علاقات » عربي

حكام الشرق الأوسط في سباق لحماية عروشهم

في 2018/07/16

أنتوني كوردسمان - مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية-

في عام 1967، تحول الشرق الأوسط. وكان الرئيس المصري «جمال عبد الناصر» قد غرق في حرب شاقة في اليمن كانت تستنزف جيشه وخزينته، وبغض النظر عن ذلك، قإنه قاد العرب إلى حرب سريعة وكارثية، أدت إلى احتلال (إسرائيل) لشبه جزيرة سيناء، وقطاع غزة، والضفة الغربية، ومرتفعات الجولان.

ولم تكن الخريطة قد تغيرت بعد. وماتت اشتراكية ناصر العربية، وكذلك حلم الجمهوريات الثورية التي تقود العالم العربي للخروج من ظل الاستعمار إلى المسرح العالمي. و«ناصر»، الذي بدا أنه رسول المستقبل، لم يعد كذلك. وعلى مدى الأعوام العديدة التالية، استقرت الأنظمة الملكية العربية، واكتسب الإسلام السياسي قوته، وبدأ الاتحاد السوفييتي يفقد موطئ قدمه في البيئة العربية الجديد، التي نشأت عام 1967 وما تلاهواستمرت لنصف قرن آخر.

تحول جديد

واليوم، يرى حكام الشرق الأوسط المنطقة عند نقطة تحول مماثلة، ويرون أن المخاطر عالية بشكل مماثل. وهذا هو التفسير الوحيد لسلسلة من الأعمال الجارية، خاصة من دول الخليج العربية، وسوف يثبت مستقبل الشرق الأوسط ما إذا كانت رؤيتهم صحيحة، وما إذا كانت تلك التحركات كافية لتشكيل مسار المنطقة.

وتعد المنطقة في نقطة تحول جزئيا بسبب ٣ حروب أهلية مستمرة، وهي ليبيا وسوريا واليمن. وفي الأولى، تدعم الدول العربية أطرافا متعارضة. وفي الحربين الأخريين، يقاتلون في حروب بالوكالة ضد حلفاء إيرانيين. وتخلق الحروب إحساسا دائما بالأزمة في المنطقة، وتزيد من شعور الدول بضعفها، لكنها تساعد أيضا على إقناع السكان بأن وجود حاضر غير سعيد هو أفضل من مستقبل غير مستقر بشكل كارثي، الأمر الذي يبني دعما ما للحكومات القائمة.

وبالإضافة إلى ذلك، تبدو ٣ من ثوابت الماضي فجأة في حالة تغير مستمر. الأول هو أن الحكام يدركون دائما أن مستقبلهم الاقتصادي يجب أن يكون مختلفا عن ماضيهم، فالاقتصادات التي تركز على الدولة، والقطاعات العامة الضخمة (في الجمهوريات والملكيات على حد سواء) كانت مجدية في وقت كان فيه السكان أصغر حجما، وكانت العائدات تنمو. ولا تستطيع الدولة خلق وظائف حكومية بالسرعة الكافية، وقطاعاتها الخاصة ضعيفة للغاية إلى حد يجعلها تفتقر إلى إمكانية توفير الوظائف الكافية للمواطنين الذين يغمرون أسواق العمل كل عام. ويعد احتمال وجود عالم يكون فيه النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط أقل أهمية للاقتصاد العالمي أمر مزعج بالنسبة للبلدان التي تصدر الهيدروكربونات، وكذلك للبلدان التي تصدر عمالها إلى الاقتصادات التي تعتمد على الهيدروكربونات، ويشمل هذا كل العالم العربي تقريبا.

وثانيا، تبدو الولايات المتحدة أقل التزاما بالأمن الإقليمي من أي وقت مضى خلال القرن الماضي. وبعد تداعيات أحداث 11 سبتمبر/أيلول، التي دفعت إلى سلسلة من حروب الشرق الأوسط التي يبدو أنها لا نهاية لها، ومع اعتماد الولايات المتحدة على نفط وغاز محليين بدلا من نفط وغاز المنطقة، فإن الرأي العام الأمريكي يشكك بشكل متزايد في التزامات الولايات المتحدة تجاه المنطقة.

