علاقات » عربي

التطبيع البحريني مع إسرائيل يخرج إلى العلن

في 2018/05/19

عبد الهادي خلف- السفير اللبنانية-

بعد إعلان إسرائيل عن شن هجومٍ بالصواريخ على أهداف في سوريا، سارع وزير خارجية البحرين بإعلان تأييده للهجوم بإعتباره حقاً مشروعاً. وكتب في موقعه الرسمي على تويتر "طالما أن إيران أخلّت بالوضع القائم في المنطقة واستباحت الدول بقواتها وصواريخها، فإنه يحق لأي دولة في المنطقة، ومنها إسرائيل، أن تدافع عن نفسها بتدمير مصادر الخطر."

لم يأخذ البعض تغريدة الوزير بجدية، مكتفين بإضافتها إلى سلسلة من "التخبيصات" التي إشتهر بها. فهو نشر بعد لقائه بالرئيس المصري محمد مرسي في 7/9/2012 تغريدة يقول فيها "لن أقلق على مصر وعلى سدتها رجلٌ صادقٌ أمين".

وبعد إنقلاب السيسي إنقلب الوزير البحريني فنشر تغريدة سخر فيها من محمد مرسي مستشهداً بأغنية "السح الدح إمبو". والوزير خالد أحمد الخليفة هو نفسه الذي صرّح عشية جلسة تعقد في الأمم المتحدة للتصويت على مشروع قرار برفض موقف ترامب بشأن القدس بأنه "ليس من المفيد افتعال معركة مع الولايات المتحدة حول قضايا جانبية"!

 

أكبر من إسفاف وزير

لم يتأخر الترحيب الإسرائيلي بموقف البحرين الرسمي الذي وصفه وزير الاتصالات الإسرائيلي بأنه "دعم تاريخي.. يعكس وجود تحالف جديد في الشرق الأوسط، وأن إسرائيل جزء مهم من هذ التحالف بفضل النشاط المبارك لرئيس الوزراء نتنياهو" (سي إن إن 10/5/2018).

إلا إن الترحيب الإسرائيلي إعلامياً وسياسياً رافقه تصعيد إسرائيلي يطالب الدول الخليجية المتعاونة بالمزيد. وهو ما عبر عنه وزير الحرب الإسرائيلي أفغيدور ليبرمان حين طالب الدول العربية المعتدلة "التي تدعم قرار الرئيس الأمريكي بالإنسحاب من الإتفاقية النووية مع إيران بأن تخرج من مخبئِها وأن تتحدث بصراحة. فكما إن هناك محور للشر، فلقد حان الوقت لقيام محور للدول المعتدلة" (يديعوت أحرنوت 10/5/2018).

الملفت أن السلطات الرسمية في البحرين تلتزم الصمت تجاه هذه الأخبار، بما فيها تصريحات وزير خارجيتها، وهو من العائلة الحاكمة، أو تصريحات مماثلة من غيره من المسئولين. ولم يتجرأ الإعلاميون في البحرين على التعليق على التصريح سلباً أو إيجاباً. وهم لا يتجرأون على نشر أخبار زيارات يقوم بها أفرادٌ من العائلة الحاكمة إلى إسرائيل، وعن التبادل التجاري وعلاقات التعاون بين البلدين.

قبل أشهر، نشرت "إسرائيل تايمز" (23/9/2017) عن تسارع خطوات تطبيع علاقات اسرائيل مع البحرين بعد إزدياد التقارب بين الدولتيَن اللتين تجمعهما معاداتهما لإيران. لن يتضمن التطبيع إقامة علاقات ديبلوماسية مباشرة بل سيُكتفى بتبادل الزيارات الرسمية وزيادة التبادل التجاري والثقافي والتعاون في المجال الأمني والتدريب.

