الخليج أونلاين-
ضمن سياستهما العدائية للثورات العربية، والقوى الإسلامية في المنطقة، لجأت كل من الإمارات والسعودية إلى رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، ومبعوث السلام للشرق الأوسط توني بلير، مقابل الحصول على خدمات استشارية.
وتعتبر السعودية والإمارات بلير رجلاً دبلوماسياً مخضرماً، حيث وثَّقت علاقاتهما معه من خلال مؤسسته "توني بلير أسوشيتس" التي أنشأها عقب تركه رئاسة مجلس الوزراء البريطاني.
وبدأت رحلة بلير في العمل مع حكام الإمارات إثر مغادرته منصبه وتوليه منصب مبعوث الرباعية الدولية، حيث أقامت وزارة الخارجية الإماراتية حفلاً لاستقباله.
ونشرت صحيفة "صنداي تايمز" أن شركة "توني بلير أسوشيتس" وقَّعت عقداً لتقديم الاستشارات للإمارات العربية المتحدة مدة 5 سنوات، قابلة للتمديد، بقيمة تتراوح بين 25 و35 مليون جنيه إسترليني.
ويشمل الاتفاق الإشراف على المشاريع في دول أخرى مثل كولومبيا وفيتنام، وربط رجال الأعمال الإماراتيين وشركات الاستثمار الإماراتية بفرص فيما وراء البحار.
ويُعتبر بلير من المقربين لولي عهد الإمارات محمد بن زايد، الذي يشاطره انتقاده الصارخ للجماعات الإسلامية، وهو ما جعله شخصية مثيرة للجدل.
تضارب مصالح
يفسر محرر الشؤون الخارجية السابق في صحيفة "الديلي ميل" البريطانية، أنطوني هاروود، قوة العلاقة بين بلير والإمارات، بالقول: إن "تضارباً في المصالح بين الطرفين يجعل كلاً منهما بحاجة للآخر".
ويضيف هاروود في مقال نشره حول تلك العلاقة: إن "بلير بحاجة إلى المال ليدفع التكاليف العالية لسفراته ومكتبه الذي كان يديره، والإمارات بحاجة إلى شخص يتابع مصالحها الجيوسياسية والتجارية".
ويوضح أن دولة الإمارات العربية حَشَتْ جيوب مبعوث السلام بالمال؛ ليتابع مصالحها، في الوقت الذي كان يجب أن تتركه وشأنه؛ ليركز على المهمة التي أوكلت إليه.
ويؤكد أن بلير لم يلتزم بالمبادئ السبعة التي تحدد العمل العام، والمتمثلة بالتفاني، والنزاهة، والموضوعية، والمحاسبة، والانفتاح، والصدق، والقيادة، بعد تأكيد حصوله على ثروة مالية كبرى من دولة الإمارات.
وكانت صحيفة "الصنداي تايمز"، كشفت في تحقيق لها، عن جمع مؤسسات خيرية تابعة لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، معلومات عن النشطاء الإسلاميين والحركات الإسلامية في أفريقيا لصالح أنظمة قمعية متهمة بانتهاكات لحقوق الإنسان.
كذلك، نشرت صحيفة "التليغراف" البريطانية خبراً عن تعاقد مركز "توني بلير" للاستشارات بمبلغ يقدَّر بـ35 مليون دولار، مع الإمارات، وذلك في مقابل تقديم نصائح واستشارات، وفقاً لمسودة العقد المزمع بين مركز بلير ووزارة الخارجية الإماراتية.
حملات داخل بريطانيا
وكانت منظمة "سبن واتش" البريطانية كشفت، قبل أيام، عن إدارة الإمارات حملة ضغط داخل بريطانيا، يقودها بلير من خلال جمعية خيرية يديرها، بهدف التأثير في صناع القرار السياسي البريطاني، لاتخاذ مواقف ضد ثورات الربيع العربي، ونشر الأكاذيب ضد قطر.
ونشرت المنظمة تقريراً مفصلاً عن أنشطة اللوبي الإماراتي، من خلال رسائل إلكترونية مسرّبة بين جماعات الضغط الإماراتية في لندن ودبلوماسيِّين بريطانيِّين.
