الخليج أونلاين-
بدأت الإمارات العربية المتحدة تفقد زمام الأمور ونفوذها في القارة الأفريقية، خاصة بعد صفعات متكرّرة تلقّتها بشكل متتابع وفي وقت قصير.
وشيئاً فشيئاً فقدت الإمارات السيطرة على عدد من موانئ البحر الأحمر، بدءاً من جيبوتي فالصومال ومن ثم السودان، فضلاً عن خسارة سياسية يرجّح أن تحدث في ليبيا.
وحسب مسح لـ"الخليج أونلاين"، أجرته على الفترة ما بين نوفمبر 2017 وسبتمبر 2018، تبيّن أن الإمارات خسرت نفوذها في 3 دول؛ عبر فسخ عقودها وإنهاء عملها.
كما أن مستقبل تحكّمها بالقرار السياسي في ليبيا بات مبهماً ومهدّداً؛ في ظل أنباء غير مؤكّدة تحدّثت عن وفاة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ذراع الإمارات الأولى في البلاد.
- جيبوتي
في سبتمبر الجاري، وجّهت جيبوتي ضربة قوية للوجود الإماراتي في القرن الأفريقي؛ بعد أن أممت ثلثي محطة دوراليه للحاويات، وهي نسبة تمثل حصة ميناء جيبوتي فيها، مع تصاعد النزاع مع موانئ دبي العالمية الإماراتية.
وقالت الحكومة في بيان لها الاثنين 10 سبتمبر الجاري: "إن تأميم حصة الميناء سيخضعها لإدارة وإشراف وسيطرة الدولة، بعيداً عن تدخل أي شركات أجنبية".
وبينت الحكومة الجيبوتية أنها "المفاوض الوحيد مقابل موانئ دبي"، موضحة أن "أحد الحلول التي تراها مناسبة مع الشركة الإماراتية هو الحصول على تعويض مالي عادل".
ويأتي قرار التأميم بعد 5 أيام من إعلان موانئ دبي عن إصدار محكمة لندن للتحكيم الدولي أمراً قضائياً يمنع شركة "بورت جيبوتي أس إيه"، المسؤولة عن إدارة "ميناء دوراليه" للحاويات، من إلغاء الاتفاقية مع موانئ دبي.
وأكدت موانئ دبي في بيان لها، الأربعاء 12 سبتمبر الجاري، "مواصلتها اللجوء إلى كافة الإجراءات القانونية للدفاع عن حقوقها، كمُساهمة وصاحبة امتياز في شركة المشروع المشترك لمحطة دوراليه للحاويات في جيبوتي، والتصدي لتجاهل الحكومة الجيبوتية الصارخ لسيادة القانون وعدم احترامها للعقود والاتفاقات التجارية".
هذه الضربة كانت نتاج دعاوى قدّمتها حكومة جيبوتي سنة 2014، تتهم الشركة الإماراتية بتقديم مدفوعات غير قانونية لتأمين الحصول على الامتياز الخاص بمحطة "دوراليه" للحاويات، مدته 50 عاماً.
وبعد هذا القرار الذي اعتُبر خسارة مدوّية للإمارات التي تسعى لبسط نفوذها في البحر الأحمر، تحوّلت محطة حاويات "دوراليه" لتكون تحت سلطة الحكومة الجيبوتية بشكل كامل.
وعام 2009، افتتحت موانئ دبي المحطة بتكلفة بلغت 280 مليون دولار، كما بلغ حجم الاستثمار الكامل لموانئ دبي أكثر من مليار دولار، تتضمّن المحطة الأولى والثانية والشارع الرئيسي الذي يصل بين الموانئ والعاصمة.
ويأتي الخلاف بين الإمارات وجيبوتي على الرغم من وقوف الأخيرة مع دول الخليج المحاصِرة لقطر (السعودية والإمارات والبحرين)، حيث خفّضت مستوى التمثيل الدبلوماسي لدى الدوحة عقب بدء الأزمة، في يونيو الماضي.
وتشكّل محطة "دوراليه" ثروة لجيبوتي الواقعة قرب البحر الأحمر، وتحمل أهمية استراتيجية بالنسبة إلى دول مثل الولايات المتحدة والصين واليابان وفرنسا، التي تملك جميعها قواعد عسكرية في المنطقة.
- الصومال
وتواجه "موانئ دبي" أزمة أخرى في أفريقيا؛ بعد أن صوّت البرلمان الصومالي، في مارس الماضي، لحظر عمل الشركة في البلاد، ما يشكّل تهديداً لمصالحها في ميناء بربرة.
ودشّنت أبوظبي باتفاق مع "جمهورية أرض الصومال" (غير معترف بها دولياً) قاعدة بربرة العسكرية دون موافقة الدولة الاتحادية، إذ كانت أبوظبي تقدّم دعماً عسكرياً وأمنياً كبيراً للصومال على مدار سنوات طويلة.
لكن هذ الدعم لم يستمرّ، لا سيما بعد أن صدّق مجلس الشعب في البلاد على مشروع قانون حول حرمة سيادة الدولة ووحدة أراضيها، رداً على الوجود الإماراتي في ميناء بربرة.