إلا إن ردود الفعل المنددة بالموقف الرسمي البحريني لم تتأخر، سواءً من داخل البحرين أو خارجها. من أهم الأصوات المعترضة إبراهيم شريف، وهو أحد قادة المعارضة الأساسيين خارج السجن في البحرين الذي سارع لتذكير وزير خارجية بلاده ببديهية إن المحتل لا حقوق له في الأرض التي يحتلها ويدّعي الدفاع عنها.

بل إن القيادي المعارض خاطب الوزير مباشرة ليؤكد له أن تصريحاته تؤهله لأن يصبح "موظفاً في جهاز الدعاية الصهيوني، لكنها بالتأكيد لا تؤهلك أن تكون وزير خارجية دولة عربية قراراتها تنص على تحرير الأراضي المحتلة".

لهذا الإعتراض أهمية خاصة بالنظر إلى شدة القبضة الأمنية التي تسيطر على البلاد منذ 2011، أي منذ شاركت القوات السعودية والإماراتية في قمع الربيع العربي في البحرين، وما تلا ذلك من إجراءات ومراسيم جرّمت كل أنشطة المعارضة وفرضت قيوداً مشددة على حرية التعبير بإعتبارها "تحريضاً على كراهية النظام".

 

مسيرة التطبيع

ضمن ما يُعرف بتسريبات "ويكيليكس"، نُشر تقريرٌ كتبه السفير الأمريكي في البحرين آنذاك، ويليام مونرو، بعد لقائه بملك البحرين في 15/2/2005 ، جاء فيه "إن الملك أفصح عن أن للبحرين علاقات مع إسرائيل على المستوى الأمني والإستخباراتي، وإن بلاده مستعدة للمُضِّي قُدماً في التعاون في مجالات أخرى". ولقد بيّنت التطورات اللاحقة ما كان الملك يعنيه بـ"المُضِّي قُدماً".

في العام 2008 عيّن ملك البحرين هدى عزرا نونو، وهي بحرينية من أتباع الديانة اليهودية، سفيرة له في الولايات المتحدة الأمريكية. كان القرار مفاجئاً لأن نونو التي تعمل في القطاع المالي والصرافة ليس في لمؤهلاتها الدراسية ولا لخبراتها العملية علاقة بالعمل الديبلوماسي. كانت ديانة نونو هي أكبر مؤهلاتها في نظر الملك.

شيئاً فشيئاً بدأ يتضح إن تعيين السفيرة هو إجراء يمليه إقتناع الملك البحريني بأن أمريكا هي الوحيدة القادرة على حماية عرشه من معارضيه في الداخل، ومن الطامعين في بلده، بمن فيهم جيرانه، في الضفتين الشرقية والغربية من الخليج العربي.

إلا إن الملك الذي عانى من تقلبات السياسة الأمريكية بين عهدي الرئيسيْن بوش وأوباما أصبح مؤمناً أيضاً بأن مفتاح أمريكا هو اللوبي الصهيوني في أمريكا من جهة وفي إسرائيل من جهة أخرى.

يفسر هذا الإيمان تتابع القرارات والإجراءات الغريبة وغير المتجانسة بما فيها قيام الملك البحريني في صيف 2008 بمنح الجنسية البحرينية لأبناء وأحفاد اليهود الذين غادروا البحرين إلى إسرائيل وبريطانيا بعد نكبة فلسطين، أو دعوة وزير خارجية البحرين من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة (30/9/2008) إلى إقامة حلف شرق أوسطي جديد يضم إسرائيل، أو دعوة ولي عهد البحرين في مقال له في "واشنطن بوست" (17/7/2009) بإعادة النظر في مبادرة السلام العربية.

وسيدفع إيمان الملك بأهمية التقرب من إسرائيل لحماية نظامه إلى مزيد من الخطوات التطبيعية التي يفسرها محللون بأنها تتم للتمهيد لأشقائه من حكام بلدان الخليج العربي الأخرى.

