علاقات » عربي

مقامرة «ترامب» في السعودية

في 2018/05/01

ناشيونال ريفيو- ترجمة شادي خليفة -

قبل 73 عاما، عقد «فرانكلين روزفلت» الرئيس الثاني والثلاثين للولايات المتحدة، أثناء رحلته من مؤتمر «يالطا» مع «ونستون تشرشل» رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، و«جوزيف ستالين» القائد الثاني للاتحاد السوفيتي، اجتماعه الأخير مع القادة الأجانب على متن السفينة «يو إس إس كوينسي» في البحيرة المرة الكبرى في قناة السويس، وكان أحدهم الملك والمحارب الصحراوي، «عبد العزيز بن سعود»، الذي أبحر معه بسبعة أغنام وخيمة للنوم على سطح السفينة.

وقدمت الولايات المتحدة إلى كل حلفائها تقريبا كل النفط الذي استخدموه خلال الحرب العالمية الثانية، ولكن كانت هناك مخاوف (لا أساس لها) من أن الآبار الأمريكية قد استُنفدت، بينما أنتج الجيولوجيون الأمريكيون تقديرات حول بحر من النفط غير المستغل في الصحراء السعودية، وأراد «روزفلت» للشركات الأمريكية - وليس البريطانية - السيطرة عليها.

وكان الاجتماع علامة على علاقة سعودية أمريكية طويلة، أو ربما كانت كلمة «التشابك» مصطلحا أفضل، وقد استمر ذلك بعد وفاة «روزفلت» بشهرين، ووفاة «عبد العزيز» عام 1953، من خلال الرؤساء الـ13 الذين خلفوا «روزفلت»، ومن خلال أبناء الملك سعود الـ6 الذين ولدوا عام 1875، والذين خلفوه كملوك.

والآن وصل ابن الملك الأخير، الأمير «محمد بن سلمان»، البالغ 32 عاما، إلى الولايات المتحدة، حيث التقى مع «دونالد ترامب»، في مبادرة قد تكون ذات أهمية كبيرة، مثل اللقاء الذي عقد منذ زمن بين جد الأمير الشاب والرئيس الأسبق.

وكانت العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية بعد عام 1945 في صورة تدفقات هائلة من الأموال إلى جانب الحماية العسكرية الأمريكية لنخبة سعودية غير متعاطفة مع القيم الأخلاقية الأمريكية، وعلى خلاف مع سياسات الولايات المتحدة المهمة.

وتوسعت تدفقات الأموال بعد تخفيضات إنتاج «أوبك» بقيادة السعودية بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، واستفادت المملكة من الحماية العسكرية بعد أن صعد «صدام حسين» في العراق واتجه نحو حقول النفط السعودية عام 1990.

واستمرت العلاقة على الرغم من اتساع الهوة في القيم في الأعوام التي أعقبت استيلاء الإسلاميين الوهابيين على المسجد الحرام في مكة عام 1979.

وردا على ذلك، عزز السعوديون علاقاتهم مع المذهب الوهابي المتصلب، وفرضوا قيودا صارمة على السلوك في الداخل، ودعموا المدارس المتطرفة والإرهابيين في الخارج.

وفي الثمانينات، ساعد المجاهدون الذين تمولهم السعودية في طرد السوفييت من أفغانستان، لكن في التسعينات، انقلبوا على أمريكا، وكان «أسامة بن لادن»، و15 من بين خاطفي الطائرات في أحداث 11 سبتمبر/أيلول، مواطنين سعوديين.

ومن الواضح أن شروط العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة بحاجة إلى التغيير، وقد تغيرت بالفعل، لقد جعلت ثورة النفط الصخري أمريكا مصدرا للنفط مرة أخرى، كما كانت قبل عام 1945، ونجم عن ذلك انخفاض أسعار النفط، الأمر الذي جعل الدعم السعودي لمواطني المملكة غير قابل للاستمرار.

ويحاول «بن سلمان» بناء اقتصاد حديث، وهو اقتصاد يعمل فيه السعوديون بالفعل، وقد أمضى أسبوعين يتناقش حول الاستثمارات الأمريكية، كما يتراجع عن القيود الوهابية، حيث سيتم السماح للنساء بقيادة السيارات، على سبيل المثال، وللخروج من المنزل دون إشراف الذكور، وحتى مشاهدة الأفلام في دور العرض.

وتتغير السياسة الخارجية السعودية كذلك، وقد يكون اجتماع «ترامب» قد أمن حليفا جديدا في الشرق الأوسط.

ومن الواضح أن المملكة العربية السعودية وشيوخ الخليج قد انزعجوا من صفقة «باراك أوباما» النووية مع إيران، والتقارب - الذي لم يكتمل - بين الحكومة الدينية الإيرانية والولايات المتحدة.

ولقد شجب الرئيس «ترامب» اتفاق «أوباما» النووي (صيف 2015)، ومن الواضح أن النقاش في إدارته هو ما إذا كان سينسحب منه أو سيسعى إلى فرض تطبيق صارم قد يدمر الاتفاق.

وفي مقابلة مدهشة مع «جيفري غولدبرغ» رئيس تحرير «ذي أتلانتيك»، أوضح «بن سلمان» وجهة نظر يتقاسمها مع الرئيس الامريكي، وقال: «أعتقد أن المرشد الأعلى الإيراني يجعل هتلر يبدو جيدا، فقد حاول هتلر غزو أوروبا، لكن المرشد الأعلى يحاول غزو العالم».

وفي موضوع آخر، اتخذ «بن سلمان» موقفا عكس الذي كان يؤكد عليه جده في عام 1945، وقد قال «ابن سعود» لا، عندما طلب منه «فرانكلين روزفلت» دعم وطن يهودي في الشرق الأوسطن ولكن بسؤال «غولدبيرغ» حول (إسرائيل)، قالت «بن سلمان»: «لكل شعب، في أي مكان، الحق في العيش في دولته المسالمة، وأعتقد أن للفلسطينيين والإسرائيليين الحق في امتلاك أرضهم الخاصة»، ويبدو هذا تراجعا عن الرفض العربي للاعتراف بأي «حق» إسرائيلي في الوجود.

وسواء أكانت سياسات «بن سلمان» الجديدة، المحلية والخارجية، مستدامة أو لا، فيجب اعتبار دعم «ترامب» له بمثابة مقامرة، لكن ميل إدارة «أوباما» نحو النظام الإيراني كان أيضا مقامرة، وهي مغامرة لم تحقق المكاسب المرجوة حتى الآن، لكن السؤال الآن، هل كانت الترتيبات التي بدأت في البحيرة المرة الكبرى قبل 73 عاما مغامرة هي الأخرى؟.