مقديشو ومناطقها المضطربة الانفصالية.
أهمية مضاعفة
يعد ميناء بربرة، الذي سيكلف 450 مليون دولار، أكبر استثمار على الإطلاق في أرض الصومال منذ أن أعلنت المقاطعة استقلالها عن الصومال من جانب واحد في عام 1991. وقد اكتسب المشروع أهمية مضاعفة في فبراير/شباط عندما تم طرد شركة موانئ دبي العالمية من جيبوتي المجاورة، حيث كانت تدير الميناء الرئيسي منذ عام 2009. وتسيطر جيبوتي حاليا على أكثر من 90% من تجارة البحر في إثيوبيا، وتستضيف أيضا القواعد البحرية الفرنسية والأمريكية والصينية، وربما يأمل مسؤولو أرض الصومال في اقتناص بعض تلك الحركة. وفي مارس/آذار، أعلنت إثيوبيا أنها اشترت 19% من أسهم ميناء بربرة.
ولكن تلك التطورات تزعج المشروع السياسيين في مقديشو، الذين يخشون فقدان المزيد من سلطتهم الهزيلة بالفعل، لذا فإنهم وجهوا هجومهم إلى الإمارات. وأقر البرلمان الشهر الماضي قانونا يحظر عمل موانئ دبي العالمية في جميع أنحاء الصومال (وهو أمر لا تملك الحكومة السلطة لتنفيذه).
وفي 8 أبريل/نيسان، استولت السلطات في مقديشو مؤقتا على طائرة إماراتية تحمل ما قيمته 9.6 ملايين دولار نقدا، كانت مخصصة على ما يبدو للجنود في بونتلاند، وهو إقليم آخر يتمتع بالحكم الذاتي، ويتم تدريب قواته من قبل الإمارات العربية المتحدة. وفي 11 أبريل/نيسان، أعلن وزير الدفاع أن الصومال ستنهي برنامجا مماثلا تمول بموجبه الإمارات تدريب جنود الجيش الصومالي، مؤكدا أن الحكومة الفيدرالية (المفلسة) ستتولى الأمر من الآن فصاعدا.
ويرفض المسؤولون في أرض الصومال التراجع. وأهان بيان صادر عن «يوسف عثمان»، نائب وزير خارجية أرض الصومال الحكومة الفيدرالية قائلا إنها «لا تستطيع السيطرة حتى على عشرة كيلومترات مربعة من مقديشو»، ورفضت اعتراضها على صفقة الموانيء. ويقول «رشيد عبيدي» من مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة غير حكومية مقرها بروكسل، إن النزاع يقود إلى إسفين كبير بين الحكومتين خاصة مع تلقي بعض السياسيين المال من قطر، في وقت تعد فيه تركيا أكبر مستثمر خارجي في الصومال.
المزيد من الصراع
والحقيقة أن الحكومة في مقديشو تعاني من الفوضى، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى المناورة المستمرة من جانب السياسيين الممولين من الخارج. و في التاسع من أبريل/نيسان، استقال رئيس البرلمان، «محمد عثمان جواري»، بعد أن خسر على ما يبدو صراعا على السلطة مع رئيس الوزراء «حسن علي خيري»»، والرئيس «محمد فارماجو». وتدخلت قوات الاتحاد الأفريقي قبل أيام من استقالته، بعدما قام حراس «جواري» بالدخول للبرلمان، ومواجهة القوات الموالية لرئيس الوزراء.
يعارض الجانبان على ما يبدو ميناء بربرة، لكن «جواري» رأى فرصة للاستيلاء على مزيد من السلطة للبرلمان من خلال إجراء تصويت (رمزي) على الصفقة، دون التشاور مع الحكومة.
ومن المؤكد هذه المشاجرة لا تساعد في خدمة قضية الصومال الموحد، فالحكومة في مقديشو لديها القليل لتقدمه لمناطق البلاد وهذا يسمح لدولة مثل الإمارات العربية المتحدة بالتدخل وسد الثغرات في حين تواصل حركة الشباب، المرتبطة بتنظيم القاعدة، هجماتها الناجحة. وفي الأول من أبريل/نيسان، قتل عشرات الجنود الأوغنديين على أيدي الجهاديين في أكثر الهجمات دموية خلال أكثر من عام. وكلما زادت الفوضى في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الفيدرالية ظاهريا، كلما قلت حوافز الأقاليم الصغيرة مثل أرض الصومال للأخذ بالاعتبار حديث السياسيين في العاصمة.