علاقات » عربي

الصواريخ الحوثية على السعودية: الترسانة والأهداف

في 2018/09/13

محمد شرف- البيت الخليجي-

تصدرت صواريخ جماعة أنصار الله (الحوثيين) مشهد الحرب في اليمن مع تكثيف الجماعة لهجماتها الصاروخية ضد المدن السعودية. رقمياً؛ تعرضت ست مدن سعودية (الرياض، جدة، عسير، نجران، جازان، ينبع)، لنحو 185 صاروخاً، ومع اختلاف تقديرات الإصابة للأهداف إلا أن ثمة إجماعاً بأنها حملت دلالات وأبعاد مختلفة. ما يفرض تساؤلات مُهمة حول واقع القوة الصاروخية للحوثيين، مصدرها، ورسائلها السياسية والعسكرية.

في قراءة بسيطة لمستوى حصيلة الهجمات الصاروخية خلال (يونيو 2015 – أغسطس 2018)، يبدو واضحاً التحول في قُدرات الحوثيين الصاروخية وتزايد عمليات الإطلاق من الحالة الفردية إلى شكل دُفعات. وخلال النصف الثاني من 2015؛ تم إطلاق 13 صاروخاً. ليصل العدد خلال عامي 2016 و 2017 إلى نحو 83 صاروخاً، استهدفت نسبة كبيرة منها مدن الجنوب السعودي (عسير، نجران، جازان) عبر صواريخ باليستية تُطلق عليها الجماعة اسم (بدر– 1) و (القاهر– M2) و (بركان H2)، الذي استهدف مطار الملك خالد الدولي بالرياض في نوفمبر 2017.

العام الرابع من الحرب؛ شهد مُنعطفاً مفصلياً وتحولاً كبيراً في عملية إطلاق الصواريخ (نوعاً وكماً وهدفاً). في الفترة (يناير – أغسطس 2018)، تعرضت المدن السعودية إلى 102 صاروخاً باليستياً. وفي رسالة هي الأقوى -منذ اندلاع الحرب- أطلقت جماعة أنصار الله في الذكرى الثالثة لعاصفة الحزم سبعة صواريخ دفعة واحدة، ثلاثة منها في اتجاه الرياض، فيما استهدفت الأربعة الأخرى منشآت إستراتيجية وعسكرية بمدينتي عسير ونجران.

الترسانة الصاروخية للحوثيين

السؤال الأهم؛ ما هو الحجم الحقيقي لترسانة الحوثيين الصاروخية وقدراتها؟ تتعدد الإدعاءات بشأن المخزون الصاروخي لليمن، لكن خبراء يرون بأن الجيش النظامي كان يمتلك ما بين 300 – 500 صاروخ باليستي من نوع (سكود)، روسي الصنع. ووفقاً لمصادر عسكرية في ألوية الصواريخ اليمنية؛ فإن جماعة الحوثي نجحت في الاحتفاظ بجزء كبير منها، حصلت عليها من مخازن الجيش إبان سيطرتها على صنعاء ولم تصل إليها هجمات التحالف لوجودها في أنفاق عميقة تحت جبلي النهدين وعطان بصنعاء، نقل الحوثيون جزء منها إلى محافظات (عمران، صعدة، الجوف). وخلال (2006 – 2010) حصل اليمن على صواريخ من كوريا الشمالية لم يتم الكشف عن حجمها أو نوعها.

جزء من هذه الصواريخ، شهدت عملية تطوير وتحديث لزيادة مداها. فصاروخ (بركان 1)، الذي يصل مداه لنحو 800 كم، يقول الحوثيون بأنه تم تطويره عن الصاروخ الروسي (سكود). و(قاهر 1، أرض/ أرض)، مُطوّر محلياً عن الصاروخ الروسي (سام2، أرض/ جو)، كانت اليمن تمتلك منه بين 800 – 1000 صاروخ ويصل مداه الى 400 كم . وصواريخ (هواسونغ – 5) الكورية، ذات مدى 700 كم. و(زلزال1) الإيراني. يُضاف إليها، أنواع أخرى من الصواريخ، يقول الحوثيون انه تم تصنيعها محلياً، بينما تُشير تقارير إلى أنهم حصلوا عليها من إيران.

