علاقات » عربي

كيف منحت السعودية والإمارات قبلة الحياة لـ"القاعدة" باليمن؟

في 2018/08/18

مايكل هورتون - ناشيونال إنترست- ترجمة زياد محمد -

كشف تحقيق أجرته وكالة "أسوشيتد برس"، مؤخرا، أن تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" ربما يكون قد تم رشوته من قبل الإمارات والسعودية والقوات اليمنية الحكومية، ويشير التحقيق إلى حالات تم فيها عقد صفقات بين التنظيم والإمارات وقواتها بالوكالة.

ويشير التحقيق أيضا إلى شيء كان معروفا بالفعل على نطاق واسع بين أولئك الذين يتابعون اليمن؛ فـ"القاعدة في شبه الجزيرة العربية" تقاتل إلى جانب بعض الميليشيات المدعومة من الإمارات والسعودية التي تقاتل الحوثيين.

قبضة لم تضعف

بالنسبة للعديد من هذه الجماعات المسلحة وربما للسعودية والإمارات (الحليفان الوثيقان للولايات المتحدة)، فإن التغلب على الحوثيين، العدو اللدود لتنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، له الأولوية على المخاوف من العمل مع "القاعدة".

ويرسم التحقيق الذي أجرته "أسوشييتد برس"، الذي يبدو أنه استند إلى مقابلات مكثفة داخل البلد، صورة لتنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" كمنظمة تبقى قوية بقدر ما هي قادرة، وهذا يتناقض مع التقييم الذي تقدمت به الإمارات والسعودية وبعض المحللين اليمنيين الذين يزعمون أن تنظيم "القاعدة" ضعف إلى حد كبير بسبب عمليات مكافحة التمرد المدعومة من التحالف العربي في جنوب اليمن.

ويعكس المنظور التقليدي لتنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" كمنظمة ضعيفة ومجزأة سوء فهم لاستراتيجية تنظيم القاعدة في اليمن حيث استفاد التنظيم من دروس السنوات الماضية لبناء استراتيجية أكثر واقعية تتضمن بنية لامركزية.

ومثل هذا الابتعاد عن المركزية يمكن أن يفهم خطئاً على أنه تفتت أو اندثار.

ومع ذلك، فمن الأرجح أن "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" يتكيف مع ويستفيد من الظروف المتغيرة جراء الحرب في اليمن المستمرة منذ قرابة 4 سنوات.

كانت قيادة "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" أدركت مبكرا أن دمج نفسها داخل المجتمعات المحلية أمر أساسي لتوسيع نفوذها وضمان بقائها على المدى الطويل.

ومنذ ظهوره في اليمن، حقق التنظيم هذه الاستراتيجية بنجاحات متفاوتة.

لكن استراتيجية الاندماج مع المجتمعات المحلية اكتسبت زخما واسعا لدى التنظيم بعد الهزائم التي منى بها عام 2012 عبر هجوم مشترك من قبل الجيش اليمني والميليشيات المحلية، وحظى بدعم وتنسيق من الولايات المتحدة.

دروس الماضي

تعلمت "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" دروسا كثيرة من ذلك العام الكارثي.

أولا: تبني التنظيم نهجا تدريجيا في فرض تفسيره الراديكالي للشريعة حتى لا ينفر السكان المحليين.

ثانيا: ركز التنظيم على إعادة توطين نفسه ليصبح أكثر محلية بعد أن تسبب المقاتلون الأجانب -الذين ضمهم- في وصمه بين السكان المحليين كقوة احتلال أجنبية.

لقد تعلم تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" من أخطائه الخاصة، وتعلم أيضا من أخطاء تنظيم القاعدة المركزي، الذي فشل لسنوات عديدة في توطين قواه ودمج نفسه ضمن السياق الاجتماعي والسياسي للدول المضيفة.

ويبدو أن تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، وغيره من الجماعات السلفية المقاتلة الجديدة، صاروا أكثر ميلا لنموذج حركة "طالبان" من تنظيم القاعدة المركزي.