ويفضح التقرير الدور الذي لعبته الإمارات في تشكيل منظمات غير حكومية وهمية عملت على تنظيم مؤتمرات في العاصمة البريطانية، لما زعمت أنه "المعارضة القطرية"، أو للترويج لمزاعم دعم قطر الإرهاب، وذلك بحضور عدد من النيابيِّين والسياسيين البريطانيين الداعمين للإمارات.
وأوضح تقرير المنظمة أن الحملة الإماراتية استهدفت رئاسة الحكومة البريطانية، ومؤسسات إعلامية، ومراكز أبحاث إنجليزية كبرى.
ولفت إلى أن الإمارات سعت إلى التأثير في البرلمان البريطاني، من خلال الحصول على تأييد عدد من أعضاء مجلس العموم، ومنهم أيضاً وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط أليستر بيرت، الذي يترأس المجموعة النيابية المختصة بالإمارات، وذلك من خلال ترتيب زيارات خاصة ونيابية إليها، وبوساطة عدد من الشركات العاملة في مجال الضغط الحكومي.
وكشفت أن المنظمة الخيرية التي يترأسها توني بلير، منذ استقالته من رئاسة الوزراء، تلقت الملايين كتبرعات من الإمارات، خلال عمل الأخير مبعوثاً للأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط.
السعودية على الطريق ذاته
وحذت السعودية حذو الإمارات، حيث وقَّعت المملكة، ممثلة بولي العهد محمد بن سلمان، صفقة جديدة بنحو 12 مليون دولار مع توني بلير، لتقديم استشارات للحكومة السعودية.
ووفقاً لما نشرته صحيفة "صنداي تليغراف" البريطانية اليوم الأحد، فإن الصفقة وُقِّعت مع "معهد التغيير العالمي" التابع لبلير، ليكون الأخير مستشاراً لولي العهد السعودي، ومساعدته على تنفيذ رؤيته "2030" للمملكة.
وقالت الصحيفة إن الاتفاقية التي وُقِّعت مطلع العام الجاري اتفاقية لمؤسسة توني بلير، التي أسسها في عام 2016 بعد أن أنهى عملياته التجارية.
وأوضحت أن المعهد تلقى دفعة بقيمة 10 ملايين دولار مطلع العام الجاري، مقابل العمل الذي ينفذه موظفو المعهد في الشرق الأوسط.
وكشفت أن الدفع تم بوساطة شركة "ميديا إنفستمنت" المسجلة في غويرنسي، والتابعة للمجموعة السعودية للأبحاث والتسويق.
ولم يكشف المعهد أي شيء عن التمويل، إلا أنه بث منشوراً يمدح السعودية وحكومتها.
وقال مكتب بلير: إن المعهد "ليس من واجبه الكشف عن المانحين أو التبرعات"، ورفض الكشف عن المناقشات التي أجراها بلير مع أفراد العائلة المالكة السعودية أو الحكومة حول التمويل.
وأكد المتحدث باسم المعهد أنه يجري العمل على دعم التغيير في السعودية، وأن ذلك سيُنشر في التقرير القادم للمعهد.
وتعتبر الخدمات الاستشارية هي الأهداف المعلنة من وراء صفقة بلير والحكومة السعودية، ولكن فيما يبدو، فإن المملكة اتجهت إلى هذا الرجل بعد فشل سياساتها المتواصل في التعامل مع القضايا الإقليمية، وفي مقدمتها حرب اليمن، وقطر.
حرب العراق
ويعد بلير أحد أبرز السياسيين الذين قادوا الحرب على العراق، ويُتهم بترويج معلومات مضللة للرأي العام أسهمت في اتخاذ قرار الحرب.
واتهمت وسائل إعلام بريطانية بلير بالضلوع في إعداد ملف مخادع عن حرب العراق، احتوى على تحريف وتشويه لنتائج استخباراتية بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية.
وتقدَّم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، حينها، باعتذار عن أخطاء في التخطيط لحرب العراق، وأن المعلومات الاستخباراتية التي تلقاها كانت "غير صحيحة".