الخليج أونلاين-
دخلت الأزمة الليبية منعطفاً جديداً ومفاجئاً بعد تدهور الحالة الصحية للواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي كان يمثل الحضور الإماراتي والمصري القوي في بلاده، ما أثار أحاديث جادة عمَّا سيحدثه غياب حفتر، إن حدث، في الساحة الليبية، خاصة أنه لا يوجد بديل واضح بين قواته حتى اللحظة على الأقل.
ومنذ العام 2014 يقود حفتر قوات شرق ليبيا المدعومة من مجلس النواب في طبرق، ويعد واجهة نفوذ أبوظبي والقاهرة في الصراع الليبي، الذي أذكاه الرجل القادم من قلب نظام الزعيم الراحل معمر القذافي.
وتؤكد تقارير محلية ودولية دخول حفتر (75 عاماً) في غيبوبة بأحد المستشفيات الفرنسية؛ إثر إصابته بنزيف دماغي الأسبوع الماضي، وهو ما نفاه المتحدث باسمه، وهو ما أكدته وسائل إعلام فرنسية.
ويسيطر حفتر بشكل شبه كامل على الجزء الشرقي من البلاد، بما فيه الهلال النفطي الذي دارت حوله معارك طاحنة، وتبدّلت السيطرة عليه بين حكومة الوفاق المعترف بها دولياً وقوات الشرق.
وكان حفتر المدعوم من الإمارات ومصر وروسيا يطمح لرئاسة البلاد، وقد تعمّد إطالة أمد الاقتتال وراوح بين الاعتراف باتفاق الصخيرات (الأساس الذي ارتضاه العالم للحل في ليبيا) ورفضه، ودأب لتحويل كل خلاف سياسي إلى معركة عسكرية كنوع من فرض سياسة الأمر الواقع.
وخلال السنوات الثلاث الماضية دعمت أبوظبي والقاهرة حفتر بالمال والعتاد، وأنقذتاه من السقوط أكثر من مرة، حتى اضطرت القوات المصرية إلى تنفيذ ضربات جوية (عامي 2015 و2017) ضد مناوئيه في بنغازي، بزعم استهداف عناصر ومواقع لتنظيم الدولة.
- مستقبل غامض
وحالياً تتكاثر التكهنات بشأن حفتر حال خروج الأخير من المشهد السياسي المعقّد، سواء بعدم قدرته على المواصلة، أو الموت، وإن كان هذا الخليفة سيكون على نفس درجة الولاء للإمارات ومصر تحديداً أم أنه سيتخذ منحى مغايراً، خاصة أن كثيراً من الخلافات تعتري عمل قوات شرق البلاد.
مصادر مقربة من حفتر أكدت لـ"الخليج أونلاين" أن اللواء المتقاعد يعتبر في عداد الموتى حالياً، بحسب معلوماتهم، وأن قلقاً كبيراً يسيطر على قواته التي تقسمها الولاءات إلى أكثر من جناح، خاصة أن هذه القوات تمحورت كلها حول شخص الرجل الراقد الآن في أحد مشافي باريس.
أحد هذه المصادر قال إنه من الصعب التنبؤ بمصير قوات حفتر نفسها حال وقوع مكروه له، لافتاً إلى أن الأزمة الكبرى هي أن حفتر نفسه لم يكن إلا واجهة يتحرك من خلفها القذّافيون ممثلين في سيف الإسلام، نجل الرئيس الراحل، وأحمد قذّاف الدم، الذي كان مبعوثاً خاصاً للقذافي، والمقيم حالياً في القاهرة.
ويضيف المصدر: "ما أعرفه شخصياً أن قذّاف الدم يدير الخلاف الليبي من داخل مسكنه بحي الزمالك بالقاهرة، في حين يشاركه سيف الإسلام الأمر من مدينة الزنتان، والمخطط الرئيس المعمول به منذ 2014 هو إما أن يعود القذافيون لحكم كامل البلاد، وإما أن يستقلوا بشطرها الشرقي المتاخم لمصر".
وتابع: "العلاقة القوية بين قذّاف الدم وبين قيادتي الإمارات ومصر جعلته الأكثر تأثيراً في الأوضاع خلال السنوات الثلاث الماضية، خاصة أنه حصل على مليارات الدولارات عقب الثورة، ووضع يده على أراض وأملاك كانت تخصّ الدولة، ولا سيما في مدينة مرسى مطروح المصرية".
