علاقات » عربي

مشاعر كشفها مونديال روسيا.. هل تمنى العرب خسارة السعودية؟

في 2018/06/19

الخليج أونلاين-

في مقهى بمدينة إسطنبول التركية جلس شباب عرب يتابعون افتتاحية بطولة كأس العالم في روسيا التي جمعت البلد المضيف والسعودية، ومع الهدف الأول الذي أحرزته روسيا على السعودية -البلد العربي- ارتفعت صيحات الشباب العرب مع تصفيق حاد، في ولاء واضح للفريق الروسي.

وحقّق منتخب روسيا، الأسبوع الماضي، فوزاً كبيراً على حساب نظيره السعودي بخماسية بيضاء، في اللقاء الافتتاحي الذي أُقيم على ملعب "لوجنيكي" بالعاصمة موسكو، ضمن نهائيات كأس العالم، التي يستضيفها "الدب" الروسي على أراضيه، على مدار شهر كامل، وتحديداً خلال الفترة ما بين 14 يونيو الجاري و15 يوليو المقبل.

لم يكن هؤلاء الشباب متفقين على تشجيع فريق ما أمام آخر، فأغلبهم لا تربط بعضهم ببعض أي صلة، وهم من عدة بلدان عربية، ووجودهم في هذه المدينة التركية لأغراض مختلفة، بينها الدراسة والعمل، وبعضهم هربوا من بلدانهم التي تعصف بها الحروب.

أحدهم من فلسطين، قال لـ"الخليج أونلاين" إنه يتمنى خسارة المنتخب السعودي؛ لمواقف حكومة الرياض من القضية الفلسطينية، وعلاقاتها التي وصفها بـ"الوطيدة" مع الاحتلال الإسرائيلي، وسعيها لإنجاح "صفقة القرن".

ولَم يستغرب الفلسطيني الشاب -ويُدعى أحمد- وجود مواطنين عرب لا يتمنون حصول السعوديين على فوز أو الخروج من مباراة في كأس العالم بشكل إيجابي، وهو يرى عدداً من الشباب من جنسيات عربية مختلفة يتمنون خسارة الفريق السعودي.

السعودية، ومنذ تسلُّم دونالد ترامب السلطة بالبيت الأبيض، ظهرت في شكل آخر يؤكد ارتباطها بالسياسة الأمريكية، وخطة ترامب لشرق أوسط جديد، وأبرز ما فيها "صفقة القرن" التي تشمل إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، وإيجاد موطن جديد للفلسطينيين خارج حدود بلدهم الأم، وهو ما تحدثت عنه وسائل إعلام أجنبية.

وفي خطوة غير مسبوقة لرئيس أمريكي، كانت السعودية أول بلد يزوره دونالد ترامب بعد تقلُّده منصب رئيس الولايات المتحدة.

بدوره، فإن ولي العهد محمد بن سلمان اقترح على الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن تكون دولة فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة لكن دون سيادة كاملة، وأن تكون العاصمة في "أبو ديس" لا القدس، فضلاً عن عدد آخر من المقترحات التي أغضبت الفلسطينيين والشارع العربي، بحسب ما ذكرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.

ومارست الرياض ضغوطاً مختلفة على عباس للقبول بالمقترحات، وهو ما أكده موقع "ميدل إيست آي" البريطاني.

القضية الفلسطينية كانت أبرز ما أثار غضب الشارع العربي تجاه الحكومة السعودية، وهو ما انعكس لاحقاً على تشجيع الفرق المنافسة للفريق السعودي في كأس العالم، حسبما توضح من خلال تعليقات لمواطنين عرب على مواقع التواصل الاجتماعي.

لكن في المقهى الإسطنبولي، كان الحديث يشمل -بحسب ما يراه الشباب العرب المجتمعون لمتابعة مباراة السعودية وروسيا- تجاوزات المملكة بحق عدد من البلدان العربية، كالحرب في اليمن التي تسببت في دمار كبير وموت ومجاعة وتهجير شمل ملايين اليمنيين.

ومنهم من يتحدث عن دور الرياض في دعم جهات مسلحة تزعزع استقرار بلدان عربية.

لكن المغاربة بدوا أكثر الشباب العرب فرحاً بتلقي السعودية خسارة ثقيلة بخمسة أهداف نظيفة من قِبل روسيا، في مباراة حضرها ولي العهد محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ينبع ذلك من أن السعودية وقفت أمام طموح المغرب إلى استضافة بطولة كأس العالم 2026، وصوَّتت لصالح الملف المشترك (كندا، أمريكا، المكسيك).

نيل الفريق السعودي هجمة واسعة من الانتقادات اللاذعة من قِبل مواطنين عرب، تصحبها أمنيات بعدم التوفيق في المشوار الكروي الأبرز عالمياً أثار السعوديين، الذين كانوا يتوقعون دعماً عربياً كبيراً لفريقهم، مثلما حصلت الفرق العربية الثلاثة الأخرى؛ مصر والمغرب وتونس.