إذ تغلغلت حركة "طالبان" في نسيج المجتمع الأفغاني، وقدمت نفسها كمنظمة تسعى بصبر إلى تحقيق أهداف استراتيجية طويلة الأجل.

وكان الاستيلاء على العاصمة اليمنية صنعاء، من قبل الحوثيين، في سبتمبر/أيلول 2014، والهجوم اللاحق الذي أسفر عن احتلال مدينة عدن لفترة وجيزة مع أجزاء أخرى من جنوب اليمن، بمثابة فرصة لتنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية".

فالهجوم الحوثي وما تبعه من توغل سعودي وإماراتي قدم للتنظيم بيئة مثالية لاختبار نهج واستراتيجيات جديدة تعكس نهجا أقرب لحركة "طالبان".

ففي نفس الشهر الذي أطلقت فيه السعودية والإمارات وشركاؤها في الائتلاف عملية عاصفة الحزم، في مارس/آذار 2015، استولت "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" على ميناء المكلا ، خامس أكبر مدينة في اليمن.

إذ احتل التنظيم المدينة وحكمتها من خلال وكلاء لمدة عام قبل أن تسقط المدينة في يد القوات التي تقودها الإمارات دون قتال في أبريل/نيسان 2016.

وكان احتلال تنظيم "القاعدة" للمدينة الكبيرة طوال العام وحكمها لها ناجحا في العديد من النواحي، وقد علم أن الحكم والإدارة من خلال الوكلاء كان إستراتيجية قابلة للتطبيق وفرت لها الغطاء السياسي والتكتيكي الذي تطلبه.

والأهم من ذلك، أن مثل هذه الاستراتيجية سمحت له بأن يدمج عناصره بشكل أفضل ضمن سياقات محلية محددة للغاية.

وفي الوقت نفسه الذي كان فيه تنظيم "القاعدة" يحتلّ المكلا، تم نشر مقاتليه أيضًا في مناطق قتال مختلفة ضد الحوثيين مثل مدينة تعز ومحافظة البيضاء.

وعلى غرار الاستراتيجية التي استخدمتها في المكلا، قلل تنظيم "القاعدة" من تركيزه على تطبيق الشريعة وشن الجهاد العابر للحدود الوطنية لصالح دمج نفسها في مجموعة متنوعة من السياقات الاجتماعية والسياسية والعسكرية.

مستقبل آمن

حولت هذه التغييرات استراتيجية "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" من استراتيجية قسرية خطابية وعالمية في نظرتها إلى حد ما، إلى استراتيجية محلية وهادئة نسبيا وبراغماتية.

قد يجعل هذا الأمر يبدو وكأن المجموعة مفتتة وضعيفة، لكن ما حدث فعليا أن "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" تتبنى وتوظف هيكلا عقديا يتجنب اتخاذ القرار المركزي كما كان في السابق.

وعندما يتم استخدام هذا الهيكل في حرب معقدة مثل اليمن، فإنه يجعل من الصعب جدا تحديد من العضو في تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" ومن ليس كذلك خاصة مع استضافة البلاد لعدد متزايد من المليشيات السلفية التي لا يمكن تمييز أسسها الإيديولوجية عن تلك التي يتبعها التنظيم.

 هذا بالإضافة إلى الجهود الواضحة التي يبذلها تنظيم "القاعدة" للاختفاء من حملات الطائرات بدون طيار التي تقودها الولايات المتحدة، والتي تعتمد بشكل كبير على معلومات استخبارية، ما يصعب من مهمة استهداف التنظيم.

لقد دمرت الحرب في اليمن البنية التحتية للبلاد، وزادت من فقرها وأغرقتها بالأسلحة بالأسلحة.

وفي هذا المناخ من غير المحتمل أن يفشل تنظيم مقاتل مثل "القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، الذي أثبت أنه قادر على التكيف، في استغلال مثل هذه البيئة.

أضف إلى ذلك الاحتمال الحقيقي بأن الإمارات والسعودية قد غضتا النظر عن "القاعدة"؛ ما يجعل مستقبل التنظيم في اليمن آمنا ومزدهرا لفترة ليست قليلة.