وأشار المتحدث إلى أن قذّاف الدم كان على وشك العودة للجزء الشرقي من البلاد عام 2016، وأنه كانت هناك ترتيبات كبيرة لأن يتولى السلطة في البلاد، غير أن هذه الخطة لم تكتمل بعدما شعر حفتر بقوته وامتدت عينه إلى الرئاسة.
ولفت المتحدث إلى أن سيف الإسلام القذافي أيضاً ليس بعيداً عن الساحة، مؤكداً أنه "طلب من حفتر ومن قذّاف الدم عدم التفكير في رئاسة ليبيا، وهددهما بشن حرب أهلية عبر قبيلة الزنتان التي يحتمي بها منذ تهريبه من محبسه".
وكانت كتيبة "أبو بكر الصديق" قد اعتقلت نجل الزعيم الليبي السابق في الزنتان في نوفمبر 2011، بعد أيام من مقتل والده، ثم أعلنت في يونيو 2017 إطلاق سراحه بموجب قانون العفو العام الصادر عن برلمان شرق ليبيا.
- عودة سيف الإسلام قريباً
ويؤكد المصدر أن خلافاً كبيراً وقع بين الرجال الثلاثة منذ نحو عام تقريباً (أي بعد إطلاق سراح سيف الإسلام رسمياً)، بعد أن مالت الإمارات ومصر ومعهما روسيا إلى وضع حفتر على قمة هرم السلطة في ليبيا؛ "لكونه مطواعاً ويعرف حجمه أمام هذه الدول".
لكن هذه الرغبة الإماراتية المصرية في تمكين حفتر اصطدمت برفض من قذّاف الدم في القاهرة ومن سيف الإسلام في ليبيا، وهو ما ردّ عليه داعمو حفتر بأن قدموا له مزيداً من الدعم، ومارسوا تضييقاً محسوباً على قذاف الدم تحديداً، بحسب المصدر.
الحديث عن خروج رجل جديد من بين قوات حفتر لتولي القيادة أمر مخالف للواقع، كما يقول المصدر؛ لأن "كل التكهنات تتجه نحو "صدّام" نجل حفتر، وهو رجل لا يمتلك ما كان يمتلكه أبوه من حضور وعلاقات في الداخل والخارج؛ الأمر الذي يجعل القطع باسم وريث بعينه لحفتر أمراً صعباً ومحفوفاً بالاحتمالات".
مصدر آخر قريب من قذّاف الدم أكد لـ"الخليج أونلاين" مسألة أن حفتر لم يكن سوى واجهة لتحركات نجل القذافي ومبعوثه الخاص، وأنه (حفتر) قرر مؤخراً الانفراد بالحكم مسنوداً بدعم أبوظبي والقاهرة وموسكو، معرباً عن اعتقاده بأن بقاء حفتر ربما كان سينتهي به رئيساً لليبيا أو لجزء منها على الأقل.
ويؤكد المصدر أن حسابات قذّاف الدم وسيف الإسلام كانت تتجه كلياً نحو تقسيم البلاد إلى شطرين غربي وشرقي، على أن يؤول حكم شطرها الشرقي لسيف الإسلام، أولاً، أو لقذّاف الدم، ثانياً، ويتم اجتياح الجزء الغربي في سنوات لاحقة.
ويتابع المصدر: "في العام الأخير تحول حفتر إلى عدو استراتيجي للرجلين (قذّاف الدم وسيف الإسلام)، وحاولا لي ذراعه عبر تقليص الدعم وإثارة المعارك في منطقته، لكنه استبدلهما بدعم الإمارات ومصر حتى تمكن من السيطرة على بنغازي مؤخراً".
ولفت المتحدث إلى أن القاهرة عمدت إلى إغلاق منابرها الإعلامية في وجه قذّاف الدم، وفتحها أمام حفتر، وأن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عندما كان وزيراً للدفاع، تمكّن من الإبقاء على قذّاف الدم في مصر، الذي كانت جماعة الإخوان المسلمين ترتّب لتسليمه للجانب الليبي.
وقال إن قذّاف الدم، الذي يحمل الجنسية المصرية، قاوم القوات التي ذهبت لاعتقاله من حي الزمالك، باتفاق مع شخصيات مصرية، ليواجه بذلك تهمة مقاومة السلطات ومن ثم إبقاؤه في مصر لمحاكمته؛ لكونه مواطناً مصرياً.
ويعتقد المصدر أن قوات شرق ليبيا ستصاب بالشلل في حال غياب حفتر عن المشهد، وأنه حتى لو تم تنصيب أي قائد عسكري لها فإنه لن يكون قادراً على صد طموحات القذافيين الذين سيبدؤون ظهوراً معلناً على الساحة، مستغلين حالة النقمة المسيطرة على الشارع الليبي عموماً؛ من جراء الفوضى التي خلفتها ثورة 2011.