وتطرقت وسائل الإعلام السعودية إلى هذا الموقف، وهو ما دعا بعض الكُتاب لمحاولة إيجاد تبريرات يدافعون بها عن حكومتهم، التي باتت محل اتهام من قِبل العرب بالوقوف عقبة أمام مصالحهم.

- هل يكرهنا العرب؟

الكاتب السعودي عبد الله بن موسى الطاير وضع عنواناً تساؤلياً لافتاً للانتباه لمقالته في صحيفة "الجزيرة" السعودية.

"الطاير" يؤكد أن مشكلة ما موجودة تسببت في كُره عربي تجاه السعودية، مبيناً في مقاله الذي حمل عنوان "هل يكرهنا العرب؟ ولماذا؟"، أن "لسان حال كثير من السعوديين ينطق بهذا السؤال: لماذا يكرهوننا؟!".

وأضاف أنه بالإمكان إيجاد العديد من التبريرات "التي نداري بها هذه الفجوة والهوة العميقة مع الشارع العربي"، مستدركاً: "ولكنَّ هذا لن يؤدي إلى الاقتناع بوجود مشكلة تتطلب المواجهة والبحث عن حلول لها".

وللدفاع عن حكومته، يرى الكاتب السعودي -وسعياً منه لإيجاد حلّ- أن على الرياض استخدام سياسة النفوذ الذي تمتلكه مع الحكومات للسيطرة على الشعوب؛ في تلميح واضح باستخدام تكميم الأفواه والضغط على الرأي الحر للشعوب.

وقال: "إعلان خطاب الكراهية للسعودية والسعوديين يستوجب مساءلة الدول وحرمانها من إعانات مادية أو عسكرية أو سياسية"؛ في تأكيد بأن المعونات التي تقدمها السعودية لدول يُفترض أنها "شقيقة"، مبنيَّة على مقابل.

وفي سقطة للكاتب، دلَّت على انفعال عصبي خرج عن سيطرة قلمه، أكد أن بلاده تنفق على حكومات وَجِهات وشخصيات إعلامية عربية في سبيل شراء مواقفها وتلميع صورتها.

وبلغ الكاتب حداً في التجاوز على "كبار الإعلاميين العرب"، مصوِّراً أنهم جوعى يعتاشون على موائد بلاده.

ففي مقاله، أوضح أنه "كان كبار الإعلاميين العرب يقتاتون على المائدة السعودية"، وأن الاقتيات هذا "خفَّف من حدَّة البغضاء المعلنة".

واستطرد كاشفاً كيف كانت بلاده تكمم الأفواه، بالقول: "كانت العلائق الشخصية تلعب دوراً في كبت مشاعر الكراهية، لكنها لا تلغي وجودها. اليوم تبدَّل المشهد، فلم يعد للحكومات سيطرة على ألسنة شعوبها".

لكن بلاده، بحسب تعبيره، لم يعد لديها القدرة على تكميم أفواه المواطنين العرب مع وجود إعلام مفتوح مباح للجميع، لتتوضح المشاعر العربية الحقيقية، موضحاً: "وفَّرت شبكات التواصل الاجتماعية منصات إعلامية مستقلة من الوسيلة إلى المرسل والمحتوى، وتراجَع دور حراس البوابة الإعلامية، وتفجّرت المشاعر على حقيقتها من دون رقيب".

وبدفاع مستميت عن السياسة السعودية، وإن كانت على حساب بلدان وشعوب عربية، خرج الكاتب السعودي أحمد الشمراني، في مقال له حمل عنواناً جارحاً للمغرب ولشعور جماهير العرب من عشاق كرة القدم، وللعرب الطامحين إلى أن يكون أحد بلدانهم قِبلة للعالم وهي تنظم حدثاً يتابعه ملايين الناس من شتى بقاع الأرض.

"نعم، لَم نصوِّت للمغرب"، لقد جاء هذا العنوان جارحاً، ويكفي لإعطاء الحق للمغاربة بتشجيعهم روسيا في المباراة الافتتاحية، وتشجيع كل من تواجهه السعودية في هذه البطولة وبطولات أخرى.

وقال: "نحن أحرار؛ نصوِّت لمن نريد، ونقف مع من نريد، ولا يمكن أن نتنازل عن مصالحنا من أجل إرضاء طرف على حساب مصلحتنا".

في مقاله يتفق الشمراني مع مواطنه الكاتب "الطاير"، في أن للسعودية فضلاً على البلدان العربية، وهو ما يثير تساؤلاً لدى المتابع إن كانت هذه هي النظرة لدى السعوديين.

ويقول: "سنوات ونحن نعطي ونقف وندعم، وحينما نبحث عن نتاج هذا الدعم نجده حشفاً وسوء كيلة!".

وشدد الشمراني قائلاً: "نعم، السعودية تتغير، ويجب أن تفهموا معنى التغيير، أي إن المنطقة الرمادية تم طمسها، وإحالة من يتعامل بها على المعاش، وعلاقتنا مع الكل فيها مصالحنا، ومصلحتنا أولاً!".