ونصّ القرار على منع الشركة الإماراتية من العمل في البلاد، متضمّناً اتهامها بـ"الاعتداء الصارخ على سيادة الصومال ووحدته"، وذلك وسط مساعٍ جادّة لحلف الرياض-أبوظبي لاحتواء موانئ البحر الأحمر.
وربما ترجع جذور الأزمة بين "موانئ دبي" وحكومة الصومال إلى أنّ الإمارات دخلت إلى مقديشو عبر باب خاطئ، يمثّل بالفعل تهديداً لوحدة البلاد؛ من خلال التعاون مع "صوماليلاند".
وكان الوجود الإماراتي في الصومال من خلال شراكة بين الإمارات وحكومة "أرض الصومال الانفصالية"، تعمل على تطوير ميناء بربرة وإنشاء منطقة تجارة حرّة هناك.
و"أرض الصومال" هي منطقة حكم ذاتي تقع في القرن الأفريقي، لكنها لا تمتلك اعترافاً رسمياً من قبل الأمم المتحدة وأغلبية دول العالم، التي تعتبرها تحت سيادة الصومال.
وميناء بربرة يستمدّ أهميته بالنسبة إلى الإمارات من عمليّاتها العسكرية في اليمن ضمن التحالف العربي الذي تقوده السعودية، إذ سعت أبوظبي إلى بسط سيطرتها عليه وحوّلته إلى مهبط للطائرات، ما يعزّز نفوذها الإقليمي في المنطقة.
- السودان
وتوالت خسارات الإمارات بعد معركة سابقة وصامتة دارت نهاية العام الماضي، وتحديداً في شهر نوفمبر 2017، للسيطرة على ميناء بورتسودان من قبل شركة موانئ دبي، لكنها باءت بالفشل.
وسبق للشركة التي تسيطر على أغلبها حكومة أبوظبي، العام الماضي، أن تقدّمت مع أكثر من 20 شركة أخرى بعطاءات لإدارة الميناء السوداني بورتسودان، وطلبت من هيئة الموانئ البحرية السودانية تسليمها إدارة الميناء بالكامل.
غير أن الهيئة رفضت ذلك، واقترحت على "موانئ دبي" مناصفة الإدارة مع الشركة الفلبينية التي تدير الميناء منذ عام 2013، لكن الأولى لم توافق.
ومع ذلك تقدّمت الإمارات له مجدداً في مفاوضات سرية، ليأتي رفض عمال الموانئ السودانية خصخصة ميناء بورتسودان بمنزلة إغلاق نهائي لذلك الباب.
وخيَّب إعلان السودان، في 16 نوفمبر 2017، اتفاقاً استراتيجياً مع دولة قطر لإنشاء ميناء "بورتسودان" آمال دولة الإمارات العربية المتحدة، التي سعت للسيطرة على أكبر موانئ ساحل البحر الأحمر وأهمها.
وإن كان الميناء سيقلّص من النفوذ الإماراتي في القرن الأفريقي فإنه يعزّز من قوة الدوحة من باب تطوير وتعزيز العلاقات مع السودان، ويعتبر ورقة سياسية واقتصادية رابحة جديدة في المعركة مع دول الحصار.
- ليبيا
الخسارة في ليبيا مختلفة تماماً؛ فيبدو أن الأزمة هناك ستدخل منعطفاً جديداً ومفاجئاً بعد توقّعات بغياب اللواء المتقاعد خليفة حفتر عن المشهد؛ بسبب أزمة صحية ألمّت به، مطلع أبريل الجاري، جعلت مصيره مُبهماً.
تدهور الحالة الصحية لحفتر، الذي كان يمثّل الحضور الإماراتي والمصري القوي في بلاده، أثار أحاديث جادّة عمَّا سيحدثه غيابه (إن حصل)، خاصة أنه لا يوجد بديل واضح بين قواته، حتى اللحظة على الأقل.
وحالياً تكثر التكهّنات بشأن حفتر حال خروجه من المشهد المعقّد، سواء بعدم قدرته على المواصلة، أو الموت، كما أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار ولاء الخليفة الجديد بنفس الدرجة للإمارات ومصر.
وتخشى الإمارات أن يأخذ بديل حفتر منحى مغايراً، خاصة أن كثيراً من الخلافات تعتري عمل قوات شرق البلاد (طبرق)، التابعة للواء المتقاعد.
وإذا لم تجد الإمارات بديلاً عظيم الولاء لها كحفتر، فإنها بذلك ستخسر ذراعها في ليبيا، خاصة إذا ما تمكّنت حكومة الوفاق، برئاسة فايز السراج، من أداء مهامّها بدعم الأمم المتحدة التي تعترف بها.
ومنذ عام 2014، يقود حفتر قوات شرق ليبيا المدعومة من مجلس النواب في طبرق، كما أنه يعتبر واجهة نفوذ أبوظبي والقاهرة في الصراع الليبي، الذي أذكاه الرجل القادم من قلب نظام الزعيم الراحل معمر القذافي.