وتعد توجهات إدارة «أوباما» و«ترامب» تجاه سوريا علامة واضحة على أن ضبط النفس سوف يميز النهج الأمريكي في المنطقة فيما هو قادم. وأبدت استراتيجية الأمن القومي للرئيس «ترامب» لعام 2017 القليل جدا عن دعم الحلفاء الضعفاء، كما أشارت استراتيجية الدفاع الوطني بوضوح إلى عدم الالتزام بمعارك الشرق الأوسط. ولدى معظم الدول العربية استراتيجية أمن قومي تعتمد على التزام أمني قوي من قبل الولايات المتحدة، وهذا الالتزام غير مؤكد الآن، حيث تستكشف الصين وروسيا وإيران أدوارا إقليمية أكبر.

وأخيرا، اعتقدت الحكومات العربية أنها فهمت جمهورها وكيفية إدارة شعوبها، لكن أحداث عام 2011 لا تزال تزعجها. ولا يوجد إجماع على ما تسبب في الانتفاضات العربية في ذلك العام، وبالتالي لا يوجد توافق في الآراء حول كيفية منعها من التكرار. ورأى بعض القادة في الدول الأكثر ثراء أن الانتفاضات كانت بسبب الحرمان المادي، لكن الميزانيات المقيدة تجعل من الصعب الاستمرار في طريق زيادة الدعم. ومن المؤكد أن ثورة المعلومات والاتصالات لعبت دورا، لكن ما لا يمكن تحديده بالضبط، هو كيف يمكن للتكنولوجيا أن تؤمن الحكومات بدلا منأن تهددها. وتكافح الحكومات داخليا لتقرير أي مزيج من الحرية والسيطرة والحشد والقمع قد يضمن مستقبلها. فالقليل جدا أو الكثير من أي شيء قد يأتي بنتائج عكسية.

تأمين العروش

ويساعد فهم هذا السياق من عدم اليقين في تفسير سبب مشاركة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في مجموعة غير مسبوقة من العمليات العسكرية في اليمن، تهدف إلى مواجهة إيران. كما أنه يساعد على تفسير سبب قيادة البلدين لتحالف عربي صغير ضد قطر، التي سعت إلى إيجاد فرص للتوافق مع القوى السياسية الإقليمية الجديدة. وهو ما يفسر أيضا التواصل العربي الأوسع مع (إسرائيل)، الذي طالما كان محظورا، لكن يُنظر إليه الآن على أنه حصن مهم ضد إيران. ويشرح كذلك الجهود العدوانية بشكل متزايد للسيطرة على السياسة الداخلية في جميع أنحاء المنطقة.

وعادة ما توصف حكومات الشرق الأوسط بأنها محافظة وحذرة، لكن المحافظة والحذر لن تجدي في عصر تكون فيه المخاطر عالية جدا، والمستقبل غير مؤكد، إلى هذا الحد. ومن المرجح أن يواصل جيل من القادة الشباب الهجوم بطرق جديدة. وكما يقولون بأنفسهم، فلا يمكنهم ترك أعدائهم، لأن أعداءهم لن يتركونهم، فهم يتوقعون القتال حتى النهاية.

وليس لدى الجماهير العربية الكثير من الخيارات. ولقد وضح لهم التكاليف المحتملة لمحاولة الصعود والمقاومة، ووضح أن الشعوب تفتقر إلى الصبر على تلك التكاليف أيضا. وبالنظر إلى كيفية استجابة حكوماتهم لهم، وكيف يستجيبون لحكوماتهم، تبدو اللحظة الحالية غير مؤكدة.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، فيمكنها أن تختار مدى التأثير الذي تسعى إلى ممارسته في المنطقة في الأعوام القادمة. ويمكنها أن تتدخل بشكل مباشر، أو يمكنها المساعدة فقط، أو يمكنها الوقوف إلى جانب أصدقائها في استغلال فرصهم وتعلم دروس جديدة. وفي الآونة الأخيرة، كان الإغراء يميل بقوة نحو الخيار الأخير، وسوف تضع عواقب كل ذلك الأساس لنصف القرن القادم، للأفضل أو الأسوأ.