كما أن العلاقات القوية التي يمتلكها سيف الإسلام وقذاف الدم مع القبائل الليبية ستدعم هذا الظهور، وتقوي شوكته، بحسب المتحدث.
ويضيف: "سيف الإسلام يمتلك أموالاً طائلة، وهي أموال سائلة تمكّن من وضع يده عليها خلال الثورة، كما أن قذاف الدم يمتلك ما لا يمكن حصره من المال والسلاح والعلاقات الدولية؛ فهو تاجر سلاح وآثار ويعتبر مافيا في حد ذاته".
هذان الرجلان حالياً، يقول المصدر، "يملكان مقومات إشعال حرب في ليبيا، لكنهما سيصطدمان بالإمارات ومصر اللتين تريدان بكل تأكيد استبدال حفتر برجل آخر على شاكلته، الأمر الذي يعزز لديهما فكرة اللجوء للسياسة، معتمدين على وضع البلاد المضطرب والمقلق".
شراء الولاءات
في الوقت نفسه، يقول المصدر، فإن هناك آلاف الليبيين الموالين للقذافيين حتى في طرابلس العاصمة، وهؤلاء تم منحهم الكثير من المال، ووعدوا بالمزيد منه حال مساعدتهم لسيف الإسلام في إحكام قبضته على البلاد، سواء بالسلم أو بالحرب.
ويشير الرجل إلى أن قذّاف الدم لن يقف في وجه سيف الإسلام أبداً، ولن ينافسه على الحكم؛ لأنهما في النهاية يبدوان وكأنهما رجل واحد، بحسب المصدر الذي أكد أن سيف الإسلام أقوى من قذاف الدم على المستوى الشخصي، ويمتلك تأييداً واسعاً اشترى معظمه بأكثر من 300 مليون دولار أنفقها على القبائل؛ منها 200 مليون دفعها للزنتان مقابل مسلسل اعتقاله ثم العفو عنه.
ويؤكد الرجل أن في ليبيا حالياً من يسعى لشراء رضا سيف الإسلام والتقرّب منه وموالاته، لكن هذا لا يعني أن الأمور محسومة على الأرض، كما يقول.
هذه الأحاديث يعززها تصريح حفتر مطلع العام الجاري، الذي هاجم فيه طرح اسم سيف الإسلام للترشح للانتخابات الرئاسية المرتقبة؛ عندما قال في حوار مع مجلة "جون أفريك" الفرنسية الأسبوعية: إن "البعض يساومون سيف الإسلام، لكنه مجرّد رجل مسكين، يحاولون استغلاله مقابل المال".
ورغم ذلك أعلن سيف الإسلام، في مارس 2018، عزمه الترشح للانتخابات، وقال إنه يمتلك برنامجاً إصلاحياً.
في النهاية، يقول المتحدث، فإن القوات المصرية الموجودة في بنغازي، ولو بشكل غير معلن، ومعها الدعم الإماراتي "سيلعبان دوراً كبيراً في مستقبل البلاد بعد حفتر".
ويتابع: "ما لم تكن هناك ترتيبات غير معروفة، فإن البديل النهائي لحفتر سيكون غالباً سيف الإسلام القذافي، الذي سيسعى خلال الفترة المقبلة لتسويق نفسه كمنقذ لبلاده من أتون الاقتتال الداخلي".
ولفت إلى أن علاقات قذّاف الدم بمحمد دحلان قد تفتح الكثير من الأبواب مع الإمارات ومصر، والتي واربتها رغبة البلدين في تمكين حفتر.
وأكد المتحدث أن سيف الإسلام "ربما يطرح قريباً جداً مبادرة للعفو والمصالحة بين كل أطياف الشعب، وهي مصالحة قد تلقى قبولاً كبيراً في الشارع، وإن عارضتها التيارات السياسية التي دعمت الثورة على القذافي".
في غضون ذلك نفى رئيس الأركان العامة الليبية (التابعة لحفتر)، عبد الرازق الناظوري، الجمعة 13 أبريل 2018، تكليفه بمهام حفتر. وطالب مالك الشريف، مدير المكتب الإعلامي للناظوري، وسائل الإعلام ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، بـ"عدم الانجراف وراء الإشاعات والأخبار الكاذبة".
ورجّح موقع "راديو فرنسا الدولي" (حكومي) استمرار رقود حفتر في المستشفى التعليمي العسكري بيرسي، وهو تابع لوزارة الدفاع ومتخصص في أمراض الدم، لا سيما السرطان.