علاقات » عربي

بسلاح الأحواز والحوثيين.. هل تشتعل الحرب داخل السعودية وإيران؟

في 2018/09/24

الخليج أونلاين-

"لن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل سنعمل لكي تكون المعركة في إيران".. عاد صدى هذه العبارة القاسية التي أطلقها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان آل سعود، ليتردد بعد الهجوم الذي استهدف عرضاً عسكرياً في الأحواز وقتل فيه 29 شخصاً يوم 22 سبتمبر 2018.

المسؤولون الإيرانيون سارعوا على الفور لاتهام دولتين خليجيتين- دون تسميتهما- بالوقوف وراء الحادث، كما أكد المرشد علي خامنئي أن الهجوم "مرتبط بحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة".

وأوضح خامنئي في بيان على موقعه على الإنترنت: "هذه الجريمة استمرار لمؤامرات دول المنطقة (لم يسمها)، وهي دُمى في أيدي الولايات المتحدة، وهدف تلك الدول هو انعدام الأمن في بلدنا العزيز".

بدوره، قال المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية، العميد أبو الفضل شكرجي، لوكالة "إرنا" الرسمية: "إن 4 دول، اثنتان منها في منطقة الخليج، تقف وراء الهجوم المسلح".

وكانت حركة النضال العربي لتحرير الأحواز، وهي جماعة عربية مناهضة للحكومة الإيرانية، التي سبق أن قامت بعمليات ضد منشآت إيرانية دعماً لتحالف السعودية العسكري في اليمن، تبنت الهجوم على العرض العسكري.

كما اعتبر ناشطون أحوازيون معارضون لإيران الهجوم تنفيذاً لوعد السعودية بنقل المعركة إلى الأراضي الإيرانية.

وتشتبك السعودية مع إيران في صراع إقليمي على النفوذ؛ حيث باتت إيران متوغلة في العديد من الدول العربية مثل سوريا واليمن ولبنان والعراق، وقد أدى الدعم الإيراني لجماعة الحوثيين باليمن إلى شن المملكة حرباً هناك تحت غطاء تحالف عربي قامت بتشكيله.

- شماتة

الصحف السعودية والموالية لها كانت "الشماتة" بما جرى في إيران عنوانها الأبرز، على الرغم من صمت الموقف الرسمي، إذ عنونت صحيفة "الحياة" تقول: "ضربة موجعة للحرس الثوري في الأحواز"، معتبرة أن الهجوم ضرب هيبة النظام الإيراني، لا سيما أنه يتباهى دوماً بأن إيران "واحة أمن وسلام" في منطقة مضطربة.

وتحت عنوان "هجوم المنصة يفاجئ الحرس في الأحواز"، ذكرت "الشرق الأوسط" أن مسلحين فاجؤوا "الحرس الثوري" والجيش الإيراني باستهداف منصة لكبار المسؤولين خلال عرض عسكري بالأحواز.

أما "عكاظ" فتناولت الهجوم تحت عنوان "انقلب السحر على الساحر.. مقتل وإصابة أكثر من 90 عسكرياً إيرانياً في هجوم بالأحواز"، حيث أوضحت أن إيران ارتعدت وأغلقت منفذين حدوديين مع العراق بعد ساعات من الهجوم.

لكن التعليق الأكثر استفزازاً كان من مستشار ولي عهد أبوظبي السابق، عبد الخالق عبد الله، الذي اعتبر أن الهجوم "ليس إرهابياً" لأنه ضرب منطقة عسكرية، وأضاف متوعداً: "إنّ نقل المعركة إلى العمق الإيراني خيار معلن، وسيزداد خلال المرحلة القادمة".

وإثر هذا التعليق استدعت الخارجية الإيرانية القائم بالأعمال الإيماراتي في طهران احتجاجاً عليه، كما توعد مسؤولون في إيران الإمارات بـ"الندم".

- الورقة الأحوازية

وتعيش العلاقات بين الإمارات والسعودية والبحرين من جهة وإيران من جهة أخرى حالة قطيعة منذ مطلع العام 2016، عندما أحرق محتجون السفارة السعودية في طهران، وبسبب دعم إيران لانقلاب الحوثيين في اليمن عام 2015.

ومنذ ذلك الحين تستخدم الرياض ورقة المعارضة الإيرانية للضغط على النظام، خصوصاً الأحوازية منها، حيث سبق أن تقدمت المملكة في أكتوبر 2017 بطلب للأمم المتحدة، للنظر في الاضطهاد الذي يعيشه سكان الإقليم.