 

الانتقال إلى العلن

رغم إستمرار مسلسل "مبادرات" ملك البحرين التطبيعية مع إسرائيل، وعلى الرغم من تنامي العلاقات التجارية والأمنية بين البلدين، إلا إنها حافظت على "سريتها" وبقيت محصورة في مستويات محددة من كبار المسئولين في حكومة البحرين وأفراد العائلة الحاكمة بمن فيهم أولاد الملك. وبقيت الأمور تحت السطح حتى نهاية العام الماضي.

في 9 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، فوجئ البحرينيون بخبرٍ منقولٍ من وسائل الإعلام الإسرائيلية عن وصول وفد بحريني يضم 24 شخصاً من جمعية "هذه هي البحرين" إلى القدس المحتلة في زيارة علنية لمدة أربعة أيام. وحسب مقابلات نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية مع أعضاء الوفد، فإن الزيارة "ليست سياسية وإنما تحقيق لرسالة ملك البحرين حول التسامح والتعايش والحوار بين الديانات المختلفة".

من جهتها نفت الحكومة البحرينية علاقاتها بتلك الزيارة وأصدرت جمعية "هذه هي البحرين" التي نظمت تلك الزيارة إلى القدس المحتلة بياناً يؤكد إن وفدها "الذي ضم في عضويته بعض الأجانب المقيمين بمملكة البحرين من ديانات مختلفة لا يمثل أي جهة رسمية في مملكة البحرين وإنما يمثل الجمعية ذاتها وقام بتلك الزيارة بمبادرة ذاتية" (وكالة أنباء البحرين 10/12/2017).

لم تُشر البيانات الرسمية الى ما تناقلته وسائل التواصل الإجتماعي حول إن الزيارة كانت بتمويل من الديوان الملكي الذي يرعى جميع أنشطة الجمعية المذكورة. أثارت زيارة الوفد البحريني إلى القدس المحتلة غضباً شعبيا عاماً في البحرين، خاصة إنها أتت في تزامن مع قرار ترامب الإعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل.

ولم ينحصر التعبير العلني عن الغضب بين قوى المعارضة والنخب الثقافية بل شارك فيه فيما يشبه الإجماع شخصيات إجتماعية وقيادات سياسية تُحتسب في العادة من بين الموالين للنظام.

لكن، وبعد أقل من خمسة أشهر على زيارة الوفد "الشعبي" نشر الإعلام الإسرائيلي خبراً عن مشاركة فريقين من البحرين والإمارات المتحدة في سباق للدراجات في إسرائيل إنطلاقاً من القدس المحتلة. لم يكن ممكناً هذه المرة التبرؤ من فريق الدراجات البحريني المشارك في الإحتفالية الإسرائيلية بالذكرى السبعين للنكبة.

كان إحتفاء الحكومة الإسرائيلية وأجهزة إعلامها كبيراً بالمشاركة الخليجية على الرغم من معرفتهم بأن في "فريق الدراجات البحريني" لا يوجد عضو بحريني سوى المسئول المالي. ففي تلك المشاركة رمزية واضحة الدلالة.

ففريق الدراجات الذي تأسس قبل ثلاث سنوات بتمويل من الديوان الملكي يتولى قيادته ناصر، أحد أولاد ملك البحرين. وناصر (الذي تتهمه المعارضة بالمشاركة في تعذيب بعض قادتها) هو قائد الحرس الملكي، وهو المبعوث الذي أرسله أبوه على رأس وفد كبير، من ضمنه أفراد من الفرقة الموسيقية العسكرية، إلى مركز فيزنتال الصهيوني الأمريكي في لوس أنجلوس في أيلول /سبتمبر الماضي.

كان الهدف من الزيارة توقيع مذكرة تفاهم حول إنشاء مركز في البحرين يشابه مركز فيزنتال (بحسب جويش جورنال 16/9/2017). وقتها أثارت الفرقة الموسيقية العسكرية بقيادة الموسيقار البحريني اللواء مبارك نجم إعجاب الحاضرين حين عزفت النشيد الوطني الإسرائيلي"هاتيكفاه".