الهجمات الصاروخية، لم تنجح في مُعالجة الخلل في موازين القوة العسكرية مع قوات التحالف، خصوصا مع محدودية تأثيراتها المادية والعسكرية، لكنها– بحسب مراقبين – تُشكل مصدر قلق للسعودية. وهو ما يُثير تساؤلات بشأن قُدرة المملكة على تحييدها وتفادي خطرها بدقة أكبر وكُلفة اقل، خاصة مع ظهور تقارير تنتقد منظومة الدفاع الجوي الصاروخي للسعودية (باتريوت)، مُشككة بالعديد من وقائع الاعتراضات التي تم الإعلان عنها، فضلاً عن الآثار السلبية الناجمة عن تلك الصواريخ الاعتراضية. يضاف لذلك قصور إدارة هذه المنظومة الدفاعية، حيث تمكنت العديد من الصواريخ والطائرات المسيرة من تخطيها والوصول إلى العمق السعودي، ما أثار شكوكاً عدة حول مدى كفاءة وفاعلية تكنولوجيا هذا النظام الدفاعي.

رسائل الحرب.. البحث عن التفاوض

وفقاً للمعطيات المُرتبطة بالهجمات الصاروخية التي نفذتها جماعة الحوثي؛ فإنها دون شك؛ تحمل رسائل سياسية وعسكرية واقتصادية، أكثر من كونها سلاح ردع أو تدمير. رسائل لم تكن– بعضها– بعيدة عن حسابات متعلقة بالتطورات الإقليمية والدولية، ومنها ما كانت “تحذيرية” مع أي تصعيد داخلي يفتعله التحالف.

سياسياً؛ الرسالة الأهم التي تحاول جماعة أنصار الله إيصالها إلى الرياض، أنها لا تزال قادرة– رغم آلاف الضربات الجوية ضدها – على تهديد المدن السعودية. والتأكيد على استحالة الحل العسكري للأزمة، فالإصرار على خيار الحرب؛ يعني أن أجواء المملكة على موعد مع المزيد من الصواريخ، التي أصبحت رسائل ضغط للقبول بالتفاوض.

عسكرياً؛ تهدف الجماعة إلى إظهار فشل الإستراتيجية الدفاعية للرياض أمام تهديدات الصواريخ. محاولة إيهام التحالف بالقدرة على إحداث توازن في القوة العسكرية، في رسالة تُكرر تقديمها كمبادرة (أن يوقف التحالف غاراته مقابل وقف الحوثيين إطلاق الصواريخ ). يُضاف اليه، استنزاف مخزون صفقة ال ـ600 صاروخ “باتريوت” التي أشترتها الرياض من الولايات المتحدة أغسطس 2015، والتي أوشكت على النفاذ.

اقتصادياً؛ تركزت نسبة كبيرة من الهجمات الصاروخية على المنشآت والمناطق الاقتصادية وما يتصل بها من مطارات وموانئ، والرسالة؛ إظهار إمكانية قُدرة التأثير على النشاط الاقتصادي، وخلق بيئة مُتنامية التهديد، طاردة لأي استثمار. وامتدت هذه الرسائل لاستهداف ناقلات النفط السعودية في البحر الأحمر يوليو الماضي، ما دفع المملكة إلى تعليق جميع شحنات النفط الخام التي تمر عبر باب المندب مؤقتاً.

يبدو واضحاً؛ ان إطلاق الجماعة لعشرات الصواريخ – معظمها رخيصة نسبياً – يهدف لاستنزاف موارد المملكة من خلال جردة حساب بسيطة؛ أطلق الحوثيون نحو 185 صاروخاً، وتقول السعودية أنها اعترضت 181 صاروخا (حتى أغسطس 2018). وإذا كان إسقاط كل صاروخ باليستي يحتاج إلى إطلاق ما بين 3-4 صواريخ (باتريوت)، قيمة كل واحد منها 3 ملايين دولار، فإن تكاليف هذه العملية – وحدها – تُقدر بنحو مليار و629 مليون دولار .

إن فشل مفاوضات جنيف بين أطراف الصراع في اليمن في اختراق جدار الأزمة يجعل من العام الرابع للحرب عاماً مختلفاً، حافلاً بالمفاجآت ومشحوناً بكل أسباب الصراع. والصواريخ الحوثية بكل تأكيد هي جزء لا يتجزأ من معادلات هذا الصراع ويومياته .