وقالت السعودية حينها في المذكرة: إن "إيران لم تقدم مؤشرات بأن نظامها يعتزم معالجة الظلم والاضطهاد الذي يعاني منه عرب الأحواز ومصادرة هويتهم العربية وحقوقهم المدنية"، مضيفة أن "إيران تسعى لصرف انتباه العالم عن الوضع المزري لحقوق الإنسان فيها من خلال اختلاق الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار في دول المنطقة والعمل على نشر خطاب الكراهية والطائفية".

وللسعودية أيضاً بصمات دعم لحركة النضال العربي لتحرير الأحواز التي تبنت هجوم العرض العسكري، والتي هنأ زعيمها حبيب جبر، المملكة عشية الهجوم بمناسبة اليوم الوطني السعودي، الذي صادف زمن الهجوم.

وأشاد جبر "بنجاح المملكة في تصدّيها للأطماع الفارسية التوسعية والتهديدات الإقليمية المتعاظمة، التي تواجهها الأمة العربية من قبل إيران"، كما قال.

وسبق أن نفذت الحركة عمليات عسكرية ضد منشآت إيرانية دعماً لتحالف السعودية العسكري في اليمن ضد الحوثيين، أبرزها عندما استهدفت أنابيب ومنشآت نفطية في العام 2016 رداً على ما اعتبرته حينها "تطاولاً إيرانياً على الأمة العربية ودعماً للجهود السعودية في التصدي لها".

وبين حين وآخر، تخرج تصريحات عن مسؤولين إيرانيين يتهمون فيها السعودية بمحاولة العبث بأمن بلادهم، أبرزها ما جاء على لسان وزير الاستخبارات الإيراني، محمود علوي، في العام 2016، واتهم فيه السعودية "بدفع 500 ألف دولار لكل عملية إرهابية تُنفّذ في إيران، وبدفع 3 آلاف دولار مرتباً لكل عنصر إرهابي يعمل لحسابها في إيران".

كذلك قال علوي إن إحدى المجموعات الإرهابية التي تديرها المخابرات السعودية تتألف من 120 فرداً، مؤكداً أن السلطات الإيرانية "ترصد تحركات كل الإرهابيين داخل إيران وخارجها"، فيما اتهمت طهران الرياض أيضاً بدعم المظاهرات الإيرانية التي خرجت مؤخراً احتجاجاً على تردي الأوضاع في البلاد.

- المعارضة الشيعية

ولم تغب المعارضة الشيعية عن بوصلة الدعم السعودي، فخلال مؤتمرها الذي عقد في باريس صيف العام 2016، كان رئيس جهاز الاستخبارات السعودية الأسبق، الأمير تركي الفيصل، حاضراً بل وداعياً إلى تغيير النظام في طهران.

وقال الفيصل: إن نظام الخميني "لم يجلب سوى الدمار والطائفية وسفك الدماء ليس في إيران فحسب، وإنما في جميع دول الشرق الأوسط"، لافتاً إلى أن "الخميني سعى لتصدير ثورته للعالم فزاد الفرقة فيه، وخصوصاً العالم الإسلامي"، بحسب قوله.

الوجود السعودي بالمؤتمر، عبر رئيس جهازها الاستخباراتي الأسبق، مثل رسالة إلى النظام الإيراني مفادها الانتقال من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم، حسبما فسرها مراقبون.

كما أن هذا الحضور البارز في مؤتمر المعارضة الإيرانية تبعه طلبات عديدة بعدم الاكتفاء بهذه الخطوة، وإلحاقها بأعمال تصعيدية أخرى للضغط على النظام الحالي؛ منها العمل على مخاطبة الشعب الإيراني مباشرة وبلغته، والتطلع إلى التواصل مع المعارضة في الداخل الإيراني، خاصةً أن الخطوة السعودية تأتي ضمن رحلة طويلة لن تؤتي ثمارها بين عشية وضحاها.

وأثار حضور تركي الفيصل حينها غضب الحكومة الإيرانية، حيث وصفته بحضور "شخص هو مؤسس القاعدة وطالبان، وكان له دور مخزٍ جداً في تاريخ النظام السعودي في المنطقة".

- الغضب الأمريكي

وسعت السعودية للاستفادة من الغضب الأمريكي على إيران منذ تولي دونالد ترامب الرئاسة، ودعمت إعلانه إلغاء الاتفاق النووي مع طهران، في خطوة تراها فرصة لتغيير النظام الإيراني.

وتؤكد تحليلات نشرتها صحيفة "واشنطن بوست"، أن الإدارة الأمريكية بلورت بالفعل استراتيجية جديدة بالتعاون مع السعودية، للإطاحة بنظام الملالي في أقرب وقت ممكن.

وسبق أن كشفت صحيفة "نيويورك تايمز"، نقلاً عن مسؤولين أمريكيين وعرب، أن إدارة ترامب تمضي قدماً خفية في مساع لتشكيل تحالف أمني وسياسي جديد، مع دول الخليج العربية ومصر والأردن بهدف التصدي للتوسع الإيراني في المنطقة.

واستباقاً لفرضِ ترامب حظراً على القطاع النفطي الإيراني في نوفمبر المقبل، تعهدت السعودية والإمارات بتعويض الحصة الإيرانية؛ في مسعى لإخراج طهران من سوق النفط بالكامل، الأمر الذي اعتبرته الأخيرة بمنزلة "إعلان حرب".

- كيف سترد إيران؟

لكن في المقابل، سيكون على إيران الرد على الحراك السعودي، خاصة أن لها يداً طولى في ضرب المصالح السعودية، والصواريخُ الحوثية التي تنهمر على المملكة بشكل شبه يومي خير دليل.

أساليب ‬كثيرة‭ ‬يرى مراقبون إمكانية استخدامها من قبل طهران، منها‭ ‬تحريك الشيعة في السعودية من خلايا نائمة لضرب منشآت حيوية كالقطاع النفطي في المنطقة الشرقية، خاصة أن ‬إيران ‬صاحبة باع طويل في ‬إدارة‭ ‬المعارك‭ ‬والحروب‭ ‬بالوكالة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬"مليشيات"، وإذا ما وقع هذا فإنه سيهز صورة المملكة الأمنية.

واستشاط الإيرانيون غضباً أيضاً حين دعمت الرياض وأبوظبي قرار إدارة ترامب فرض حظر على الصادرات النفطية الإيرانية وتخفيضها إلى الصفر، وهدد مسؤولون، على رأسهم المرشد الأعلى، في أغسطس الماضي، بمهاجمة المصالح النفطية للسعودية والإمارات وإغلاق مضيق هرمز  بالكامل.

كما هدد اللواء سيد يحيى رحيم صفوي، المستشار العسكري للمرشد الإيراني علي خامنئي، بقصف القصور الملكية السعودية إذا أراد السعوديون "ارتكاب خطأ"، على حد قوله، معتبراً أن بلاده هي "القوة الأولى في المنطقة".

ورأى صفوي، الذي شغل منصب قائد الحرس الثوري سابقاً، في تصريحات له نقلتها وكالة "تسنيم" الإيرانية المقربة من الحرس الثوري، في يوليو الماضي، أن "أياً من دول الجوار لا تشكل تهديداً لإيران"، محذراً السعوديين من أنهم "إذا أرادوا ارتكاب خطأ ففي اليوم الأول سيتم قصف قصورهم الملكية في الرياض بـ1000 صاروخ، وطبعاً أستبعد أن يرتكبوا مثل هذه الحماقة"، كما قال.

ومن الخطوات التي قد تقوم بها إيران ضد السعودية اغتيال دبلوماسيين كبار ومؤثرين، كما حصل في العام 2011 عندما حاولت اغتيال عادل الجبير عندما كان سفيراً في أمريكا.

وثبت حينها تورط النظام الإيراني في تلك المحاولة، وحددت الشكوى الجنائية التي كُشف النقاب عنها في المحكمة الاتحادية في نيويورك اسم الشخصين الضالعين في المؤامرة، وهما منصور أرباب سيار، الذي قُبض عليه وصدر حكم بسجنه 25 عاماً، والآخر غلام شكوري، وهو ضابط في الحرس الثوري الإيراني موجود في إيران، وهو مطلوب من قبل القضاء الأمريكي.

وعقب هجوم العرض العسكري الأخير واتهام السعودية، توعد الرئيس الإيراني حسن روحاني بـ"رد مدمر"، مشدداً على أن على "حماة الإرهابيين يجب أن يتحملوا المسؤولية".

ووسط هذه المعطيات، يخشى مراقبون أن تؤدي هذه الخطوات المشحونة إلى حربٍ مدمرة يكون الخاسر فيها طرفي النزاع، وهو ما يدخل الشرق الأوسط في حلقة حرب جديدة لا نهاية لها.